إقليم الحوز: السلطات تتوعد المتلاعبين بحقوق المتضررين في إعادة الإعمار والتأهيل    تداولات الإفتتاح ببورصة البيضاء    انفجار في ميناء برشلونة يسفر عن وفاة وإصابة خطيرة    برادة يطلق الدعم التربوي في فاس    العمراني : المغرب يؤكد عزمه تعزيز التعاون الإستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد تنصيب ترامب    وزراء الحكومة يفرجون عن جميع "تفويضات كتاب الدولة" بعد طول انتظار    إيلون ماسك يثير جدلا واسعا بتأدية "تحية هتلر" في حفل تنصيب ترامب    ترامب يوقع أمرا ينص على انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية    بلقشور يكشف عن أزمات الأندية المغربية وخطط العصبة لتطوير كرة القدم الوطنية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    في حلقة جديدة من برنامج "مدارات" بالاذاعة الوطنية : نظرات في الإبداع الشعري للأديب الراحل الدكتور عباس الجراري    رفقة كلامور.. فضيل يطرح جديده "فاتي" بستايل رومانسي    حريق مميت في منتجع كارتالكايا التركي يودي بحياة 10 أشخاص ويصيب 32 آخرين    "حماس" تستعد لمبادلة 4 إسرائيليات    أكادير: افتتاح مصنع جديد لمجموعة 'ليوني' الرائدة عالميا في أنظمة الأسلاك لصناعة السيارات    بعد جدل إلغاء عيد الأضحى.. وزير الفلاحة يعلن خطة للتقييم    توقيف 4 أشخاص للاشتباه في تورطهم في حيازة والاتجار في مسكر ماء الحياة بآيت ملول    وزير العدل الفرنسي يعلق على اعتقال "القط" من طرف السلطات المغربية    مجلس المنافسة: تراجع سعر الغازوال في المغرب أقل من الانخفاضات الدولية    المغرب يدعو إلى احترام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    الإفراط في اللحوم الحمراء يزيد احتمال الإصابة بالخرف    توقيف البطولة إلى غاية إجراء مؤجلات الجيش الملكي والرجاء البيضاوي ونهضة بركان    فضيحة في كلية العلوم بالرباط.. حكم يدين أساتذة جامعيين في قضية تشهير ومس بالحياة الخاصة لنساء    أسفر عن مقتل 10 أشخاص.. إندلاع حريق في فندق بمنتجع تركي شهير للتزلج    دوري أبطال أوروبا.. مبابي يبدد الشكوك قبل المواجهة الحاسمة لريال    مباحثات بين الرباط وإسلام أباد لتعزيز العلاقات الأمنية بين البلدين    وفاة الرايس الحسن بلمودن مايسترو "الرباب" الأمازيغي    دوري أبطال أوروبا.. مواجهات نارية تقترب من الحسم    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    في يوم تنصيبه.. ترامب يوقع على 100 أمر تنفيذي    كيوسك الثلاثاء | الحكومة تفتح الطريق أمام "TGV" عبر نزع ملكية 21 قطعة أرضية    ياسين بونو يتوج بجائزة أفضل تصد في الدوري السعودي    فرض رسوم جمركية على المنتجات المستوردة من كندا والمكسيك ب25 بالمائة ابتداء من 1 فبراير( ترامب)    وزارة الاقتصاد: "التسوية الضريبية الطوعية" ساهمت في خفض نسبة عجز الميزانية    نسبة الملء بالسدود الفلاحية تبلغ حاليا 26 في المائة    علماء يكشفون الصلة بين أمراض اللثة وأعراض الزهايمر    المغرب يطالب باحترام هدنة غزة    الحكومة تعلن عزمها توظيف 1840 عونا إداريا ناطقا بالأمازيغية هذا العام    القارة العجوز ديموغرافيا ، هل تنتقل إلى العجز الحضاري مع رئاسة ترامب لأمريكا … ؟    