طنجة تتأهب لأمطار رعدية غزيرة ضمن نشرة إنذارية برتقالية    تساقطات ثلجية وأمطار قوية محليا رعدية مرتقبة الأحد والاثنين بعدد من أقاليم المغرب    نشرة انذارية…تساقطات ثلجية وأمطار قوية محليا رعدية مرتقبة الأحد والاثنين بعدد من أقاليم المملكة    توقيف ثلاثة مواطنين صينيين يشتبه في تورطهم في قضية تتعلق بالمس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات الرقمية    توقيف 3 صينيين متورطين في المس بالمعطيات الرقمية وقرصنة المكالمات الهاتفية    ريال مدريد يتعثر أمام إسبانيول ويخسر صدارة الدوري الإسباني مؤقتًا    ترامب يعلن عن قصف أمريكي ل"داعش" في الصومال    ريدوان يخرج عن صمته بخصوص أغنية "مغربي مغربي" ويكشف عن مشروع جديد للمنتخب    "بوحمرون".. الصحة العالمية تحذر من الخطورة المتزايدة للمرض    الولايات المتحدة.. السلطات تعلن السيطرة كليا على حرائق لوس أنجليس    أولياء التلاميذ يؤكدون دعمهم للصرامة في محاربة ظاهرة 'بوحمرون' بالمدارس    CDT تقر إضرابا وطنيا عاما احتجاجا على قانون الإضراب ودمج CNOPS في CNSS    هذا هو برنامج دور المجموعات لكأس إفريقيا 2025 بالمغرب    الشراكة المغربية الأوروبية : تعزيز التعاون لمواجهة التحديات المشتركة    تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج فاقت 117 مليار درهم خلال 2024    مقترح قانون يفرض منع استيراد الطماطم المغربية بفرنسا    حجز أزيد من 700 كيلوغرام من اللحوم الفاسدة بطنجة    توقعات احوال الطقس ليوم الاحد.. أمطار وثلوج    اعتبارا من الإثنين.. الآباء ملزمون بالتوجه لتقليح أبنائهم    انعقاد الاجتماع الثاني والستين للمجلس التنفيذي لمنظمة المدن العربية بطنجة    مؤسسة طنجة الكبرى تحتفي بالكاتب عبد السلام الفتوح وإصداره الجديد    شركة "غوغل" تطلق أسرع نماذجها للذكاء الاصطناعي    البرلمان الألماني يرفض مشروع قانون يسعى لتقييد الهجرة    تفشي "بوحمرون" في المغرب.. أرقام صادمة وهذه هي المناطق الأكثر تضرراً    BDS: مقاطعة السلع الإسرائيلية ناجحة    إسرائيل تطلق 183 سجينا فلسطينيا    ثمن المحروقات في محطات الوقود بالحسيمة بعد زيادة جديد في الاسعار    رحيل "أيوب الريمي الجميل" .. الصحافي والإنسان في زمن الإسفاف    الانتقال إلى دوري قطر يفرح زياش    زكرياء الزمراني:تتويج المنتخب المغربي لكرة المضرب ببطولة إفريقيا للناشئين بالقاهرة ثمرة مجهودات جبارة    مسلم يصدر جديده الفني "براني"    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    تنس المغرب يثبت في كأس ديفيس    بنعبد الله يدين قرارات الإدارة السورية الجديدة ويرفض عقاب ترامب لكوبا    "تأخر الترقية" يخرج أساتذة "الزنزانة 10" للاحتجاج أمام مقر وزارة التربية    لمن تعود مسؤولية تفشي بوحمرون!    