أصدرت وزارة الداخلية دورية تخبر من خلالها، كافة ولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم وعمالات المقاطعات، ب”تعذر انعقاد الدورة العادية لشهر ماي بالنسبة لمجالس الجماعات”، ودعوتهم “إلى إحاطة رؤساء المجالس الجماعية وكذا أعضاء هذه المجالس علما بذلك، ودعوتهم إلى إرجاء دراسة القضايا المستعجلة إلى دورات استثنائية يمكن عقدها عند الاقتضاء بعد الإعلان عن رفع حالة الطوارئ الصحية” وقد استندت هذه الدورية إلى عدد من النصوص التشريعية والتنظيمية[1] التي تم بموجبها، سن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، كما تم بناءً عليها الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا-كوفيد 19، ثم-بعد ذلك- تم تمديد مدة سريانها. وإسهاما في النقاش العلمي المتعلق بمدى دستورية هذا التصرف، يأتي هذا المقال المُرَكَّز لإبداء رأي علمي/أكاديمي[2] في الموضوع، حيث سنحاول معالجة الإشكالية التالية: هل يجوز، من الناحية الدستورية، أن يتم إلغاء الدورات العادية لمجالس الجماعات المنصوص عليها وعلى القواعد المتعلقة بتنظيمها بموجب القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات، وذلك بموجب دورية صادرة عن وزارة الداخلية؟. وسنتناول الموضوع من خلال التذكير-من جهة- بعدد من المفاهيم الدستورية والقانونية ذات الصلة بالموضوع، ومن جهة ثانية من خلال تحليل مضامين الدورية المشار إليها في ضوء تلك المفاهيم وفي ضوء مبادئ القانون الدستوري بصفة عامة، لنخلص في النهاية إلى رأي دستوري في الموضوع. 1 الإطار المفاهيمي: مفهوم تراتبية القوانين: إن الدستور باعتباره القانون الأسمى للبلاد، يرتبط فلسفيا وديموقراطيا بفكرة دولة “الحق والقانون”، التي تعني خضوع الجميع -بما فيها السلطات العامة- لهذا القانون، والتصرفُ تحت سقفه من خلال التقيد بأحكامه وعدم مخالفتها. وإذا كان الدستور يحدد الأسس العامة لنظام الحكم بالبلد، فإنه يحدد بذلك هوية وطبيعة النظام السياسي للبلد، وذلك من خلال وضع القواعد العامة المتعلقة بتنظيم السلطات العامة داخل هذا البلد، وكذا تحديد القواعد المتعلقة بتنظيم العلاقات فيما بينها، إضافة إلى عدد من القواعد التي ترمي إلى توضيح اختصاصات كل واحدة من مختلف تلك السلطات، وهكذا يتم الحدُّ من إطلاقية السلطة ومن الاستبداد، وتقييد ممارسة كل سلطة لصلاحياتها وفق ما هو منصوص عليه في الوثيقة الدستورية، وهكذا ظهر مبدأ “سمو الدستور” الذي يحيل على مفهوم تراتبية القواعد القانونية، ذلك أن القواعد المقررة في “الوثيقة الدستورية تحتل المكانة العليا في سلم التدرج الهرمي للنظام القانوني في الدولة. ولما كانت القواعد والأحكام التي تتضمنها الوثيقة الدستورية تحتل هذه المكانة السامية والمرتبة السامقة، فإنه من المنطقي أن تتقيد جميع سلطات الدولة بأحكام الوثيقة الدستورية، وعدم جواز صدور أي عمل قانوني يتعارض مع القواعد والمقتضيات التي يقررها الدستور، حتى ولو كان ذلك العمل القانوني صادرا من السلطة التشريعية”[3] ومن المعلوم أيضا، أن هذه التراتبية تتجلى أساسا في الأنظمة التي تعتمد نظام الدساتير المكتوبة الجامدة، باعتبارها “تراتبية وظيفية بحسب التراتبية الموجودة بين الأجهزة الواضعة لهذه القواعد القانونية، وهو ما فرضته فلسفة عهد الأنوار في أوربا بحيث تكون الأجهزة السياسية الواضعة للقوانين حسب الترتيب التالي: -السلطة التأسيسية. -المؤسسات التشريعية (الممثلة للأمة). -الأجهزة التنفيذية. فهذا الترتيب بين المؤسسات السياسية فرض وضع تدرج بين القوانين الدستورية والقوانين العادية، فالقوانين الصادرة عن السلطة التأسيسية تكون في المرتبة العليا، وتليها القوانين الصادرة عن المؤسسات التشريعية، ثم القوانين والمراسيم الصادرة عن الجهاز التنفيذي”[4]. وهكذا، فقد تكرس مبدأ سمو الدستور الذي” غدا من المبادئ المقررة في النظم القانونية الديموقراطية” [5] بل إن المجلس الدستوري