اختتام ملتقى الدراسات بالخارج وممثلو الجامعات والمعاهد.. يؤكدون نجاح الدورة الثالثة    ياسين العرود: قائدٌ واعدٌ لرؤية اقتصادية جديدة في شمال المغرب    باكستان تبحث تعزيز التعاون الأمني مع المغرب في مكافحة الإرهاب    فضيل يصدر أغنيته الجديدة "فاتي" بستايل رومانسي رفقة سكينة كلامور    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    موعد رحيل "مكتب هالا" عن الرجاء    الوزير بنسعيد يعلن عن تعميم خدمات جواز الشباب على الصعيد الوطني    إعادة انتخاب فلورينتينو بيريس رئيسا لريال مدريد    تفشي "بوحمرون" في المغرب.. 116 وفاة و25 ألف إصابة ودعوات لتحرك عاجل    أغنية «ولاء» للفنان عبد الله الراني ..صوت الصحراء ينطق بالإيقاع والكلمات    المنتج عبد الحق مبشور في ذمة الله    تنظيم أول دورة من مهرجان السينما والتاريخ بمراكش    أنت تسأل وغزة تجيب..    دراسة: التمارين الهوائية قد تقلل من خطر الإصابة بالزهايمر    فريق كوري يبتكر شبكة عصبية لقراءة نوايا البشر من موجات الدماغ    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زمن "كورونا" ومقومات النجاح: دروس وعبر
نشر في العمق المغربي يوم 07 - 04 - 2020

جميل أن يستثمر الإنسان الأحداث حلوها ومرها، وأن يأخذ العبر منها بما يفيده في حاضره ومستقبله، وبما ينعكس إيجابا على العيش المشترك في مجتمعه…؛ ولعمري أن هذا هو لب تدريس التاريخ ومقصده الأسمى، الذي إن غاب عنه صار مادة دراسية رتيبة مملة منفرة ودون معنى يذكر.
وكما قال الأقدمون ” في كل محنة منحة”، فإن الناظر بعمق لما نعيشه خلال هذه الفترة العصيبة من حياة البشرية الموسومة بزمن ” كورونا”، والتي بلا شك ستبصم بقوة مجرى التاريخ البشري والحضاري للعالم أجمع، لابد له (لهذا الناظر) من استبصار دروس وعبر في ثنايا هذه الفترة الظاهرة منها والخفية.
وسأحاول في ما يأتي، ملامسة بعض الدروس والعبر ذات العلاقة بمقومات النجاح الدراسي والتكويني والمهني، أو لنقل بالمشروع الشخصي للمتعلم:
قيادة الحياة ضرورة وليس اختيار:
موجة “كورونا” كانت مفاجئة إلى حد كبير، وقد بينت مدى أهمية الاستعدادات لمواجهة الأخطار واتخاذ التدابير اللازمة لحماية المجتمع من آثارها المدمرة….؛ وهذا يدفعنا لاستحضار عبرة مهمة، مفادها أن النجاح في عصرنا الحالي رهين بالقدرة على الاستشراف واستباق الأحداث والتحكم في مجرياتها، وامتلاك سلطة للتمكن من الحياة والقدرة على تحويل بعض عناصر المحيط، فلكي تنجح أيها الشاب / أيتها الشابة لابد من أن تضع نفسك في مشروع تقود به حياتك بعيدا عن الاستسلام للأحداث أو التكيف السلبي معها.
إن النجاح في ظل التغير المستمر الذي يطبع عصرنا، يستلزم قدرات متميزة من أجل تحمل الضغوطات ومجابهة التحديات، ولم يعد الأمر منحصرا في القدرات المعرفية أو النتائج الدراسية، بل يتجاوزها إلى القدرات والمهارات الذاتية والحياتية، التي ينبغي أن يشتغل عليها الفرد ضمن مشروع شخصي يتصف بالطموح وبالمرونة والواقعية.