المغرب التطواني يتمكن من رفع المنع ويؤهل ستة لاعبين تعاقد معهم في الانتقالات الشتوية    توضيح رئيس جماعة النكور بخصوص فتح مسلك طرقي بدوار حندون    لقجع: منذ لحظة إجراء القرعة بدأنا بالفعل في خوض غمار "الكان" ولدينا فرصة لتقييم جاهزيتنا التنظيمية    العصبة الوطنية تفرج عن البرمجة الخاصة بالجولتين المقبلتين من البطولة الاحترافية    الولايات المتحدة الأمريكية.. تحطم طائرة صغيرة على متنها 6 ركاب    بنك المغرب : الدرهم يستقر أمام الأورو و الدولار    المغرب يتجه إلى مراجعة سقف فائض الطاقة الكهربائية في ضوء تحلية مياه البحر    القاطي يعيد إحياء تاريخ الأندلس والمقاومة الريفية في عملين سينمائيين    انتحار موظف يعمل بالسجن المحلي العرجات 2 باستعمال سلاحه الوظيفي    السعودية تتجه لرفع حجم تمويلها الزراعي إلى ملياري دولار هذا العام    الإعلان عن تقدم هام في التقنيات العلاجية لسرطانات البروستات والمثانة والكلي    غزة... "القسام" تسلم أسيرين إسرائيليين للصليب الأحمر بالدفعة الرابعة للصفقة    محاضرة بأكاديمية المملكة تُبعد نقص الذكاء عن "أطفال صعوبات التعلم"    حركة "إم 23" المدعومة من رواندا تزحف نحو العاصمة الكونغولية كينشاسا    هواوي المغرب تُتوَّج مجددًا بلقب "أفضل المشغلين" لعام 2025    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    الممثلة امال التمار تتعرض لحادث سير وتنقل إلى المستشفى بمراكش    الفنانة دنيا بطمة تغادر السجن    نتفليكس تطرح الموسم الثالث من مسلسل "لعبة الحبار" في 27 يونيو    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحديات ورهانات مغرب ما بعد كورونا والمفهوم الجديد للإصلاح
نشر في العمق المغربي يوم 02 - 05 - 2020

إن المتأمل في المنتظم الدولي اليوم، يلاحظ العجز الشبه التام للدول العظمى في مواجهة تفشي فيروس كورونا، فأمريكا، والصين، ودول الاتحاد الأوروبي وخصوصا إيطاليا…كلها وقفت عاجزة أمام سرعة انتشار هذا الفيروس. ترى كثيرا منهم غير قادرين على توفير أبسط الوسائل الطبية، كالأسرة، وأجهزة التنفس، والكمامات.
وفي هذا السياق سطع نجم التعامل الاستباقي والحذر للمغرب للحد من انتشار فيروس كورونا، بالرغم من امكانياته المحدودة، بحيث تم اتخاذ مجموعة من الإجراءات في الوقت المناسب، كمنع التجمعات البشرية، إغلاق المدارس، إغلاق المقاهي والمطاعم، تعليق جميع الرحلات، إغلاق دور العبادة، حظر التجول في أوقات معينة…وإعلان حالة الطوارئ، مع مواكبة تشريعية لكل هذه الإجراءات .
ورغم أهمية الاصلاحات التي قام بها المغرب على جميع المستويات، فإنها تبقى محدودة، لأنها لم تنفذ إلى عمق المشاكل المطروحة، فالوضع الحالي يحتاج إلى تشخيص دقيق جدا بدون محاباة للأشخاص أو المؤسسات، من هاهنا تظهر أهمية المفهوم الجديد للإصلاح الذي سيكون بمثابة خارطة طريق للنهوض بالمغرب، وفق مقاربة تشاركية من أجل إنجاز إصلاحات عميقة في مجالات استراتيجية لتجازو مخلفات أزمة كورونا.
أولا: على مستوى الحقوق والحريات.
تعتبر مسألة ضمان الحقوق والحريات مؤشر هام للقول بدولة الحق والقانون، فالدستور المغربي خصص الباب الثاني للحريات والحقوق الأساسية في الفصول من 19 إلى 40. كما أن الدستور المغربي في حالة الاستثناء التي هي أخطر من حالة الطوارئ الصحية نص في الفصل 59 على أنه ” ..تبقى الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور مضمونة..” ومعنى ذلك أنه حتى في حالة الاستثناء التي تكون حوزة التراب الوطني مهددة أو وقع من الأحداث ما يعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية، تبقى الحقوق والحريات الأساسية مضمونة، أي لا شيء يبرر التطبيق غير العادل للقانون تحت أي ذريعة.