المغربي قرر بأن “احترام مبدأ سمو الدستور يُعَدُّ، بموجب فصله السادس، من المبادئ المُلزِمة”[6]، وهكذا فقد ترتبت على الأخذ بهذاالمبدأ جملة من الآثار تحولت إلى قواعد ومبادئ عامة يمكن تحديد أهمها كما يلي: أولا: مبدأ عدم جواز إلغاء أو تعديل قاعدة دستورية إلا بقاعدة دستورية، وعموما عدم جواز إلغاء أو تعديل قاعدة قانونية إلا بقاعدة قانونية من نفس درجتها أو من درجة أعلى منها، وهكذا لا يمكن تعديل فصل أو أكثر من الدستور إلا بمراجعة دستورية تتم وفق الشروط والكيفيات والمسطرة التي حددها الدستور نفسه، كما لا يمكن -نظريا على الأقل- تعديل قانون صادر عن البرلمان إلا بقانون آخر صادر عن البرلمان نفسه أو بعد مراجعة دستورية ، كما لايمكن تعديل مرسوم صادر عن الحكومة إلى بمرسوم أو بقانون أو بعد مراجعة دستورية… ثانيا: مبدأ عدم جواز مخالفة القوانين العادية للقوانين الدستورية[7]، وبصفة عامة عدم جواز مخالفة قاعدة قانونية أدنى لقاعدة قانونية أعلى منها، حيث لا يمكن مثلا لقانون عادي أن يتضمن مقتضيات تتعارض مع الدستور أو مع أي قانون تنظيمي، كما لا يمكن لمرسوم أن يتضمن ما يخالف القانون أو الدستور، وهكذا. ثالثا: ضرورة ملاءمة القواعد القانونية الأدنى، للقواعد القانونية الأعلى، ويكون ذلك في أحوال متعددة، من قبيل الحالة حيث يُراجَع الدستور فتوضع قواعد دستورية جديدة تتعارض مع قواعد قانونية عادية سابقة تم اعتمادها والعمل بها في ظل القواعد الدستورية التي تمت مراجعتها وتعديلها ووضع قواعد دستورية جديدة محلها، ونفس الأمر ضرورة ملاءمة مرسوم صادر عن الحكومة في حالة تعديل القانون الذي له صلة بهذا المرسوم، وهكذا. -القوانين التنظيمية ومميزاتها: القانون التنظيمي[8]، هو مثل كافة القوانين، يصدر عن البرلمان، غير أن المشرع الدستوري أحاطه بجملة من الأحكام والضوابط، التي تميزه عن غيره من القوانين العادية، كما تعطيه في نفس الوقت قيمة أقوى منها ودرجة أعلى، ويمكن إجمال أهم المميزات التي منحها المشرع الدستوري المغربي للقوانين التنظيمية على النحو التالي: أولا: تنصيص الوثيقة الدستورية، على سبيل الحصر، على مواضيع مختلف القوانين التنظيمية، ولذلك فإن عدد القوانين التنظيمية يكون محددا بنص الوثيقة الدستورية[9]، حيث لا يمكن ان يصدر أي قانون تنظيمي دون أن يكون منصوصا على موضوعه أو مجاله بشكل صريح داخل الوثيقة الدستورية، ولذلك ف”إن القوانين التنظيمية تُعَدُّ منبثقة عن الدستور ومكملة له وتغدو أحكامها، بعد تصريح المحكمة الدستورية بمطابقتها للدستور امتدادا له“[10] وهو مايجعلها تشكل بالإضافة إلى عناصر أخرى ما يعرف ب”الكتلة الدستورية”. ثانيا: اعتبار مشاريع القوانين التنظيمية، مثل التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة، ومشاريع القوانين الإطار، وكذا التوجهات العامة لمشروع قانون المالية إضافة إلى مشاريع مراجعة الدستور …الخ من ضمن القضايا ذات الطابع الاستراتيجي، التي يجب ،التداول بشأنها على مستوى المجلس الوزاري، وذلك طبقا للفصل 48 من الدستور، وبالتالي ليس بمقدور الحكومة إحالة أي مشروع قانون تنظيمي على البرلمان إلا بعد التداول فيه داخل المجلس الوزاري وموافقته التي تعني موافقة الملك عليه بوصفه رئيسا للدولة، وذلك بخلاف القوانين العادية التي تمتلك الحكومة بشأنها صلاحيات تقريرية، حيث يمكنها أن تحيلها على البرلمان بمجرد دراستها وتبنيها داخل المجلس الحكومي، ودون حاجة إلى إدراجها ضمن جدول أعمال المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك. ثالثا: خضوعها لمسطرة تشريعية خاصة: ويكفي، دليلا على ذلك، أن المشرع الدستوري قد خص مشاريع أو مقترحات القوانين التنظيمية بضوابط وتدقيقات إضافية تتعلق بمسطرة دراستها داخل البرلمان، ذلك أن الفصل 85 من الدستور ينص على أنه لا يتم التداول في مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية من قبل مجلس النواب، إلا بعد