في ظل انتشار جائجة فيروس “كورونا” لبلدان العالم، تواجه هذه الأخيرة مجموعة من التحديات لاحتوائه، وإن كان الثمن هو توقف حركة المجتمع والاقتصاد. ووفق مقال مشترك لكريستالينا غورغييفا المدير العام لصندوق النقد الدولي، وتيدروس أدهانوم غيبرييسوس المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، فإنه وللوهلة الأولى “يبدو أن هناك مفاضلة بين أمرين متعارضين، فإما إنقاذ الأرواح أو إنقاذ الأرزاق. لكنها في الواقع معضلة زائفة، فالسيطرة على الفيروس هي في الأساس شرط لازم لإنقاذ الأرزاق”. وأوضح المقال، أن “هذا هو ما يشكل رباطا وثيقا بين منظمة الصحة العالمية وصندوق النقد الدولي، فمهمة المنظمة هي حماية صحة الأفراد، وهي في وضع يُمَكِّنها من تقديم المشورة بشأن الأولويات الصحية؛ بينما تتمثل مهمة الصندوق في حماية صحة الاقتصاد العالمي، حيث يقدم المشورة بشأن الأولويات الاقتصادية، كما يساعد في إتاحة التمويل”. وتابع، “نحن نناشد معا صناع السياسات، وخاصة في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، أن يتفهموا أن حماية الصحة العامة تسير يدا بيد مع إعادة الناس إلى مزاولة أعمالهم”. وتقف منظمة الصحة العالمية، وفق المقال، بحكم صلاحياتها، في خط المواجهة الأول لهذه الأزمة، ومثلها الصندوق. ففي الفترة القصيرة المنصرمة منذ بداية انتشار فيروس كورونا حول العالم، حدث ارتفاع حاد في الطلب على تمويل الصندوق. وأَضاف، أنه لم يحدث قط في تاريخ الصندوق الممتد لخمسة وسبعين عاما أن نشأت الحاجة إلى التمويل الطارئ في هذا العدد الكبير من البلدان – وهي 85 بلدا حتى الآن. وتجري إتاحة هذا التمويل في وقت قياسي، حيث بدأ بالفعل إصدار الموافقات على المشروعات الأولى وصرف الأموال اللازمة لتقديم المساعدات الضرورية لوقاية البلدان من حدوث زيادة حادة في احتياجات التمويل في وقت يشهد هبوطا مفاجئا في الأنشطة الاقتصادية وفي الإيرادات. وناشد كل من غورغييفا وتيدروس أن توضع النفقات العامة الموجهة للصحة على رأس قائمة الأولويات، وذلك بينما يصل التمويل الداعم للميزانيات العامة المضغوطة بشدة إلى البلدان التي تحتاج إليه، مضيفين، أن دفع رواتب الأطباء وممتهني التمريض، ودعم المستشفيات وغرف الطوارئ، وإنشاء عيادات ميدانية مؤقتة، وشراء مستلزمات الوقاية والمعدات الطبية الضرورية، وإطلاق حملات التوعية الجماهيرية بإجراءات بسيطة كغسل اليدين – كلها استثمارات حيوية لحماية الناس من الجائحة. وفي عدد ضخم من البلدان “تفتقر النظم الصحية إلى الاستعداد الكافي للتعامل مع سيل من المصابين بفيروس كورونا ومن المهم للغاية إعطاؤها دفعة في هذا الاتجاه، ومن الممكن أن يترافق هذا مع دعم أولويات الاقتصاد ككل التي يتطلبها تخفيض البطالة، والحد من حالات الإفلاس، وكذلك ضمان التعافي مع الوقت، وكل هذا يأتي بالإضافة إلى الإنفاق الصحي – وليس بديلا له – ويهدف إلى تقديم دعم موجه للأسر والشركات الأكثر تضررا، بما في ذلك التحويلات النقدية، ودعم