فالمعادلة هي كالتالي : إلى أي حد استطاعت الدولة الموزانة بين ضمان الحقوق والحريات والحفاظ على النظام العام الذي يعتبر الأمن الصحي أحد عناصره ؟
جوابا على هذا التساؤل، فالملاحظ أنه رغم التعامل الاحترافي للرجال الأمن ورجال السلطة، باستثناء بعض الحالات المعزولة جدا، فإنه بالاطلاع على عدد المتابعين بعد الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية، نجد أن النيابات العامة تابعت منذ دخول المرسوم بقانون المذكور حيز التنفيذ بتاريخ 24/03/2020 حوالي 25857 شخصا قاموا بخرق حالة الطوارئ الصحية من بينهم 1566 أحيلوا على المحكمة في حالة اعتقال، كما تابعت 2593 شخصا من أجل عدم ارتداء الكمامات(حسب البلاغ الصادر عن رئاسة النيابة العامة قبل تمديد حالة الطوارئ)، ولاشك أن هذا العدد من المتابعين وخصوصا المتابعين في حالة اعتقال يؤشر على المقاربة الأمنية في التعامل مع خرق حالة الطوارئ، وإذا كان القانون ينص على معاقبة كل من خرق حالة الطوارئ، فإن متابعته في حالة اعتقال مسألة فيها نظر، ذلك أن الاعتقال الاحتياطي قد يؤدي لنتائج عكسية جدا، كما في الحالة التي يكون الشخص الموقوف حاملا لفيروس كورونا ولا تظهر عليه أية أعراض مرضية، ففي هذه حالة قد يتسبب ذلك في نقل الفيروس للرجال الأمن الذين قاموا بتوقيفه، وقد ينقل الفيروس إلى أطر العدالة المشتغلة داخل المحكمة، كما قد ينقل الفيروس للمؤسسة السجنية، وهو ما تحقق بالفعل عند ظهور بؤر وبائية سجنية.
وتبعا لذلك، فالاعتقال الاحتياطي في نظري فضلا على أنه يتعين إعادة النظر فيه، فهو غير صالح في هذه الفترة لأنه قد يكون سببا في نقل الفيروس لأشخاص آخرين، لذلك يتعين الابتعاد ما أمكن عن آلية الاعتقال الاحتياطي، وهذا الرأي يتماشى مع الدورية الصادرة عن السيد رئيس النيابة العامة، والمؤرخة في 29 يناير 2019 والتي دعى فيها إلى تطبيق الاعتقال الاحتياطي في أضيق الحدود.
كما أن تكريس سياسة جنائية ذات توجه عقابي أثبت فشله، وخصوصا في حالة الطوارئ الصحية، والتي كانت سببا في ظهور بؤر وبائية سجنية، الشيء الذي يدعو إلى إعادة النظر في المنظومة الجنائية بصفة عامة، والتفكير في تبني سياسة جنائية بتوجه وقائي تجعل في أولوياتها ضمان الحريات والحقوق، دون أن أنسى ضرورة إعادة النظر في تدبير الاعتقال الاحتياطي، لذلك أعتقد أنه حان الوقت ليتدخل المشرع لضبط هذه الآلية، وذلك بتحديد الجرائم التي يمكن فيها المتابعة في حالة اعتقال على سبيل الحصر، أي إزاحة هذه آلية من سلطة الملائمة إلى سلطة القانون، وذلك لتفادي التطبيق غير العادل لآلية اعتقال الاحتياطي.
ومن جهة أخرى فحالة الطوارئ الصحية هي مرحلة وقتية تتخذ فيها إجراءات محددة زمنيا، وبالتالي يمنع استغلال هذه المرحلة لتمرير بعض القوانين الماسة ببعض الحقوق الدستورية، وعليه فمشروع قانون رقم 22.20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، كما صادق عليه المجلس الحكومي بتاريخ 19/03/2020 بصيغة ” على أن تتم مراجعته على ضوء الملاحظات المثارة حوله من طرف لجنة تقنية وبعدها لجنة وزارية “، والذي جرم الدعوة إلى مقاطعة بعض المنتوجات أو بضائع أو الخدمات عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وعاقب على ذلك بعقوبة حبسية تصل إلى ثلاثة سنوات وغرامة، فيه خرق للفصل 25 من الدستور الذي يضمن حرية الفكر والرأي والتعبير والإبداع والنشر،ومخالفة للمرجعيات الدولية للحقوق الإنسان، فضلا على المنهجية الأحادية والسرية التي تم بها إعداد مشروع القانون المذكور دون إشراك للفعاليات المهنية والحقوقية المعنية.
