يعتبر فيروس كورونا المستجد حرب غير مرئية مشكوك في في أسبابها هل هي مرض وبائي سلطه الله على البشرية أم حرب بيولوجية ناتجة عن خطأ صناعة الفيروسات، وبغض النظر عن جنسية هذا الفيروس اللعين، إنه حرب تصارع البشرية بديمقراطية تشاركية، بحيث لا يميز هذا العدو الخفي عن الأنظار بين الغني والفقير و بين دولة وأخرى، إنه فيروس يحب زيارة قارات العالم. ترك ولازال يترك تأثيرات سلبية على مختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية(..)، الناتجة عن الحجر الصحي كأثر سلبي عن الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية ووقائي للبشرية جماء. وكل هذه المجالات أصبحت تترنح في معظم الدول العظمى التي عجزت عن مقاومة هذا العدو الخفي عن الأنظار، فوجدت نفسها من الدول النامية أو السائرة نحو طريق التقدم كمملكتنا التي بدأت في إعداد هندسة نموذج تنموي جديد بقيادة جلالة الملك محمد السادس الرشيدة نحو مصاف النمو وتحقيق العدالة المجالية بربوع جهات مملكتنا الغالية. وأمام هذا التعثر والنفاذ الذي وصلت إليه مختلف القطاعات المهمة ببلادنا الشيء الذي دفع جلالة الملك محمد السادس قائد البلاد إلى الإعلان عن نموذج تنموي جديد يرقى إلى تطلعاته وتطلعات شعبه، والدخول في مرحلة جديدة عنوانها عقد اجتماعي جديد مبني على أسس العدالة الاجتماعية والاقتصادية والمجالية، فكلف لجنة لإعداد هذا المشروع المجتمعي برئاسة السيد شكيب بنموسى خلال دجنبر الماضي مكونة من 35 شخصا بكفاءة عالية من مختلف المجالات، لإعداد تصور شمولي للواقع المغربي، فشرعت اللجنة في الاشتغال لبضعة شهور عبر زيارات ولقاءات مع مختلف القطاعات والهيئات الحزبية والمهنية والمدنية. لكن سرعان ما تفاجئت بفيروس كورونا اللعين الذي عطل كل المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مختلف الدول بما فيها المغرب. وفي مقابل ذلك سهل على لجنة النموذج التنموي الجديد الإعداد من المكوث في البيت؛ بحيث عرى هذا الفيروس عن جسد النظام الاجتماعي والاقتصادي المعمول بهما حاليا ببلادنا ووضع اللجنة أمام أمر الواقع دون لقاءات أو زيارات لترتيب أولويات النموذج التنموي الجديد فقد شخص ولخص كل الأعطاب التي يعاني منها المجتمع المغربي. وعلى هذا الأساس تعتبر الحروب بمختلف أنواعها سواء حربية أو وبائية(..)، تساهم في تطوير المجتمعات اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا. فخلال الحرب العالمية الأولى والثانية تم تشييد المصانع لصناعة الطائرات الحربية والدبابات والعربات الحربية وصناعة القنابل المسيلة للدموع والقرطاس ومختلف الأسلحة الفتاكة لقتل الأبرياء، والمراكز التجارية في أوروبا وأمريكا والصين لتصدير المنتجات الأساسية واستغلال خيرات الدول المسلوبة الإرادة والمستعمرة. وبعد انتهاء الحروب والمستعمرات عادت تلك الدول إلى الاهتمام بالصناعات المدنية كصناعة السيارات والدراجات النارية والشاحنات والبواخر المتطورة والطائرات المدنية وصناعة المواد الغذائية والصناعات التحويلية بفضل تركيزها على التكنولوجيا الحديثة التي رقمنت كل المجالات، وكل هذا التقدم الصناعي والتجاري لولا الحروب لما حصل هذا التطور الصناعي والتكنولوجي والرقمي الذي نشهده في هذا القرن الواحد والعشرين. ولذلك نعتقد أن هذا الفيروس الحربي يضع لجنة