المواكبة التربوية صناعة للنجاح:
شكلت تدابير الحجر الصحي فرصة ” اضطرارية” لاجتماع أسري ممتد في الزمن بشكل غير مألوف، وربما جعلت الآباء والأمهات يكتشفون جوانب من شخصيات وأوضاع أبنائهم الدراسية والاجتماعية والنفسية بشكل لم ينتبهوا له من قبل، كما أن هذه الفرصة سلطت الضوء على علاقة الأسرة والمدرسة بمختلف الفاعلين فيها، خصوصا مع نهج طرق التعليم عن بعد وما تتطلبه من تنسيق بين الطرفين؛ ولعل الجميع في ظل هذه التجربة أصبح أكثر اقتناعا بأهمية هذه العلاقة في مواكبة الأبناء من أجل النجاح.
إن الأسرة والمدرسة مؤسستان رئيسيتان على صعيد النمو الشخصي للأطفال والشباب، وإن العلاقة بينهما ينبغي أن تتسم بالتوافق والتكامل الوظيفي، توافق في منحى إيجابي يوفر مناخات النمو والتعلم الذاتي وإبراز الطاقات والمواهب وتجاوز الصعوبات، وهذا لن يتأتى إلا بترسيخ مواكبة متضافرة داخل الفضاءات المدرسية وداخل الأسرة، مواكبة واعية مستحضرة لقيم النجاح بمفهومه الواسع الذي يتجاوز حصد النتائج الدراسية والتمرس في اقتناصها بطرق شرعية وغير شرعية، ويعترف بالطفل والشاب ككيان مستقل له من الذكاءات والمهارات ما يمكنه من الفعل والإبداع والعطاء.
التمثلات حول المهن عامل مشوش على النجاح:
محنة “كورونا” أعادت إلى صدارة الاهتمام المجتمعي والإعلامي عدد من المهن التي لم تكن تحظى بقيمة اجتماعية كما هي الآن، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: الطب والصيدلة والتعليم والأمن والنظافة وحفظ الصحة….؛ إنها مناسبة لإعادة التأمل في تمثلاتنا للمهن وأوليات المجتمع وحاجاته التنموية لمواجهة المخاطر والتحديات المستقبلية، وهي مناسبة للأسر وللفاعلين التربويين على حد سواء لإعادة النظر في الصور النمطية والإسقاطات المتعلقة بالمهن التي يمكن أن تؤثر بشكل سلبي على اختيارات المتعلمين الدراسية والتكوينية، وذلك باعتبار المهن تشكل الهدف الأساس الذي تبنى لأجله مشاريعهم الشخصية.
ذلك أن التمثلات الاجتماعية تساهم في تشكيل هذه الصور والإسقاطات حول المهن، من حيث ” تراتبيتها ” والمكانة الاجتماعية التي تخولها، ومستوى العيش المرتبط بها، ومن حيث تصنيفاتها حسب متغيرات الجنس والانتماءات الثقافية والجغرافية والعرقية وغيرها…؛ والعبرة هنا تكمن في ضرورة الوعي بهذه التمثلات الاجتماعية وأخذ مسافة منها، بشكل يمكن الشاب من تحليل موضوعي لواقعه ومستقبله وييسر له اتخاذ قرارات تساعده على تحقيق الذات والاندماج في المجتمع؛ فالنجاح المهني لا يتعلق فقط بالجوانب المادية والتراتبية الاجتماعية، وإنما يرتبط أساسا بمدى ملاءمة المهنة للسمات الشخصية للفرد وميولاته، ومدى انسجامها مع مؤهلاته المعرفية والمهاراتية والشخصية، وهذه العناصر تشكل جوهر الرضا الوظيفي/المهني الذي يجعل الفرد يمارس مهنته أو وظيفته بسعادة ومتعة، وينعكس إيجابا على المردودية والارتقاء المهني.