ثانيا: على مستوى قطاع التعليم
يعد التعليم من المجالات التي تعثرت وتأثرت بسبب فيروس كورونا ليس في المغرب فحسب بل في أرجاء الدنيا بأسرها، ففي المغرب تم إغلاق المدراس، والجامعات، والمعاهد، واعتماد الدراسة عن بعد، ورغم أنه لم يسبق له أن اعتمد طريقة الدراسة عن بعد فإنه إلى حدود الساعة يمكن القول أنها تجربة تسد الفراغ. فالوزارة المعنية أحدثت لذلك منصات إلكترونية، واستعانت ببعض القنوات العمومية لإنجاح هذه التجربة التي فرضتها الضرورة، رغم أن هذا الأمر يصعب جدا تطبيقه في العالم القروي لأنه غير متصل بخطوط الكهرباء فما بالك بشبكة الأنترنيت.
وعلى العموم فالأمر لا يحتاج كثير بيان، فقطاع التعليم في المغرب يحتاج ليس لإعادة الترميم، بل إلى إصلاحات عميقة، شكلا، وجوهرا، وأرى أنه لابد لإنجاح وتجويد المنظومة التعليمية اعتماد ما يلي:
– الاهتمام برجال التعليم ماديا ومعنويا،
– تشجيع التعليم العمومي والتراجع عن خوصصة التعليم.
– تقوية البنية التحية من مدارس وجامعات ومعاهد، وإعطاء الأولوية للعالم القروي،
– تكريس قيم الهوية المغربية في المنظومة التعليمية مع الانفتاح على باقي الثقافات.
ثالثا: على مستوى قطاع الصحة
لقد كشفت أزمة جائحة كورونا على نقائص القطاع الصحي عالميا، وكيف لاحظ العالم بأن دولة متقدمة كأمريكا تعاني من نقص الأسرة وأجهزة التنفس، نفس الحال في إيطاليا وفرنسا..وقد استعانة مجموعة من الدول بالجيش لبناء المستشفيات الميدانية، ونظرا لأن عدد الأطباء غير كاف بالنسبة لانتشار الفيروس فقد استعانت بعض الدول بالمتقاعدين وطلبة الطب .
و في المغرب ورغم أن المنظومة الصحية متواضعة جدا، فقد استطاع محاصرة انتشار الفيروس بفضل اتخاذه مجموعة من التدابير خففت الضغط على القطاع الصحي، وبدوره استعان بالجيش لمساعدة الأطباء في مواجهة انتشار هذا الفيروس، كما أن تبنى استراتيجية بناء المستشفيات الميدانية. والجميع لاحظ كيف أبان الجنود البيض في المغرب على حس عالي من المسئولية، ومجهود كبير جدا في مواجهة تفشي فيروس كورونا.
وحيث إن أزمة جائحة كورونا هي فرصة من أجل إصلاح هذا القطاع الاستراتيجي، وذلك في نظري لن يتأتى إلا بما يلي:
– التراجع عن سياسة خوصصة هذا القطاع.
– بناء مستشفى جامعي في كل جهة من جهات المغرب، وبناء مستشفى إقليمي في كل مدينة.
– الاهتمام بالوضع المادي والمعنوي للأطباء.
– إعادة النظر في طريقة الولوج لكليات الطب.
رابعا: على المستوى الاجتماعي
خلفت أزمة كورونا أضرار اجتماعية خطيرة جدا على جميع الطبقات وذلك بنسب متفاوتة، وخصوصا الطبقة الفقيرة، فهذه الجائحة قد عرت عن واقع مؤلم يجب إعادة النظر فيه مستقبلا، على قاعدة إعادة تشخيص الواقع الاجتماعي بناء على المعطيات التي أفرزتها هاته المرحلة، وقد كان لصندوق تدبير جائحة كورونا الذي أحدث بمبادرة ملكية سامية دور كبير في تخفيف هذه الأضرار، وذلك بتوزيع الدعم على الأفراد والأسر المتضررة، وقد بادرت لجنة اليقظة الاقتصادية التي شكلها رئيس الحكومة برئاسة وزارة المالية وعضوية العديد من القطاعات الوزارية المعنية، وممثلي المؤسسات المالية الوطنية، وممثلي المقاولات..، إلى اتخاذ إجراءات اجتماعية متعلقة بصرف مبالغ مالية جزافية لأجراء القطاع الخاص المصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في شهر فبراير 2020. وقد أثير التساؤل كيف سيتم تعويض غير المسجلين والعاملين في الاقتصاد غير المهيكل ؟
وجوابا على التساؤل المذكور، فقد اعتمدت لجنة اليقظة في توزيع الدعم على الأسر المتضررة والعاملة في الاقتصاد غير المهيكل على وسيلتين:
– توزيع الدعم على الأسر المستفيدة من نظام تغطية الصحية ( راميد)،
– إحداث منصة إلكترونية، وتحديد شروط معينة لاستفادة الأسر الغير المشمولة بنظام التغطية الصحية (راميد).