النموذج التنموي الجديد أمام أولويات مقومات النموذج التنموي الجديد الذي يجب تنزيله بشكل آن. وأول موقوم من مقومات هذا النموذج الذي يجب البدء به هو البحث العلمي والإعلام الثقافي، إن هذا الفيروس كأنه يريد أن يقول للجنة المكلفة بهندسة هذا المشروع المجتمعي، إن صناعة المغرب الجديد تنطلق من صناعة الإنسان بالتربية والتعليم والبحث العلمي والإعلام الثقافي الهادف الذي يرفع منسوب الوعي الثقافي والاجتماعي لدى المواطنين، وردم هوة التفاهة التي تصنع إنسان معطوب الأركان الأخلاقية لأن التعليم يعد مستشفى للعقول كما تقول التلميذة المتميزة لالة مريم امجون. ويعتبر الإعلام سلاح من بين الأسلحة الخطيرة التي يمكن استعمالها إما إيجابيا عبر التثقيف والتوعية والتحليل واقتراح الحلول البديلة لتطوير المجتمع أو يمكن استعماله سلبيا عبر خلق من لا شيء شيء كالتفاهة والبلاهة والسفاهة لتدمير المجتمع وجعله في زاوية أخطر فيروس الجهل القاتل للمجتمعات عبر قرون من الزمن. لأن دواء هذا الفيروس لا يمكن تصنيعه في مختبرات الطب ولا يمكن معالجته بالأدوية التي تباع في الصيدليات؛ بل في مختبرات المدرسة ذات الجودة العالية وبالإعلام الهادف الذي يتحكم في زمام متطلبات المجتمع وليس الإعلام الذي يبني مخططاته على الربح دون مرعاته للقيم والأخلاق، والمسؤولية الاجتماعية التي تقع على عاتق مختلف الشركات الإعلامية وغير الإعلامية. إن المجتمع المتخلف ثقافيا يسهل استدراجه لأي محتوى تافه مثل المراهق الذي لا يلقي للأمور بالا. فلذلك ومن أجل النهوض بمجتمع بلدنا يجب أن نضع يدا في يد للدفع بالبحث العلمي نحو خطوات كبيرة إلى الأمام، والنهوض بالإعلام الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والفلاحي والسياحي من أجل تنمية الوعي المجتمعي الذي يجب أن يلامس مختلف طبقات وشرائح المجتمع المغربي. كما أن هذا الفيروس الحربي سيضع لجنة النموذج التنموي الجديد أمام ثاني أهم مقوم من مقومات النموذج التنموي الجديد المتعلق بالصناعة والتجارة خاصة الصناعات الضرورية للبقاء على قيد الحياة؛ وأقصد هنا صناعة المعدات والأدوات الطبية والأدوية عبر دعم التعليم والبحث الطبي وجعل منظومة الصحة العمومية فوق كل اعتبار، على اعتبار أن الصحة لا ثمن لها بحيث قد تعطل مختلف أنشطة الحياة الاقتصادية والاجتماعية(..)، كما يفعل بنا اليوم فيروس كورونا اللعين الذي جعل الهدف الوحيد للإنسان هو أن يظل على قيد الحياة وأن الأيام القادمة تقول للدول يجب على كل دولة أن تعتمد على نفسها. هكذا سيصبح من المفروض على المغرب بعد فيروس كورونا الاعتماد على نفسه في مجال البحث العلمي و الصناعي من خلال تشجيع الطاقات الشابة الحاملة لبراءات الاختراع في المجال الطبي والصناعي والتجاري(..)، والكف قليلا عن تبدير الأموال العمومية في المهرجانات السنوية والشهرية والأسبوعية، والمحتويات الإعلامية العمومية التافهة والتي لا فائدة منها تذكر أثناء الأوقات العصيبة. لأن السلاح الأساسي اليوم لضمان تطور الدولة ونموها بشكل أكبر وأسرع، هو صناعة الإنسان بالتربية والتعليم والبحث العلمي والإعلام الثقافي أو الاجتماعي. * باحث في سلك الدكتوراه بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الحسن الثاني بالدار البيضاء عين شق تخصص قانون الأنشطة الاقتصادية