يقول الله تعالى في سورة البقرة: “يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم” يوجه الله تعالى المومنين إلى حسن اختيار الألفاظ قائلا لهم : “يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا “راعنا” ” أي راع أحوالنا؛ لأن اليهود والمنافقين يحرفونها ويخاطبون بها النبي صلى الله عليه وسلم؛ ويقصدون بها معنىً فاسدًا وهو الرعونة، فنهى الله عن هذه الكلمة سدا لهذا الباب، وعوضهم بكلمة أفضل منها وهي “انظرنا”: أي انتظرنا نفهم عنك ما تقول. وهي كلمة تؤدي المعنى بلا محذور. عكس كلمة “راعنا” التي قد تؤدي إلى عدة معاني، فالصحابة رضي الله عنهم كانوا يقصدون بها معنىً صحيحًا محمودًا ولكن اليهود والمنافقين كانوا يقصدون بها معنىً فاسدًا من الرعونة؛ وهي الجهل والحمق. لذلك نهى الله تعالى المؤمنين عن أمثال هذه الكلمة سدًّا للذريعة. هذه الآية الكريمة تندرج في نداءات الرحمان لأهل الإيمان، وهي نداء من الله تعالى للمؤمنين بأن يحسنوا اختيار الكلمات، لأن اليهود والمنافقين كانوا يسخرون ويستهزئون بالرسول صلى الله عليه وسلم بنفس الكلمة التي يستعملونها المؤمنين التي لها معنى إيجابي ومعنى سلبي، وكما هو معلوم أن الاستهزاء بالنبي صلى الله عليه وسلم والسخرية منه والاستهزاء بآيات الله تعالى كفر، لقوله تعالى في سورة التوبة: ” وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ، لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ” وللأسف فإن في زمننا هذا نلاحظ من المسلمين من يضع نكتا تسخر بالدين؛ فمثلا يقوم شخص بوضع صور مجموعة من علماء الفيزياء والرياضيات ويضعون بينهم صورة لعالم في المجال الديني ثم يقولون ” شكرا لكم على ما قدمتموه للبشرية باستثناء العالم الديني الذين يكتبون عنه (لا نقصدك في هذا الكلام)، أي أنهم يستهزئون به ويسخرونه منه كأن علماء الدين لم يفيدوا البشرية. وهناك أمثلة كثيرة في هذا الموضوع، لذلك وجب على المسلمين والمؤمنين الحذر في الوقوع في مثل هذه الأخطاء، لأنها تؤدي إلى الكفر، لذلك فالله تعالى أمر المؤمنين بحسن اختيار الكلمات والإصغاء والسماع عند تلقي العلم والمعرفة والتأدب في ذلك، كما أحبر الله تعالى المؤمنين بأن المنافقين وكل من يستهزء بآيات الله تعالى وكل من يسخر بنبيه أن له عذاب أليم لقوله تعالى: ” وللكافرين عذاب أليم”. فإذا تأملنا في هذه الآية العظيمة نجد أن الله تعالى وجب علينا الأدب مع رسو الله صلى الله عليه وسلم وحرم الإساءة إليه بقول أو عمل، فنهيه عن كلمة “راعنا” والتي لها معنى سلبي قصد الاستهزاء دليل على حرمة الاستهزاء بالنبي صلى الله عليه وسلم ووجوب التأدب معه. وحتى في هذا العصر، وجب علينا احترام أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم واحترام آيات الله تعالى واحترام الدين واحترام العلماء والأساتذة والمرشدين والفقهاء والمربين… ويحرم علينا الإساءة إليهم أو الاستهزاء والسخرية منهم. فالله تعالى قال في سورة الحجرات: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ” فالسخرية أمر مرفوض في الإسلام، فللأسف الشديد أصبحنا نلاحظ عدم احترام التلميذ لأستاذه، كما أصبحنا نشاهد من يسب العلماء ويسقط من هيبتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بسبب الجهل وعدم تدبر آيات الله تعالى. لذلك يجب علينا الحذر من إساءة الناس عموما، وأن نحذر من الاستهزاء بآيات الله تعالى وسنة نبيه ومن علماء هذه الأمة خصوصا، كما يجب علينا تدبر القرآن وسماع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بكل أدب وعدم الاستهزاء بها. وأن نتخلق بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وبأخلاق صحابته رضي الله عنهم، وأن نحبهم ونقدرهم. خلاصة القول: ما يستفاد من هذه الآية الكريمة في زمننا هذا هو حسن اختيار الألفاظ والكلمات والتأدب مع من هم أعلم منا خصوصا مع العلماء والمربيين والأساتذة والمرشدين وغيرهم. فكم من كلمة يقولها الإنسان بدون أن يدري تهوي به في جهنم سبعين خريفا. لذلك وجب الانتباه إلى ما نقوله وأن نحسن اختيار الكلمات. بقلم عبد الحميد الحرشي جاري النشر… شكرا على التعليق, سيتم النشر بعد المراجعة خطأ في إرسال التعليق المرجو إعادة المحاولة