وعلى الرغم من ضعف التعويضات التي لا يمكن أن تلبي متطلبات الحياة البسيطة للمواطنين الذين فرض عليهم البقاء في منازلهم، احتراما لإجراءات الحجر الصحي، وبالتالي حرموا من قوت يومهم. فإن توزيع الدعم في حد ذاته هو تجسيد لأحد صور الدولة الاجتماعية التي تقوم على مقاومة الفقر ورعاية الفئات الاجتماعية الهشة.
إن أزمة جائحة كورونا أبانت على أهمية وضرورة إحياء الدولة الاجتماعية التي تراهن على العدالة الاجتماعية و الداعمة للفئات الفقيرة في المجتمع، ويمكن تصور ذلك بما يلي :
– إحداث سجل نظام الدعم المباشر،
– إحداث هيئة وطنية تحث إشراف رئيس الحكومة تسهر على أجرأة وتوزيع الدعم،
– إحداث صندوق للدعم المباشر يساهم فيه الجميع،
– إحداث بطاقة ” نظام الدعم المباشر”.
خامسا: على مستوى الاقتصاد
لا شك أن وقع أزمة جائحة كورونا كان وسيكون له أضرار كبيرة على الاقتصاد الدولي والوطني، ويتجلى ذلك في مجموعة من المجالات أبرزها القطاع السياحي، وتحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، والاستثمارات الخارجية، الشيء الذي يعني تأثر مصادر العملة الصعبة، وقد ترتب عن أزمة كورونا ضرر كبير للاقتصاد الوطني، فحسب النتائج الرئيسية للبحث الظرفي للمندوبية السامية للتخطيط حول تأثير كوفيد -19- على نشاط المقاولات، فإنه في بداية شهر أبريل صرحت ما يقارب 142000 مقاولة أي ما يعادل 57 بالمائة من مجموع المقاولات أنها أوقفت بشكل مؤقت أو دائم، حيث أن أزيد من 135000 مقاولة اضطرت إلى تعليق أنشطتها مؤقتا، بينما أقفلت 6300 مقاولة بصفة نهائية، حسب الفئة، فإن نسبة المقاولات التي أوقفت نشاطها بصفة مؤقتة أو دائمة تشمل 72 بالمائة من المقاولات الصغيرة جدا و 26 بالمائة من المقاولات الصغرى والمتوسطة و 2 بالمائة من المقاولات الكبرى. وأنه من أكثر القطاعات تضررا من هذه الأزمة نجد الإيواء والمطاعم بنسبة 89 بالمائة من المقاولات في حالة توقف، وصناعات النسيج والجلد والصناعات المعدنية والميكانيكية بنسبة 76 بالمائة و 73 بالمائة على التوالي، ثم قطاع البناء بنسبة تقارب 60 بالمائة من المقاولات المتوقفة. وبخصوص التأثير على الشغل أفادت المندوبية أن الوضعية الراهنة قد خلفت تداعيات على التشغيل، حيث قد تكون 27 بالمائة من المقاولات اضطرت إلى تخفيض اليد العاملة بشكل مؤقت أو دائم، وفقا لنتائج البحث قد يكون تخفيض ما يقارب 726000 منصب شغل أي ما يعادل 20 بالمائة من اليد العاملة في المقاولات المنظمة. وبلغت هذه النسبة حسب فئة المقاولات 21 بالمائة لدى المقاولات الصغيرة جدا، و 22 بالمائة بالنسبة للمقاولات الصغرى والمتوسطة و 19 بالمائة بالنسبة للمقاولات الكبرى، من جهة أخرى، فإن أكثر من نصف عدد العاملين المتوقفين عن العمل 57 بالمائة ينتمون إلى المقاولات الصغيرة جدا، الصغرى والمتوسطة. وأن القطاعات الأكثر تضررا من حيث تقليص اليد العاملة قد تشمل بالأساس قطاع الخدمات بما يقارب 245000 منصب شغل، أي بنسبة 17.5 بالمائة من إجمالي عدد المشتغلين في هذا القطاع، يليه قطاع الصناعة بتخفيض 195000 منصب شغل أي ما يمثل 22 بالمائة من اليد العاملة في هذا القطاع، ثم نجد قطاع البناء الذي قد يكون سجل انخفاضا في مناصب الشغل بنسبة 24 بالمائة أي ما يعادل تقريبا 170000 منصب خلال هذه الفترة. وحسب فرع النشاط الاقتصادي قد تكون صناعة الملابس سجلت تخفيضا بنسبة 34 بالمائة من إجمالي مناصب الشغل في هذا الفرع، يليها الإيواء بتخفيض 31 بالمائة من المناصب، ثم فرعي تشييد المباني والمطاعم، والتي تكون قد قلصت قوتها العاملة بنسبة 27 بالمائة و 26 بالمائة على التوالي.
