يعد النظام الرأسمالي أحد الركائز الأساسية للإستثمار ، نظرا لأن مناخ الأعمال و جودة اليد العاملة ومدى تكوينها إضافة إلى إنخفاض تكلفتها هو الشيء الوحيد الذي يسيل لعاب المستثمرين لضخ أموالهم و استثمارها في قطاعات حيوية ، و جلب رؤوس الأموال. و عليه فيعتبر مناخ الأعمال بالمغرب من الأولويات الأساسية للدولة نظرا لأهمية البعد الإقتصادي و هو ما فتئ أن تحقق بإخراج عدة قوانين إصلاحية تواكب توصيات البنك الدولي عن طريق مشروع دوينغ بيزنس Doing Business تجسدت في ترسانة تشريعية مهمة من قبيل قانون مساطر صعوبات المقاولة و تخصيص باب متعلق بالمساطر العابرة للحدود ، قانون رقم 17.73 . قانون شركة المساهمة 20.19 ، و قانون باقي الشركات 21.19 ، و منه فقانون رقم 17.73 يندرج ضمن الإصلاحات الكبرى التي ينهجها المغرب لإقرار مناخ محفز على الإستثمار و تأهيل المنظومة القانونية لمغرب الأعمال ، ناهيك عن قانون إحداث المقاولات بطريقة إلكترونية و موكبتها قانون رقم 17.88 صادر بتاريخ 9 يناير 2019 ، قانون رقم17.87 المتعلق بإنشاء المكتب المغربي للملكية الصناعية و التجارية. و من التجديدات المستجدة على الساحة الإقتصادية عقد التوطين قانون رقم 17.89 و ماله من أهمية في تحفيز الإستثمار و جلب المستثمرين و رؤس الأموال بأقل تكلفة من خلال إعتماد تكنوبوليس و ترحيل الخدمات عن بعد في مقر إجتماعي بمكاتب صغيرة تقلص من تكلفة بناء منشئات ضخمة في ظل عولمة الإقتصاد العالمي ، كل هذه المجهودات ساهمت بالدفع بقاطرة مناخ الأعمال بالمغرب و جعله قبلة موثوق فيها للإستثمار ، لكن ما شهده العالم من انتشار لفيروس كوفيد-19 أثر على الإقتصاد و الإستثمار العالمي، والمغرب بدوره لم يكن في منئ عن هذه الجائحة التي كان وقعها على الإقتصاد و الإستثمار الوطني كالصاعقة ، بحيث بين ليلة و ضحاها وجدنا فيروس كورونا المستجد يعصف بالأخضر و اليابس و يفرض أجندته على واقع الحياة اليومية للمواطن و المقاولة و يلغي إعتبارات الإستثمار ، فكيف أثر هذا الفيروس على الإستثمار ؟و ماهي تجلياته ؟ و ما هي الآليات و التدابير الإحترازية الكفيلة بإنقاد الإستثمار الوطني ؟ تأثير فيروس كرونا على المناخ الاقتصادي. دخل العالم قاطبة في دوامة محاربة داء عصف بالأخضر و اليابس ، و هو ما دفع جل الحكومات لإتخاذ إجراءات إحترازية تواكب زمن جائحة كورونا ، و من محاسن الدولة المغربية إتخاذها لمبادرة تمثلت في سن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية حسب المرسوم ، رقم 2.20.292 . و الذي قلص من الزمن الإقتصادي المتمثل في زمن العمل بالتوقيت مستمر من الثامنة صباحا إلى السادسة مساءاً ، في حين أن المقاولات و المؤسسات التجارية و شبه التجارية قلصت بدورها من الزمن الاقتصادي مراعاة للظرفية الراهنة . من بين النقط السلبية التي سادت في تفكير جل المستثمرين التصريح بالإفلاس و التفالس للتهرب الضريبي ، فهذه التصاريح كانت و لازالت حاجزا لتحقيق الفعالية الإقتصادية المرجوة و المتوخاة ، و من الأمور التي لابد من إعادة النظر فيها عدم تمكن غالبية المقاولات بعد تقليص اليد العاملة من مواكبة الإقتصاديات الأخرى رغم ما تحقق من طفرة تشريعية حسب قانون رقم 17.73 لمساطر صعوبات المقاولة و الباب المتعلق بالمساطر العابرة للحدود ، كما أن العالم كله أصبح قرية صغيرة تسهل فيه عملية التواصل من خلال ترحيل الخدمات مما يقلص من الزمن الإقتصادي . بادرت الحكومة المغربية إلى تقليص من أوقات العمل و ذلك لحماية الصحة العامة و حماية الشعب المغربي ، ناهيك عن إتخاذ قرارات سيادية تمثلت في غلق الحدود مما أثر على الملاحة البحرية و كذا الجوية ، و أيضا على الجانب السياحي ، و هو ما يعني التقليص من جل الخدمات الإقتصادية و تعطيل الإستثمارات . كما عملت جل المقاولات على تقليص اليد العاملة ، فعوضت العمل بالنظام الثلاثي المسمى ( طورنو ) الى العمل بالتوقيت المستمر أي اعتماد طور واحد من الساعة السادسة صباحا إلى الساعة السادسة مساءا كأقصى حد . و قد