مضي عشرة أيام على وضعها لدى مكتبه، ووفق المسطرة المشار إليها في الفصل 84، وتتم المصادقة عليها نهائيا بالأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين من المجلس المذكور؛ غير أنه إذا تعلق الأمر بمشروع أو بمقترح قانون تنظيمي يخص مجلس المستشارين أو الجماعات الترابية، فإن التصويت يتم بأغلبية أعضاء مجلس النواب. يجب أن يتم إقرار القوانين التنظيمية المتعلقة بمجلس المستشارين، باتفاق بين مجلسي البرلمان، على نص موحد. رابعا: خضوعها للرقابة الدستورية الوجوبية القبلية: حيث لا يمكن إصدار الأمر بتنفيذ القوانين التنظيمية، إلا بعد أن تصرح المحكمة الدستورية بمطابقتها للدستور، وتصبح نتيجةً لذلك مصنفة بأنها دستورية، وبالتالي تكتسب قيمة أقوى تجعلها تضاهي قيمة القواعد المتضمنة في الدستور نفسه، وإن كانت لا تدرك نفس درجتها، ذلك أن هذه الأخيرة تكتسب مشروعية أقوى تستمدها من خضوعها للاستفتاء الشعبي. كما أن القوانين التنظيمية بفعل ذلك، تكون غير معنية مبدئيا بأن تكون موضوع دفع بعدم الدستورية، لأنه إذا افترضنا أن ذلك يمكن أن يتم، فستتم إحالتها على المحكمة الدستورية التي تجد نفسها أنها سبق أن نظرت في دستوريتها. وذلك بخلاف القوانين العادية، التي لاتخضع للرقابة الدستورية الوجوبية القبلية، إذ لا يمكن للمحكمة الدستورية أن تنظر في دستوريتها إلا إذا أحالتها عليها جهة مخولة[11] قبل صدور الأمر بتنفيذها، أو إذا تم الدفع بعدم دستوريتها، بعد صدور الأمر بتنفيذها، بمناسبة نزاع أمام المحاكم العادية وارتأت المحكمة المعنية إحالة الأمر على المحكمة الدستورية للبت في دستوريتها. – المرسوم-بقانون ومميزاته: وهو عبارة عن نص تشريعي يندرج موضوعه ضمن المجالات التي جعل الدستور أمر التشريع فيها يرجع للقانون الذي يصدر عن البرلمان[12] غير أن المشرع جعله يخضع لمسطرة خاصة واستثنائية[13]، يمكن إجمالها على النحو التالي: أولا: يتم اللجوء إلى هذه المسطرة فقط خلال الفترة الفاصلة بين الدورات البرلمانية، وليس أثناء انعقاد الدورات، التي تخضع خلالها جميع النصوص التشريعية للمسطرة العادية المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية وكذا النظام الداخلي لمجلسي البرلمان. ثانيا: يكفي فيه الاتفاق بين الحكومة وبين اللجان التي يعنيها الأمر في كلا المجلسين، كي تكتسب مشروعية كاملة، ويمكن الشروع بالعمل بمقتضياته، بعد تحقق هذا الاتفاق وبمجرد نشره في الجريدة الرسمية. ثالثا: أن يكون الاتفاق بشأن نفس صيغته مع اللجنتين المعنيتين بمجلسي البرلمان قد تحقق داخل أجل ستة أيام كحد أقصى. رابعا: أن تخضع دراسته للمراحل التالية: يتم إيداع المشروع لدى مكتب مجلس النواب[14]، فتتم دراسته والتصويت عليه داخل اللجنة المعنية بمجلس النواب، ثم بعد ذلك داخل اللجنة المعنية بمجلس المستشارين، والتي لها أن توافق على نفس الصيغة التي توصلت بها من مجلس النواب، كما يمكنها أيضا إدخال تعديلات عليها، وفي هذه الحالة يرجع إلى اللجنة المعنية بمجلس النواب، التي لها الكلمة النهائية: فإما أن توافق على التعديلات التي أدخلتها نظيرتها بمجلس المستشارين، وإما ترفضها وذلك باتفاق مع الحكومة ودون تجاوز سقف ستة أيام في كل ذلك، وحينها يعتبر المرسوم بقانون، مكتسِبا كافة مقوماته التشريعية، ويمكن الشروع بالعمل به فور نشره بالجريدة الرسمية. وبذلك يكون المرسوم بقانون مثله مثل أي قانون عادي آخر مكتملا من حيث مشروعيته وحجيته، علما أنه يتم اللجوء إليه غالبا في ظروف تجعل الحكومة تستعجل أمر استصداره بهذه المسطرة “المخففة” دون اللجوء إلى الدعوة إلى دورة استثنائية أو انتظار الدورة العادية الموالية، فيوافقها البرلمان في ذلك من خلال الاتفاق الذي يتحقق مع اللجنتين المعنيتين بمجلسي البرلمان، وفق المسطرة والشروط المشار إليها. غير أنه، وبالرغم من الشروع في العمل به وكون ذلك تصرفا مشروعا، فإن الحكومة ملزمة بأن تحيل على البرلمان -استكمالا للمسطرة التشريعية الخاصة في هذه الأحوال- مشروع قانون يقضي بالموافقة على المرسوم بقانون، وهو المشروع الذي يخضع للمسطرة التشريعية العادية مثل أي قانون عادي آخر، شريطة أن تقوم الحكومة بإحالته وجوبا قصد المصادقة عليه خلال الدورة العادية الموالية للبرلمان، ويمكن أن تتم هذه المصادقة في أي يوم من أيام الدورة العادية الموالية ابتداء من يوم افتتاحها إلى آخر يوم منها، وقبل اختتامها. 