ولعل ما زاد من وقع الأزمة هي الخيارات الاقتصادية التي تبناها المغرب في السنوات الماضية، كالخوصصة، ورفع يد الدولة عن الخدمات الاجتماعية، ودعم القطاع الخاص، والامتيازات الضريبية لبعض القطاعات.
إن جائحة كورونا هي مناسبة لوضع خارطة طريق لإصلاحات اقتصادية كبيرة، وذلك لبناء اقتصاد وطني تضامني قوي يعتمد على الإنتاج ويخلق فرص الشغل، ويستقطب الاستثمارات الأجنبية، وهي فرصة كذلك لإعادة النظر في المنظومة الجبائية بعيدا عن الامتيازات القانونية أو الواقعية لبعض القطاعات والأشخاص، وكذلك دعم المقاولات للاستثمار في مجال التكنولوجيا. وتشجيع الثروة البشرية على الاختراع لتقوية الرأسمال التكنولوجي.
سادسا: على مستوى المناخ السياسي
إن المنظومة الحزبية اليوم غير مؤهلة للقيام بأدوار التأطير والتكوين للمواطنين والمواطنات، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام، والمشاركة في ممارسة السلطة، ولعل ذلك مرده إلى المرض المخوف الذي تعاني منه بعض الأحزاب المغربية، وهو غياب الديمقراطية الداخلية.
ومن جهة أخرى فإعادة النظر في المنظومة الانتخابية أصبح ضرورة حتمية لإيجاد حكومة قوية قادرة على القيام بإصلاحات مهمة و إنجاز أوراش استراتيجية كبرى.كما أن إشراك المجتمع المدني في قضايا الشأن العام في إطار المقاربة التشاركية في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، يستوجب أن لا يبقى حبيس النصوص التشريعية بل يتعين تطبيقه على أرض الواقع الأمر الذي من شأنه تجويد السياسات العمومية والترابية، وكذا تفعيلها وتقييمها، وذلك عبر آليات الديمقراطية التشاركية، التي نص عليها الدستور المغربي خصوصا في الفصل 13 على أنه ” تعمل السلطات العمومية على إحداث هيئات للتشاور، قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين، في إعداد السياسات العمومية وتفعيليها وتنفيذها وتقييمها “، فضلا على الحق في تقديم الملتمسات والعرائض كما نص على ذلك الفصلين 14 و15 من الدستور.
ختاما، يمكن القول أن المفهوم الجديد للإصلاح لمغرب ما بعد جائحة كورنا، يقتضي تجميد مسائل الخلاف بين جميع الفرقاء، والتوافق الوطني حول القضايا الكبرى، عماده وأساسه مصلحة المواطن والوطن، بعيدا عن المصالح الشخصية لبعض الأشخاص أو الأحزاب أو المؤسسات. ما بعد كورونا لحظة فارقة، تفرض على الدولة مراجعة مجموعة من الخيارات والتواجهات في مجموعة من المجالات، وذلك لتحقيق العيش الكريم للمواطن المغربي، فهل سيستطيع مغرب ما بعد كورونا القطيعة مع الإصلاحات الشكلية والترقيعية، وتبني ما أطلقنا عليه إسم “المفهوم الجديد للإصلاح” ؟
*الأستاذ هشام بابا محام بهيئة المحامين بالرباط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.