وطني الحبيب وأنا أحاول أن أتكلم عنك تعلق الكلمات في حلقي ،وإن حاولت أن أكتب عنك يتلعثم الحبر في قلمي ،ماذا عساي أقول عنك؟ أأخدع نفسي وأقول أرض المغرب مفروشة بالورود في حين أن أقدامنا على الأشواك تدوس، أم أخون الأمانة وأحيل الجمر بردا، وأقول المغرب جنة ونعيم ، تنعم بالرخاء والازدهار، فهي دوما في الصدارة في شتى الميادين؟ حالك يا وطني ظاهر لا غبارعليه، فأنت تتخبط في الفساد وحالتك مزرية، غير أن ما يميزك عن غيرك من الدول التي تعاني الفساد، أنك ترفض الاعتراف بالحالة المزرية التي تعيشها، بل وما يزيد من تفاقم الوضع وخطورته أن فئة عريضة من الشعب أصبحت مخدرة تماما، إذ باتت ترى الفساد عطية، والتخلف مزية، والجهل علم ،وتتخيل وتحاول أن تقنع نفسها أن المغرب سيلحق بركب الدول المتقدمة و سيجاري اقتصادها بل وسيصبح في مصافها، ولا غرابة أن يخيل له ذلك مادامت قنواتنا الإعلامية المحترمة تتهافت كل يوم على الإعلان عن مشاريع جديدة ، حتى يخيل للسامع أن الشعب ينعم في رفاهية يحسد عليها. في حين أن المغرب بعيد كل البعد عن مجاراة الدول العظمى مادام الشعب المغربي لا يزال في أغلبه، يسبح في براثين الذل بلا كرامة، مقيدا بلا حرية ولا يملك حتى قوت يومه... ففي كل إدارة عمومية تقف مشدوها أمام مشاهد الذل والإهانة التي يتعرض لها المواطن المغربي من ظلم ورشوة ومحسوبية و فساد الأخلاق والقيم ... وفي كل مستشفى دولة يشتد بك المرض أكثر مما تراه عيناك وتتعرض له من إهانة وسوء معاملة... للأسف لا يمكن الاستبشار برؤية مستقبلية للمغرب، ما دام غارقا في بحر الفساد بكل أنواعه (سياسي وإداري واقتصادي و قيمي...) ومادام مستقبل المغرب يرسمه له الأجانب بدلا عنه، وفق مصالحهم هم لا مصالحنا نحن. يباع ويشترى مثل قطعة أثرية في مزاد علني، وتقدم له القروض والهبات وذلك طبعا لايتم بلا مقابل ، والمؤسف أكثر أن هذه الأموال تذهب سدى وهدرا ولا يرى منها الشعب إلا أرقاما إذا ما تم التصريح بها على منابرنا الإعلامية المصونة. أما المشاريع التي يقال عنها أنها مهمة ورائدة وبلا شك ستدفع بالمغرب إلى الأمام وتجعله في مصاف الدول المتقدمة ، ألا ترون أنها تركز فقط على العمران والبنيان، وسبل تنمية السياحة - بكل أنواعها-،أين نصيب أهم قطاعين في كل بلد (التعليم والصحة) اللذان من شأنهما أن يدفعا بقاطرة التنمية ويخرجا المغرب من مستنقعه؟ في حين لا أحد من هذه المشاريع ستكون له قيمة ، أو ينجي المغرب من ما وصلت إليه في ظل تشعب جذور الفساد ومتانتها في تربة وطننا. يجب أن يتم استئصال الفساد من جذوره، إلا أن استئصال الفساد، يجب أن يراعي خصائص البلاد وأسباب هذا الفساد وطرقه لكي لا نقع في مطبات نحن في غنى عنها ، فمثلا لو فكرنا في النسق التونسي لكان المغرب أول بلد يثور، بل و لكانت لدينا ألف ثورة مع كل خريج جامعي أحرق نفسه أمام قبة البرلمان المغربي في السنين الماضية، قبل أن يفكر البوعزيزي بذلك حتى. لكن أنا على يقين أن أولي الألباب يدركون أن لكل بلد خصائصه، ولكل مفسد طريقته، ولكل فساد أسبابه، ومع جلاء هذه الأسباب والمسؤولين عنها، تتضح الطريقة الفضلى للتغيير، والوقت الأنسب لذلك. صراحة بت أخشى أن تعم الفوضى وأن يتم استغلال أي مظاهرة ثورية في المغرب، من طرف بعض الجهات التي تحاول الركوب على المصالح لإحداث فتنة وخراب واسع، لتبدأ الاعتقالات العشوائية، ويتم وأد أي محاولة للإصلاح للأبد. لكن هذا لا يعني أن نقف كالمتفرجين مكتوفي الأيدي نتفرج على حالنا، مكممي الأفواه، أو نصفق ونهتف بأعلى صوتنا معلنين رضانا عن ذلنا، ونؤكد تخديرنا، علينا فقط أن نضع نصب أعيننا، أن نتجنب الفتنة بشتى الوسائل لأنها إعصار فتاك إذا أتت ، والعياذ بالله ، أحدثت دمارا شاملا يأتي على الأخضر واليابس، نحن نريد إعمارالبلاد لا خرابها وإصلاحا لا فسادا، نريد أن ترد الحقوق إلى أصحابها، لا أن تضيع حقوق أخرى. في الأخير، وطني الحبيب لن أنافق ، لن أجامل ، سأكون صريحة وللأمانة أقول كلاما خاليا من مساحيق التجميل، أنت تعيش حالة مزرية لا تحسد عليها في معظم ميادينك، ومن يرى غير ذلك فهو إما يتعامى أو ساذج غبي، أو مستفيد من بقاء الوضع على ما هو عليه، لكن هذا كله يجب أن يكون بمثابة شحنة وحافز للشباب الغيورعلى وطنه والطموح الراغب في التغيير، لكي لا يسمح لأي جهة كانت، أن تغتنم الفرصة وتستغل هذا الوضع لنشر المزيد من الفساد وتدمير هذه البلاد.