2-سؤال الدستورية في دورية وزارة الداخلية عدد 6743 بتاريخ 22 أبريل 2020. إن المقصود بطرح هذا السؤال هو النظر في المشروعية الدستورية للدورية ومدى احترامها للقواعد والمبادئ الدستورية العامة، من حيث شكلها ومضمونها، وللإجابة عن هذا السؤال، أرى أنه من المناسب استعراض بعض العناصر المتعلقة بانعقاد دورات مجالس الجماعات كما حددها القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات، باعتبار ذلك هو موضوع الدورية المشار إليها. -القواعد القانونية المتعلقة بعقد دورات مجالس الجماعات: لقد كرس الدستور عددا من الأحكام الجديدة التي تتعلق بمختلف الجماعات الترابية، وهكذا نجده، من ناحية، قد أقر عددا من المبادئ التي يقوم عليها التدبير الترابي، من قبيل التدبير الحر ومبدأ التفريع في توزيع الاختصاصات بين مختلف أصناف الجماعات الترابية ومنح هذه الأخيرة، في مجالات اختصاصاتها وداخل دائرتها الترابية، سلطةً تنظميةً لممارسة صلاحياتها….[15]، ومن ناحية ثانية رسخ الدستور بشكل صريح جملة من القواعد المتعلقة بأدوار الولاة والعمال في علاقتهم بهذه الجماعات الترابية ورؤسائها (الفصل 145)، بما ينسجم مع المبادئ المشار إليها وعلى رأسها مبدأ التدبير الحر، وبما يؤسس لمفهوم جديد للوصاية على الجماعات الترابية وأشغالها…، ومن ناحية ثالثة، إحالة مسألة التفصيل في جملة من المواضيع ذات العلاقة بتدبير الجماعات الترابية وتنظيمها واختصاصاتها وماليتها ….على قانون تنظيمي (الفصل 146) وذلك لأول مرة، بما مكن من إضفاء أهمية خاصة على الجماعات الترابية كموضوع في إطار الهندسة الدستورية الجديدة. وهكذا فإن القواعد القانونية المتعلقة بالجماعات نجدها متضمنة في القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات[16]. وبالرجوع إليه نجده قد سَنَّ جملة من القواعد/الضوابط المتعلقة بانعقاد كل من الدورات العادية وأيضا الاستثنائية للمجالس الجماعية: من قبيل مواعيدها وشكليات وضع جدول أعمالها وشروط صحة انعقادها، وتنظيم جلساتها، وكيفيات اتخاذ المقررات أثناءها….(الباب الثاني: المادة 33 وما يليها) وفي هذا الإطار، فقد نص هذا القانون التنظيمي بشكل صريح على أن المجلس الجماعي يعقد دوراته العادية وجوبا في الأسبوع الأول من أشهر فبراير وماي وأكتوبر (المادة 33 من القانون 113.14)، كما نص القانون نفسه على إمكانية عقد هذه الدورات في عدة جلسات، دون أن تتجاوز مدة كل دورة عادية خمسة عشر يوما قابلة للتمديد مرة واحدة بقرار للرئيس، على ألا تتعدى مدة التمديد سبعة أيام (المادة 34). وهكذا، فإن رؤساء المجالس الجماعية، ملزَمون -بحكم القانون- بدعوتها إلى الانعقاد في دورات عادية ثلاث مرات محددة في السنة، ولم يَرِد في القانون التنظيمي التنصيص على أية حالة من الحالات التي يمكن فيها التحلل من هذا الالتزام، وعدم الدعوة إلى عقد دورة من الدورات العادية لمجالس الجماعات. كما أن الدستور والقانون -بصفة عامة- أتى خاليا من أية مقتضيات تحدد كيفيات تدبير شؤون المجالس الجماعية في ظروف مثل ظروف حالة الطوارئ الصحية التي نعيشها في أيامنا هذه. -دورية وزارة الداخلية عدد 6743 …في ميزان الدستورية: سبقت الإشارة إلى أن وزارة الداخلية، وفي ظل التدابير المتخذة من لدن السلطات العمومية لمواجهة انتشار وباء كوفيد 19، قد أصدرت دورية قررت بموجبها إلغاء[17] انعقاد الدورات العادية لمجالس الجماعات لشهر ماي، وهي واحدة من الدورات التي سبقت الإشارة إلى أن القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات قد ألزم بعقدها وجوبا في الأسبوع الأول من أشهر أكتوبر وفبراير وماي، كما قررت الدورية -ضمنيا- عدم جواز عقد أي دورة استثنائية قبل الإعلان عن رفع حالة الطوارئ الصحية، ذلك أن وزير الداخلية حين دعا -من خلالها- الولاة والعمال وعمال المقاطعات إلى إحاطة رؤساء المجالس الجماعية وكذا أعضاء هذه المجالس علما بتعذر انعقاد الدورات العادية لمجالس الجماعات، دعاهم أيضا إلى مطالبة الرؤساء إلى إرجاء دراسة القضايا المستعجلة إلى دورات استثنائية يمكن عقدها عند الاقتضاء بعد الإعلان عن رفع حالة الطوارئ الصحية. وقد استندت الدورية، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، أساسا على المادة الثالثة من المرسوم بقانون رقم 2.20.292 يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، مع الإحالة على المرسوم التطبيقي 2.20.293 يتعلق باعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا-كوفيد 19، وكذا المرسوم 2.20.330 يتعلق بتمديد مدة سريان حالة الطوارئ الصحية المشار إليها. وتقضي المادة الثالثة المذكورة بأنه “على الرغم من جميع الأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، تقوم الحكومة، خلال فترة إعلان حالة الطوارئ، باتخاذ جميع التدابير اللازمة التي تقتضيها هذه الحالة، وذلك بموجب مراسيم ومقررات تنظيمية وإدارية، أو بواسطة مناشير وبلاغات، من أجل التدخل الفوري والعاجل للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للمرض، وتعبئة جميع الوسائل المتاحة لحماية حياة الأشخاص وضمان سلامتهم. لا تحول التدابير المتخذة المذكورة دون ضمان استمرارية المرافق العمومية الحيوية، وتأمين الخدمات التي تقدمها للمرتفقين” وقبل الاستطراد في تناول الإشكالية، التي نحاول معالجتها من خلال هذه الدراسة، نذكر بأن الوثيقة الدستورية لا تنص على أية أحكام تتعلق بتدبير فترة مماثلة لفترة “الطوارئ الصحية”، كما نؤكد أن هذه الأخيرة لا تنطبق عليها الأحكام المتعلقة ب”حالة الاستثناء” المنصوص عليها في الفصل 59 من الدستور[18] كما لا تنطبق عليها الأحكام المتعلقة ب”حالة الحصار” التي يتم الإعلان عنها وفق ضوابط حددها الدستور في الفصل 74[19] وذلك بعد التداول بشأنها في المجلس الوزاري طبقا للفصل 49 من الدستور. وهكذا، فإن المرسوم بقانون المشار إليه، والمتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، يستمد مشروعيته أساسا من صدوره وفق مسطرة مقررة في الفصل 81 من الدستور ليس إلا، ويبقى من الناحية الدستورية غير مطعون فيه وحسب، وليس مشهودا بمطابقته للدستور نهائيا[20]؛ لأنه لم تلجأ أية جهة مخولة إلى إحالته على المحكمة الدستورية كي تبت في دستوريته قبل نشره في الجريدة الرسمية من أجل الشروع في العمل به، وهو ما يجعل منه قانونا عاديا، يحتل مرتبة أدنى من القوانين التنظيمية في سلم التدرج الهرمي للقوانين كما سبقت الإشارة إلى ذلك. وبناء على ذلك، فلئن كانت المادة الثالثة من المرسوم بقانون المشار إليها أعلاه قد منحت الحكومة إمكانية “تعليق” العمل بعدد من الأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل في الأحوال العادية، واتخاذ بدلا منها -خلال فترة الطوارئ الصحية المعلن عنها- وبموجب مراسيم ومقررات تنظيمية وإدارية، أو بواسطة مناشير وبلاغات، كل ما تراه مناسبا من تدابير لازمة تقتضيها هذه الحالة، وذلك من أجل التدخل الفوري والعاجل للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للمرض، وتعبئة جميع الوسائل المتاحة لحماية حياة الأشخاص وضمان سلامتهم، فإن ذلك لا يمكن أن يرقى إلى مستوى تعليق العمل بأي قانون تنظيمي، وذلك أخذا بمنطق تراتبية القواعد القانونية الناتج عن إعمال مبدأ “سمو الدستور، والذي ينتج عنه عدم جواز أن تلغي قاعدةٌ قانونية أدنى العملَ بقاعدة قانونية أعلى، كما سبق بيانه. وهكذا، وبالرغم من المشروعية الكاملة للمرسوم بقانون، وبالرغم من حق الحكومة الاستنادَ وبأريحية إلى مادته الثالثة المشار إليها و”تعليق” العمل بكافة القوانين العادية طيلة فترة الطوارئ الصحية المعلن عنها، وكذا تعليق العمل بالمراسيم من باب أولى بحكم أنها أقل درجة من ناحية تراتبية القواعد القانونية، وذلك بموجب مراسيم ومقررات تنظيمية وإدارية، أو بواسطة مناشير وبلاغات….