إنخرطت جل المؤسسات الإستثمارية في الزمن الإقتصادي للمحافظة على الحياة الإقتصادية و تفادي جائحة كورونا . رغم بعض المعيقات التي تسببت في إغلاق العديد من المقاولات و هو ما يستدعي تأهيل الرأسمال البشري، للعمل عن بعد و الإنخراط في مسلسل الحجر الصحي الإضطراري للعمل عن بعد ، وفق قانون التوطين الذي يهم المقاولات بالأساس فلما لا أيضا بالنسبة للرأسمال البشري. وقد اثر فيروس كرونا على العديد من القطاعات الحيوية من قبيل قطاع النسيج و السياحة و الخدمات و المدارس الخصوصية و غيرها من المؤسسات الاقتصادية ، و منه سننتقل لدراسة المبحث الثاني. التدابير الإحترازية الكفيلة بإنقاد الإستثمار الوطني في زمن كرونا المستجد -كوفيد-19. لكل إقتصاد رجالاته سواء الذاتية أو الإعتبارية ، تظهر معادنها في الإنخراط الفعلي في التصريح الضريبي بمعطيات حقيقية للمساهمة في تكاليف و أعباء الدولة و كذلك لما للدولة من خدمات لضمان إستقرار و نجاعة الإستثمار و تحسين مناخ الإستثمار بجلب المستثمرين و خلق المنافسة الشريفة . من التدابير الإحترازية المتخدة من طرف الدولة المغربية لإنقاد الإستثمار الوطني : – إحداث صندوق جائحة كورونا ، بمبادرة سامية من صاحب الجلالة نصره الله وانخراط مختلف الفاعلين الإقتصاديين و السياسيين ناهيك عن شريحة واسعة من الشعب في التصدي لجائحة كوفيد-19 ، بخطوة إستباقية لإعداد مستشفيات بتجهزات لمواجهة هذه الجائحة . – إحداث لجنة اليقضة الإقتصادية لمواجهة تداعيات وباء فيروس كورونا و إتخاد مجموعة من التدابير و هي : * إستفادة مجموعة من الشرائح الإجتماعية من الدعم المخصص من صندوق جائحة كورونا ، فئة المأجورين المصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي ( CNSS ) ، بالإضافة إلى التعويضات العائلية و تلك المتعلقة بالتأمين الإجباري عن المرض ( AMO ) . * تمكين فئات واسعة من الإستفادة من تأجيل سداد القروض البنكية ( قروض الإستهلاك و قروض السكن ) مع مراعات مصالح المستهلكين حسب قانون حماية المستهلك رقم 31.08 و استحضار المادة 149 من نفس القانون التي تعطي الإمهال القضائي بقوة القانون و هو ما يقابله في قانون الإلتزامات و العقود الفصل 243 في فقرته الثانية ، مع العمل على إيقاف الفوائد القانونية حماية للمستهلكين من كل شرط تعسفي بما يراعي مصالح هذه الفئات الهشة . * تمكين المقاولات التي يقل رقم معاملاتها للسنة المالية 2019 عن 20 مليون درهم من الاستفادة من تأجيل وضع التصريحات الضريبية حتى 30 يونيو إذا رغبت في ذلك ، تعليق المراقبة الضريبية و الإشعار لغير الحائز ( ATD ) . * من التدابير التي وضعتها الحكومة صوب أعينها دعم القطاعات المتضررة ، و ذلك من خلال العمل على دعمهم من خلال صندوق جائحة كورونا ، و لعل من بين القطاعات التي ستطالب بالدعم شركات القطاع الخاص من النسيج التي قلصت من الإنتاجية و سرحت العديد من المستخدمين و الأجراء ، و كذلك قطاع النقل و اللوجستيك ، فشركات النقل بدورها تضررت ، دون إغفال الجانب السياحي من أرباب الفنادق و المآثر و غيرها. و من الأشياء التي تستوجب التبصر و التآخي في هذه الظرفية الصعبة تفعيل قيم المواطنة و الإبتعاد عن مظاهر الفساد ، لإنجاح المرحلة و خلق المنافسة الشريفة للنهوض بالمقاولة المواطنة وتشجيع الإستثمار و المستثمرين الأجانب على تفعيل الظوابط القانونية المتواخاة من اقتصاد يبحث عن موضع قدم داخل الإقتصاديات الدولية لتحسين صورته داخل المنتظم الدولي ، و لتجاوز جائحة كورونا بأقل الأضرار. ختاما إننا لانبتغي من هذه الدراسة انتقاذ الاستثمار المغربي ولكن وضع مكامن الخلل لتفاذي بعض المظاهر السلبية المشينة و التي لا ترقى بالمستوى المطلوب لتشجيع الاستثمار و هو ماتجلى في ظل هذه الظرفية الاستثنائية القانونية المحكومة بمرسوم الحجر الصحي ، و الاقتصادي المتمثل في تقليص الانتاجية ، وسياسيا بتجنيد جميع النخب و تظافر الجهود بقيادة سامية رشيدة للعاهل المغربي، لتفادي وضع كارثي متمثل في ازمة مرضية اطلق عليها كورونا.