مرة أخرى يأبى بعض ضعاف النفوس إلا أن يتمادوا في تهورهم ونسج الترهات عبر نشر أخبار زائفة، ترمي إلى إثارة البلبلة دون مراعاة لمشاعر المغاربة، أو أدنى تقدير لما تمر به بلادنا من ظروف عصيبة بسبب الأزمة الصحية. إذ قاموا بالترويج الواسع النطاق على منصات التواصل الاجتماعي، لما زعموا أنه قرار “رسمي” بفتح مساجد المملكة يوم الخميس 4 يونيو 2020، في إطار الخروج التدريجي من الحجر الصحي المتخذ منذ 20 مارس 2020 ضمن الإجراءات الاحترازية والوقائية، للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد أو “كوفيد -19″، والحفاظ على صحة وسلامة المواطنات والمواطنين. بيد أنه سرعان ما تفاعلت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية مع هذا الحدث غير المسؤول، وقامت بإصدار بلاغ عاجل يوم الخميس 28 ماي 2020 تكذب من خلاله تلك المزاعم العارية من الصحة، وتندد بمثل هذه الأخبار الرعناء لما لها من بالغ الآثار والخطورة على النفوس، مؤكدة على أن كل ما له صلة وثيقة بالشأن الديني بما في ذلك المساجد، يعتبر خطا أحمر لا يجوز بأي حال تجاوزه، وأن القنوات الرسمية هي وحدها الكفيلة باتخاذ ما تراه قرارا مناسبا وفي الوقت المناسب. وهو ما اضطر معه الوزير الوصي على القطاع أحمد التوفيق إلى استغلال فرصة تقديمه عرضا حول مجموعة من التدابير التي اتخذتها وزارته من أجل تمنيع وتحصين الأنشطة التي تسهر عليها، لاسيما ما يتعلق منها بدعم وتقوية التأطير الديني في ظل جائحة كورونا، أمام لجنة الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية والمغاربة المقيمين في الخارج، ليطمئن المواطنين بأن الوضع لن يدوم طويلا وأن الأمور ستعود لا محالة إلى سابق عهدها بإقامة الصلاة في بيوت الله فور عودة الحالة الصحية ببلادنا إلى طبيعتها، وصدور قرار بذلك من لدن الجهات الإدارية والصحية المعنية والمختصة. والمسجد في اللغة هو مكان للصلاة، يسجد فيه المصلون لخالقهم والجمع منه مساجد، أما معناه في الاصطلاح، فيأتي على أن العبادة فيه تكون خالصة لله وحده. وللمساجد في الإسلام حرمتها وأهميتها القصوى ولها دور كبير في حياة الأفراد والمجتمع، باعتبارها بيوت الله المقدسة على الأرض، حيث جاء في قوله تعالى: “في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، يسبح له فيها بالغدو والآصال”(سورة النور الآية 36). وفضلا عما للصلاة بالمساجد من فضائل عديدة ومتنوعة، كتعويد النفس على احترام الوقت والانضباط والطاعة، فهي بمثابة مدارس يلتقي فيها المصلون من مختلف الأعمار عدة مرات خلال اليوم الواحد، مما يتيح لهم فرصة التعارف والتربية على أفضل القيم الأخلاقية من تآزر وتعاون وتماسك وتعميق المعارف بشؤونهم الدينية، عبر ما يلقى بداخلها من دروس وخطب في أيام الجمعة. وتجدر الإشارة إلى أنه في إطار الحيلولة دون تفشي جائحة “كوفيد -19″، أصدرت الهيئة العلمية للإفتاء بالمجلس العلمي الأعلى فتوى بضرورة إغلاق المساجد بالنسبة لجميع الصلوات بما فيها صلاة الجمعة، ابتداء من يوم الاثنين 16 مارس 2020 بناء على طلب من ملك البلاد محمد السادس. مما جعل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تتخذ بهذا الخصوص حزمة من التدابير، وإغلاق 52 ألف مسجدا وحوالي 1500 زاوية وما يفوق خمسة آلاف ضريحا وزهاء 300 مؤسسة للتعليم العتيق و14 ألف من الكتاتيب القرآنية وغيرها من التجمعات المرتبطة بدروس محو الأمية ومعاهد جامعة القرويين… أما بالنسبة لما تم الترويج له عن فتح المساجد حتى قبل الخروج الآمن من الحجر الصحي الذي يمتد إلى غاية مساء يوم الأربعاء 10 يونيو 2020 في السادسة، ودون التحكم في الاستقرار التام لمنحنى الوباء أمام استمرار ظهور بؤر مهنية وعائلية هنا وهناك، فإن ذوي الأهداف المغرضة والنيات السيئة برهنوا من جديد على شدة غبائهم وعدم إلمامهم بمدى خطورة الوباء وانعكاساته، واتضح جليا أنهم لا يريدون إلا إشعال الفتنة مع انطلاق عملية رفع الحجر الصحي تدريجيا عن مجموعة من القطاعات، شريطة التقيد بقواعد الوقاية اللازمة. إذ غاب عن أذهانهم أن الإقدام على هكذا خطوة متسرعة في هذا الظرف الحساس من شأنه جر البلاد إلى انتكاسة كبرى نحن في غنى عنها، ومن الممكن أن تنسف كل تلك الجهود الجبارة التي نوهت بها عدة بلدان في العالم وكبريات الصحف الدولية. فقرار فتح المساجد أمام جمهور المصلين ليس بالأمر الهين كما يعتقد البعض ويروج له آخرون، حيث أنه يتطلب وقتا إضافيا للتخطيط المحكم واحتياطات كبيرة، لما تقتضيه العبادة بين جدرانها وفي باحاتها من طقوس وخشوع، غير ما هي عليه في الوحدات الصناعية، إذ يستحب في صلاة الجماعة عند الوقوف خلف الإمام، الحرص على تسوية الصفوف واعتدال القائمين في الصف على سمت واحد مع التراص، أي تلاصق المناكب والأقدام، تفاديا لأي خلل أو فرجة في الصف. من هنا وتأسيسا على ما سلف يتبين أنه مازالت هناك عدة صعوبات تحول حاليا دون أداء الصلاة بالمساجد بالكيفية ذاتها التي اعتاد عليها المواطنون قبل جائحة كورونا، لما بات يفرضه الوضع القائم من تريث وتوخي الحيطة والحذر إلى حين استقرار الحالة الوبائية، وتوفر كل الشروط الوقائية اللازمة من تعقيم لمختلف أماكن الصلاة الجماعية وإخضاع المصلين لقياس حرارتهم قبل بداية كل صلاة مكتوبة… فمتى يكف المغرضون عن محاولات التضليل الدنيئة والتلاعب بمشاعر الناس؟