الأجور، والعمل ساعات مخفضة، وزيادة إعانات البطالة وتقوية شبكات الأمان الاجتماعي، والحد من ارتفاع تكاليف الاقتراض”، حسب المقال. وأورد المتحدثين، “ندرك مدى صعوبة تحقيق التوازن الصحيح. فالنشاط الاقتصادي يتداعى مع تأثر العمالة والشركات وسلاسل العرض بالإصابات وبإجراءات مكافحة الجائحة، وتراجُع الإنفاق المترتب على فقدان الوظائف وعدم اليقين، والتضييق الحاد للأوضاع المالية، وتَضَرُّر مصَدري السلع الأولية من انهيار أسعار النفط – وكل ذلك تصاحبه تداعيات عابرة للحدود، وفي البلدان ذات الاقتصادات غير الرسمية الكبيرة، تعتمد الأُسَر في عَيْشها على أجور يومية. ويستحيل التباعد الاجتماعي مع التكدس السكاني الكبير في الأزقة الحضرية”. غير أننا، يضيف المتحدثين، “مقتنعون بأن التمويل الطارئ لا يمكن أن يساعد إلا إذا حققت البلدان هذا التوازن. ومنظمة الصحة العالمية يمكنها المساعدة في مجالات التنسيق الحيوية، كضمان إنتاج المعدات الطبية وتوصيلها لمن يحتاجون إليها، بصورة تتسم بالفعالية والكفاءة والمساواة – وذلك بتيسير اتفاقات الشراء المسبق، على سبيل المثال، وتعمل المنظمة أيضا مع موردي معدات الوقاية الشخصية للعاملين في القطاع الصحي لضمان كفاءة عمل سلاسل العرض. وفي هذا المجال يمكن أن يكون التعاون مع المنظمات الدولية الأخرى فعالا للغاية – كالاستفادة من قدرة البنك الدولي على تجميع الطلب لشراء الإمدادات الطبية بالجملة”. ويهدف الصندوق من جانبه، إلى المساعدة بمضاعفة طاقته المتاحة لمواجهة الطوارئ من 50 مليار دولار إلى 100 مليار دولار – متيحا للبلدان الحصول على ضِعف التمويل الذي كان يتيحه أثناء الطوارئ السابقة. وقد تمكن من تأمين طاقة إقراض كلية قدرها تريليون دولار أمريكي بفضل الإجراءات الحاسمة التي اتخذتها بلدانه الأعضاء. ويعمل الصندوق أيضا على زيادة قدرته على تخفيف التزامات خدمة الدين عن أفقر البلدان الأعضاء من خلال “الصندوق الاستئماني لاحتواء الكوارث وتخفيف أعباء الديون” الذي يتلقى مساهمات سخية من المانحين. ومع البنك الدولي، يدعو الصندوق إلى إيقاف مدفوعات خدمة الدين المستحقة على أفقر البلدان تجاه الدائنين الثنائيين الرسميين ما دام الاقتصاد العالمي مشلولا تحت تأثير الجائحة. وأكدت كل من غورغييفا وتيدروس، أن مسار الأزمة الصحية العالمية ومصير الاقتصاد العالمي متشابكين على نحو لا ينفصم، ومحاربة الجائحة ضرورة لتعافي الاقتصاد. ولذلك تتعاون منظمة الصحة العالمية وصندوق النقد الدولي بصورة وثيقة فيما بينهما ومع المنظمات الدولية الأخرى، للمساعدة على تلبية الاحتياجات ذات الأولوية للبلدان الأعضاء. وتابعا، “وإذ نعمل جميعا معا في ظروف تتسم بضيق الوقت ومحدودية الموارد، يتعين علينا التركيز على الأولويات الصحيحة لإنقاذ الأرواح والأرزاق. وفحوى مناشدتنا المشتركة هو أنه لزاما على القادة الآن، ونحن نمر بواحدة من أحلك اللحظات في تاريخ البشرية، أن يحشدوا الجهود لأجل من يعيشون في الأسواق الصاعدة”.