إلا أن ذلك يبقى داخل دائرة القوانين العادية وفي مستواها وما تحتها من نصوص تنظيمية (المراسيم الصادرة عن الحكومة)، ولا يمكن بأي حال أن تطال القواعد القانونية المقررة في أي قانون تنظيمي. ومن غير الخوض فيما تثيره الفقرة الأخيرة من المادة الثالثة المرسوم بقانون من قضايا وتساؤلات، قد تكون كافية في التساؤل حول مشروعية إصدار الدورية موضوع دراستنا في ظل القواعد التي تُقَرِّرها هذه الفقرة، علما أنها تنص على أنه ” لا تَحُول التدابير المتخذة المذكورة دون ضمان استمرارية المرافق العمومية الحيوية، وتأمين الخدمات التي تقدمها للمرتفقين”، وهل يمكن اعتبار الجماعات والمرافق الجماعية ضمن قائمة المرافق العمومية الحيوية أم لا، أو هل تعتبر الخدمات التي تقدمها الجماعات للمرتفقين من ضمن قائمة الخدمات التي يتعين تأمينها، ومن يحدد هاتين القائمتين، وماذا عن ماهية المعايير التي يتم على أساسها تصنيف المرافق العمومية إلى حيوية وغير حيوية، أو تحديد قائمة الخدمات الواجب تأمينها وتلك التي يمكن وقفها، ومن هي الجهة المخولة لوضع هذه المعايير واعتبار كل مايصدر عنها ملزِما للجميع….فإنه، وبالرجوع إلى إشكاليتنا، يمكن القول بأنه لا سبيل، إلى الاستناد إلى المرسوم بقانون والمتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، -بوصفه قانونا عاديا-لا سيما المادة الثالثة منه، من أجل تعطيل العمل بأي مقتضى من مقتضيات القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات، وعلى وجه التحديد لا يمكن للحكومة أن تقرر بموجب أي نص تشريعي (قانونا عاديا كان أو مرسوما) إلغاء عقد الدورات العادية لمجالس الجماعات المنصوص عليها، وعلى وجوب عقدها وبشكل محدد لا مجال فيه إلى التراخي والسلطة التقديرية لأي كان، وكل ذلك في قانون تنظيمي هو أعلى درجة من المرسوم بقانون، وهكذا، فلئن كان عدم جواز ذلك بمقتضى قانون عادي (المرسوم بقانون)، فإنه -ومن باب أولى- لا يجوز أن يتم ذلك بموجب دورية صادرة عن وزارة الداخلية وتحمل توقيع السيد الوالي المدير العام للجماعات الترابية بتفويض من الوزير، مع التأكيد على أن الدورية من حيث شكلها تبقى سليمة في استنادها إلى المرسوم؛ بقانون لأنه ينص إمكانية اللجوء إليها، غير أنها ليست كذلك من حيث مضمونها، باعتبار أن المرسوم بقانون بوصفه قانونا عاديا لا يمكن أن يرقى إلى إقرار قواعد تصل إلى درجة تعطيل العمل بالمقتضيات المتضمنة في القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات باعتباره أعلى درجة منه من الناحية الدستورية، وبالتالي لا يمكن للدورية أن تضطلع بما لايمكن للمرسوم بقانون الوصول إليه وإدراكه؛ لأن علاقة الدورية بالمرسوم بقانون هي علاقة الفرع بأصله، وإذا سقط الأصل سقط الفرع. وهكذا، وعلى سبيل الختم، يمكن القول بأن ما ذهبنا إليه من عدم جواز الاستناد إلى مرسوم بقانون بوصفه قانونا عاديا، لتعطيل أحكام القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات، بوصفه قانونا أعلى منه درجة من الناحية القانونية والدستورية، ومشهود له، من لدن المحكمة الدستورية، بمطابقته للدستور، وهو الأمر الذي لا يحظى به المرسوم بقانون، يعني من هذه الزاوية أن الدورية، من حيث مضمونها، غير مطابقة للدستور، باعتبار أنها دعت إلى مخالفة قانون تنظيمي مكتسِب لصفة المطابقة للدستور، بالإضافة إلى أن ذلك يعتبر خروجا عن القواعد والمبادئ الدستورية العامة التي تأخذ بمنطق تراتبية القواعد القانونية، باعتبارها نتيجة للأخذ بمبدأ “سمو الدستور”.