استكشاف الذات والتموقع في المحيط خطوة على خط الانطلاق:
إن فترة الانعزال هذه، فرصة كذلك للتأمل في الذات والتقييم الذاتي للأدوار في المجتمع، ومناسبة أيضا للتأمل في العلاقات الاجتماعية وأهميتها في الحياة؛ ولعلنا ندرك ونعي جيدا الآن مقولة :” الإنسان اجتماعي بطبعه”. لقد ساعدتنا إجراءات الابتعاد والعزل في استرجاع روح الاجتماع البشري المبني على القيم الإنسانية النبيلة، والهادف إلى تحقيق العمران الحضاري الذي يجمع بين العلم والحداثة والقيم، ولنقل أنها ساعدتنا في تذوق جديد لمعنى الحياة وجوهرها، الذي أضاعه الإنسان بما كسبت يداه.
ومنه نستفيد أن التأمل في الذات والانطلاق من العوامل الذاتية، مدخل مهم لتطوير الأداء الدراسي و التكويني و المهني، تأمل قوامه ترسيخ التفكير الإيجابي وتنمية عادات وقيم العمل والمثابرة والتعاون والتضامن؛ ثم إن القدرة على التموقع في المحيط حالا ومستقبل، من خلال استكشافه واستشراف تحولاته الاجتماعية والاقتصادية والقدرة على التواصل ونسج العلاقات، مقدمة أساسية للنجاح في الاندماج المهني والمجتمعي.
كفاية الاستعلام صمام أمان لاتخاذ القرار:
لقد شهدنا جميعا خلال هذه المرحلة تأثير الإشاعات والمعلومات المغلوطة في خلق أجواء الفتنة والارتباك في بعض أوساط المجتمع، سواء تعلق الأمر بأحداث ومعطيات مرتبطة بالوباء أو بتدابير وطرق مواجهته أو غيرها…، ولاحظنا كذلك حجم المجهود المبذول من طرف المؤسسات الرسمية ووسائل الإعلام لدحض تلك المضامين ومحاصرتها من جهة، وإعطاء المعطيات والتوصيفات الصحيحة من جهة أخرى…؛ والأمر في الحقيقة يتعلق في عمقه بمدى تملك أفراد المجتمع لمنهجيات وآليات علمية في مجال تدبير وتحليل ومعالجة المعلومة، أو ما يسمى ب “كفاية الاستعلام”.
إن تنمية هذه الكفاية لدى الناشئة كفيلة بمنحهم المناعة في التعامل مع مصادر المعلومات بمنهج موضوعي نقدي بعيد عن الاستلاب والاستهلاك التلقائي، بما ينعكس إيجابا على استثمارهم للمعلومة واتخاذ المواقف أو القرارات الملائمة بناء عليها، وبما يحصن المجتمع من آفة ” العبيد الجدد” كما سماها أحد المدونين.
وعلاقة بموضوع المشروع الشخصي للمتعلم، فإن كفاية الاستعلام الذاتي تعتبر من الكفايات الأساسية الداعمة لبناء المشروع الدراسي والمهني، فهي تمكن المتعلم من اعتماد استراتيجيات في البحث عن المعلومات، و اختيار المصادر الملائمة للحصول عليها وانتقائها، ومن إعادة استثمار المعلومة في سياقات جديدة، و الإجابة على التساؤلات المستقبلية انطلاقا من ذلك كله؛ وبالطبع يبقى المحك الحقيقي لتملك المتعلم لهذه الكفاية يتجسد عمليا في قدرته على استكشاف المعلومات حول الدراسات والتكوينات والمهن وبلورة اختياراته بناء على ذلك.
تلكم لفتات استرعت انتباهي وتفكيري ونحن في هذه الظروف الاستثنائية، أحببت تقاسمها معكم وكلي أمل في لطف الله ورحمته، ولعل ما نعيشه يكون لنا خير محفز للتفكير بنظرة ملؤها التفاؤل في مستقبل شبابنا ومجتمعنا والبشرية جمعاء.
* مفتش في التوجيه التربوي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.