[1] يتعلق الأمربالنصوص التالية: المرسوم بقانون رقم 2.20.292 يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها.الجريدة الرسمية عدد 6867 مكرر بتاريخ 29 رجب 1441 (24 مارس 2020) المرسوم التطبيقي 2.20.293 يتعلق باعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا-كوفيد 19. الجريدة الرسمية عدد 6867 مكرر(مرجع سابق). وكذا المرسوم 2.20.330 يتعلق بتمديد مدة سريان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا-كوفيد 19. الجريدة الرسمية عدد 6874 مكرر بتاريخ 25 شعبان 1441 (19 أبريل 2020) [2] أتحدث هنا بصفتي باحثا في القانون الدستوري والعلوم السياسية، وليس بصفتي فاعلا سياسيا وأتولى مسؤوليات تمثيلية هامة على مستوى تدبير الشأن المحلي، وهي الصفة التي سأنهل منها ما يفيد في إغناء الطابع العلمي للمقال، وليس في المجادلة السياسية المتعلقة بإبداء موقف سياسي من الأمر. [3] قلوش (مصطفى): “القانون الدستوري: النظرية العامة”-دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع بالرباط- طبعة 2004.ص 217. [4] اليحياوي (يوسف): “مراقبة دستورية القوانين العادية: تأملات وملاحظات حول مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول الدفع بعدم الدستورية”- دراسة ضمن العدد 21 من سلسلة المعارف القانونية والقضائية (ضمن منشورات مجلت الحقوق R.D) حول موضوع: المحكمة الدستورية بالغرب: نحو رؤية استشرافية”-الصفحات [41-58]-ص:43. [5] حجاجي (امحمد): “الرقابة على الدستورية..دراسة في الأنظمة الدستورية المقارنة/ النظام المغربي”-العدد 33 من سلسلة البحث الأكاديمي ضمن منشورات مجلة العلوم القانونية-مطبعة الأمنية -الرباط- الطبعة الأولى-2018-ص:9. [6] قرار المجلس الدستوري رقم 937 بتاريخ 29 مايو 2014-يمكن الاطلاع عليه في الجريدة الرسمية عدد6262 بتاريخ 7 شعبان 1435 (5 يونيو 2014)-ص:4810. [7] محمد ضريف.”القانون الدستوري..مدخل لدراسة النظرية العامة والأنظمة السياسية. مرجع سابق-ص 199. [8] يسمى أيضا القانون العضوي LOI ORGANIQUE [9] ينص الدستور على القوانين التنظيمية في الفصول التالية: 5 و7 و14 و15 و29 و44 و49 و62 و63 و67 و75 و87 و112 و116 و131 و133 و146 و153، فضلا عن الفصل 10 الذي جعل أمر تحديد كيفيات ممارسة فرق المعارضة للحقوق التي خولها لها، حسب الحالة، قد يتم بموجب قوانين تنظيمية أو قوانين أو بمقتضى النظام الداخلي لكل مجلس من مجلسي البرلمان، كما تجدر الإشارة إلى أنه تطبيقا للفصل 146 قد صدرت ثلاثة قوانين تنظيمية (أحدها يتعلق بالجهات والثاني بمجلس العمالات والأقاليم وقالقها بالجماعات). [10] قرار المجلس الدستوري عدد 786 بتاريخ 2 مارس 2010- يمكن الاطلاع عليه في الجريدة الرسمية عدد 5820 بتاريخ 24 ربيع الأول 1431 (11 مارس 2010)-ص:967. [11] تنص الفقرات الثالثة والرابعة والخامسة من الفصل 132 من الدستور على ما يلي:” يمكن للملك، وكذا لكل من رئيس الحكومة، أو رئيس مجلس النواب، أو رئيس مجلس المستشارين، أو خمس أعضاء مجلس النواب، أو أربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين، أن يحيلوا القوانين، قبل إصدار الأمر بتنفيذها، إلى المحكمة الدستورية، لتبت في مطابقتها للدستور. تبت المحكمة الدستورية في الحالات المنصوص عليها في الفقرتين الثانية والثالثة من هذا الفصل، داخل أجل شهر من تاريخ الإحالة. غير أن هذا الأجل يُخفض في حالة الاستعجال إلى ثمانية أيام، بطلب من الحكومة. تؤدي الإحالة إلى المحكمة الدستورية في هذه الحالات، إلى وقف سريان أجل إصدار الأمر بالتنفيذ.” [12] الفصل 71 أو المواد المسندة إلى القانون صراحة بفصول أخرى من الدستور. [13] ينص:الفصل 81 على ما يلي:”يمكن للحكومة أن تصدر، خلال الفترة الفاصلة بين الدورات، وباتفاق مع اللجان التي يعنيها الأمر في كلا المجلسين، مراسيم قوانين، يجب عرضها بقصد المصادقة عليها من طرف البرلمان، خلال دورته العادية الموالية. يودع مشروع المرسوم بقانون لدى مكتب مجلس النواب، وتناقشه بالتتابع اللجان المعنية في كلا المجلسين، بغية التوصل داخل أجل ستة أيام، إلى قرار مشترك بينهما في شأنه. وإذا لم يحصل هذا الاتفاق، فإن القرار يرجع إلى اللجنة المعنية في مجلس النواب.” [14] وقد تم تحديد دراسة المراسيم بقوانين أيضا بمقتضى المواد من 230 إلى 233 من النظام الداخلي لمجلس النواب، وكذلك المواد من 81 إلى 83 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين. [15] الجماعات الترابية للمملكة هي الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات.(الفقرة الأولى من الفصل 135 من الدستور). [16] الظهير الشريف رقم 1.15.85 صادر في 20 رمضان 1436 (7 يوليوز 2015) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات-الجريدة الرسمية عدد 6380 بتاريخ 6 شوال 1436 (23 يوليوز 2015). [17] لا يتعلق الأمر بتأجيل الدورة العادية لمجالس الجماعات لشهر ماي، كما اعتقد الكثيرون، وإنما بتعذر انعقادها وتأجيل النقاط المستعجلة المدرجة بجداول أعمالها إلى دورات استثنائية يمكن عقدها عند الاقتضاء بعد الإعلان عن رفع حالة الطوارئ الصحية، مما يعني إلغاءها. لأن هناك فرقا بين تأجيل الدورة التي يعني أنها “دَيْنٌ ينبغي قضاؤه واستدراكه” فور انتفاء موانعه، أما “تعذر انعقادها” -كما ورد في الدورية – فيعني عدم إمكانية انعقادها وعدم السماح أيضا بذلك، مع عدم وجوب عقدها لاحقا من باب قضاء الفوائت، سيما أن الدورية طالبت الولاة والعمال وعمال المقاطعات إلى دعوة الرؤساء إلى إرجاء دراسة القضايا المستعجلة إلى دورات استثنائية يمكن عقدها عند الاقتضاء بعد الإعلان عن رفع حالة الطوارئ الصحية. [18] ينص الفصل 59 على ما يلي:” إذا كانت حوزة التراب الوطني مهددة، أو وقع من الأحداث ما يعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية، أمكن للملك أن يُعلن حالة الاستثناء بظهير، بعد استشارة كل من رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، ورئيس المحكمة الدستورية، وتوجيه خطاب إلى الأمة. ويُخول الملك بذلك صلاحية اتخاذ الإجراءات التي يفرضها الدفاع عن الوحدة الترابية، ويقتضيها الرجوع، في أقرب الآجال، إلى السير العادي للمؤسسات الدستورية. لا يحل البرلمان أثناء ممارسة السلطات الاستثنائية. تبقى الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور مضمونة. تُرفع حالة الاستثناء بمجرد انتفاء الأسباب التي دعت إليها، وباتخاذ الإجراءات الشكلية المقررة لإعلانها.” [19] ينص الفصل 74 على ما يلي:” يمكن الإعلان لمدة ثلاثين يوما عن حالة الحصار، بمقتضى ظهير يوقعه بالعطف رئيس الحكومة، ولا يمكن تمديد هذا الأجل إلا بالقانون.” [20] كونها غير مطعون في دستوريتها لا يعني بالضرورة أنها مطابقة للدستور، وذلك يرجع فقط إلى عدم تقدم أي كان بالطعن في ذلك لدى المحكمة الدستورية، ذلك أنه -وخلافا للقوانين التنظيمية التي تخضع للرقابة الدستورية الوجوبية القبلية كما سبقت الإشارة إليه- فإن القوانين العادية لا يمكن للمحكمة الدستورية النظر فيها والبت بمطابقتها للدستور إلا إذا تمت إحالتها عليها من جهة مخولة دستوريا، وذلك طبقا للفصل 132 من الدستور الذي تنص فقرته الثانية وفقرته الثالثة على ما يلي:” تحال إلى المحكمة الدستورية القوانين التنظيمية قبل إصدار الأمر بتنفيذها، والأنظمة الداخلية لكل من مجلس النواب ومجلس المستشارين قبل الشروع في تطبيقها لتبت في مطابقتها للدستور. يمكن للملك، وكذا لكل من رئيس الحكومة، أو رئيس مجلس النواب، أو رئيس مجلس المستشارين، أو خمس أعضاء مجلس النواب، أو أربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين، أن يحيلوا القوانين، قبل إصدار الأمر بتنفيذها، إلى المحكمة الدستورية، لتبت في مطابقتها للدستور. عبد الصمد حيكر: باحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري