تنطلق البيئة المغربية التضامنية من نبع القيم الإسلامية السمحة في الخيرية والإحسان للفقراء والمساكين وأصحاب الحاجة، ولذلك كان التسابق بين المحسنين في العمل الخيري منذ القدم ،ويحضر اهم انجاز تاريخي وقفي في تأسيس اكبر جامعة إسلامية في المغرب من طرف السيدة المحسنة فاطمة الزهراء الفهرية، حيث بنت منارة علم وخير من مالها الخاص وأوقفت مجموعة من أملاكها لرعاية الطلبة واهل العلم . ولذلك أصبحت هاته السنة الحميدة متوارثة بين الأجيال وبين الدول المتعاقبة على المغرب، ولذلك بعد الاستقلال كانت هناك مؤسسات تسمى بالخيريات ،وهي نسبة الى الخير أي العمل الاحساني من أصحاب النفوذ والمال والاعيان الذين يتنافسون فيما بينهم في بناء مؤسسات تهتم برعاية المحتاجين ،وهذا العمل تكاثف مع تنامي الفقر في المغرب و الهجرة وبدايات تشكل العديد من المدن الحضرية . ولذلك فهاته المؤسسات كانت تسير اما عن طريق المحسنين أو من طرف أجهزة الدولة، وخاصة مندوبيات التعاون الوطني . فهذه المؤسسات التي أصبحت تعرف بمؤسسات الرعاية الاجتماعية هي في الواقع بنيات استقبال وهدفها الرعاية والحماية للأشخاص في وضعيات صعبة، وتختلف الوضعيات باختلاف الحالات. وقد استطاعت هاته المؤسسات منذ العقد الأول من القرن الماضي، بالاضطلاع بأدوار مهمة في مجال الاشراف على التكفل المؤسساتي أطرت فيها أجيال متتالية من خلال توفير العديد من أوجه الرعاية الاجتماعية والصحية والنفسية والمعيشية والخدماتية والتربوية والترفيهية ،وكذا توفير الرعاية والعلاج والتأهيل حسب الحاجيات الضرورية لكل فئة من المستفيدين ،وأيضا حسب الإمكانات المادية والبشرية التأطيرية المتوفرة آنذاك. وتمتاز تجربة المغرب في تدبير هذه المؤسسات على ثلاث مراحل : الأولى :مرحلة ماقبل التأطير المؤسساتي –قبل صدور قانون 05/14المتعلق بشروط فتح وتدبير مؤسسات الرعاية الاجتماعية والمرسوم التطبيقي له وكذا الدفاتر النموذجية لتسيير أصناف المؤسسات التي نظمها القانون . الثانية :مرحلة صدور وتطبيق مقتضيات قانون 05/14المتعلق بشروط فتح وتدبير مؤسسات الرعاية الاجتماعية والمرسوم التطبيقي له. الثالثة :مرحلة اخراج قانون 65/15وما واكبها من اخراج تقرير تشخيصي لواقع مؤسسات الرعاية الاجتماعية والذي شكل نقطة انطلاق للتفكير الواضح في ضرورة تغيير قانون 05/14 وتتميمه ،الى ان تم اخراج نص جديد ناسخ للقديم والذي جاء بدينامية جديدة وبفلسفة منفتحة على مجموعة من المعايير الكونية . التطور الحوكماتي لمؤسسات الرعاية الاجتماعية بالمغرب سنتطرق الى المراحل الثلاث التي قطعها هذا الورش الذي اصبح رهانا أساسيا في تنزيل اهداف التنمية المستدامة وخاصة فيما يتعلق بالجانب الاجتماعي والتربية والتعليم ومحاربة الفقر والمساواة مرحلة ماقبل التأطير المؤسساتي –قبل صدور قانون 05/14المتعلق بشروط فتح وتدبير مؤسسات الرعاية الاجتماعية والمرسوم التطبيقي له وليبقى السؤال المطروح والذي تسعى هاته المقالة ان تجيب عليه ،ما هو الأثر التنموي لفعل الحوكمة المؤسساتية المرتبط بالتجديد والتحيين والتغيير القانوني لمؤسسات الرعاية الاجتماعية بالمغرب ،وهل الإجابة التشريعية وحدها يمكن ان تساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة ؟ يمكن ان نعرف أهداف التنمية المستدامة على انها خطة لتحقيق مستقبل أفضل وأكثر استدامة للجميع. وتتصدى لهذه الأهداف للتحديات العالمية التي نواجهها، بما في ذلك التحديات المتعلقة بالفقر وعدم المساواة والمناخ وتدهور البيئة والازدهار والسلام والعدالة. وفضلا عن ترابط الأهداف، وللتأكد من ألا يتخلف أحد عن الركب، فمن المهم تحقيق كل هدف من الأهداف بحلول عام 2030. في 1 /يناير 2016، بدأ العمل على تنفيذ أهداف التنمية المستدامة ال 17 لخطة التنمية المستدامة لعام 2030 التي اعتمدها قادة العالم في أيلول/سبتمبر 2015 في قمة تاريخية للأمم المتحدة . وستعمل البلدان خلال السنوات الخمس عشرة المقبلة، واضعة نصب أعينها هذه الأهداف الجديدة التي تنطبق عالميا على الجميع، بحشد الجهود للقضاء على الفقر بجميع أشكاله ومكافحة عدم المساواة ومعالجة تغير المناخ، مع كفالة عدم التخلي عن أحد. وتستند أهداف التنمية المستدامة على نجاح الأهداف الإنمائية للألفية وتهدف إلى المضي قدمًا للقضاء على الفقر بجميع أشكاله. وتعتبر الأهداف الجديدة فريدة من نوعها من حيث أنها تدعو جميع البلدان، الفقيرة والغنية والمتوسطة الدخل الى اتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل تعزيز الرخاء، والعمل في الوقت نفسه على حماية كوكب الأرض. وتدرك هذه الأهداف أن القضاء على الفقر يجب أن يسير جنباً إلى جنب مع الاستراتيجيات التي تبني النمو الاقتصادي وتتناول مجموعة من الاحتياجات الاجتماعية بما في ذلك التعليم والصحة والحماية الاجتماعية وفرص العمل، وتتصدى في الوقت نفسه لمعالجة تغير المناخ وحماية البيئة. وبهدف الإجابة على أسئلة مهمة المراجعة، تم اعتماد مقاربة منهجية تقوم على العناصر التالية: – المراجعة الوثائقية والببليوغرافية من خلال تحليل الوثائق والمعلومات والتجارب المتعلقة بخطة 2030 على المستويين الدولي والوطني؛ وقد مكنت مراجعة الجاهزية لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة من تسجيل التزام المغرب بشكل واضح بتنزيل برنامج 2030، وكذلك توفره على إطار دستوري وتشريعي ملائم لتحقيق هذه الأهداف. وقد مكن تنظيم مناظرة وطنية سنة 2016 حول تنزيل خطة 2030 للتنمية المستدامة في السياق الوطني من إطلاق مشاورات ونقاش بين مختلف الفاعلين المعنيين بتنفيذ هذا البرنامج. غير أن هذه المناظرة لم تتبعها إجراءات ملموسة لتفعيل توصياتها. وفي هذا الصدد، تبقى درجة استيعاب الأهداف التنموية وتبنيها من طرف المواطنين والجهات المعنية غير كافية، وذلك نتيجة لغياب إطار للتنسيق والتتبع يسمح بتجميع وضمان تكامل الإجراءات المتخذة من طرف مختلف الأطراف المتدخلة، وكذا غياب استراتيجية للتواصل والتحسيس حول أهداف التنمية المستدامة تتلاءم مع كافة المستويات والغايات المستهدفة. 21. وفضلا عن ذلك، فإن تأخر وضع إطار للتنسيق والتتبع بهدف تنفيذ خطة 2030 أدى إلى ضعف انخراط المتدخلين المعنيين وغياب التشاور معهم حول أهداف التنمية المستدامة. وهو ما تجلى في ضعف توزيع الأدوار والمسؤوليات، وغياب استراتيجية أو برنامج وطني يحدد الأولويات الوطنية، فيما يتعلق بأهداف التنمية المستدامة، وكذا غياب خطط عمل مفصلة تحدد الكيفيات والآجال والمتدخلين وطرق التمويل الخاصة بهذه الأهداف. . كما تم تسجيل بطء وتيرة اتخاذ التدابير الرامية لانسجام وملاءمة الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة والاستراتيجيات القطاعية مع أهداف التنمية المستدامة. إضافة إلى كون هذه الاستراتيجية الوطنية، تسجل نقائص متعلقة بضعف تبنيها من طرف بعض المتدخلين، وبتواجد تباين بين الأطراف المعنية حول الإطار الملائم لتحديد المشاريع والأولويات بغرض مقاربة الاستراتيجية الوطنية مع أهداف التنمية المستدامة. . وعلى مستوى تجميع المعطيات الخاصة بقياس المؤشرات، سجلت مهمة المراجعة فعالية النظام الإحصائي الوطني من حيث استجابته للمعايير الدولية، وتوفره على الإمكانيات المطلوبة لإنتاج المؤشرات المتعلقة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة. غير أن هذا النظام مدعو لتجاوز بعض النقائص المتعلقة بغياب تنسيق وملاءمة الإجراءات والعمليات الإحصائية المنجزة من طرف مختلف مكوناته. وهو ما يستدعي تفعيل دور لجنة تنسيق الدراسات الإحصائية في انتظار خلق المجلس الوطني للإحصاء، وكذا تطوير التعاون مع المنتجين المؤسساتيين للمعطيات، خاصة على المستوى الترابي.وبخصوص تغطية المؤشرات والغايات المستهدفة، لاحظت مهمة المراجعة كون اللائحة النهائية للمؤشرات التي يمكن أن ينتجها النظام الإحصائي الوطني لم يتم حصرها بعد، حيث يقتصر الأمر على تشخيص أولي تم إنجازه من طرف المندوبية السامية للتخطيط، ومن طرف بعض مكونات هذا النظام، والذي خلص لقدرة هذا الأخير على إنتاج 48 بالمائة من المؤشرات المعتمدة في برنامج 2030 ، في حين لم يتم بعد إعداد قائمة القيم المرجعية لهذه المؤشرات وقد سجل تكليف المندوبية السامية للتخطيط، بموجب المرسوم الجديد المتعلق بإعادة تنظيمها، بإنجاز التقارير حول أهداف التنمية المستدامة، إلا أنه لم يتم التطرق بصفة صريحة للجهة المسؤولة عن مهمة التتبع والرصد.و يكرس دستور سنة 2011 التزام المغرب بإدماج سياساته التنموية في إطار التنمية المستدامة، وهو الالتزام الذي تمت ترجمته بالاعتراف بالتنمية المستدامة كحق أساسي من حقوق المواطنين وبمسؤولية الدولة في تنزيلها على أرض الواقع. إذ يعتبر الفصل 31 من الدستور التنمية المستدامة من بين الحقوق الأساسية المعترف بها للمواطنين، والذي يتمم لائحة باقي الحقوق المتمثلة في الحق في الولوج للعلاجات الصحية والرعاية الاجتماعية والتغطية الصحية والتضامن والتعليم العصري الميسر الولوج وذي الجودة والتكوين المهني والتربية البدنية والفنية والسكن اللائق والشغل والحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة.ولهذه الغاية، حث الدستور كلا من الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على العمل من أجل تعبئة جميع الوسائل المتاحة قصد تيسير استفادة المواطنين من هذه الحقوق على قدم المساواة.وفي نفس السياق ينص الفصل 35 منه على أن “الدولة تعمل على تحقيق تنمية بشرية مستدامة، من شأنها تعزيز العدالة الاجتماعية، والحفاظ على الثروات الطبيعية الوطنية، وعلى حقوق الأجيال القادمة”. * خبير بالمعهد العربي للتخطيط بالكويت جاري النشر… شكرا على التعليق, سيتم النشر بعد المراجعة خطأ في إرسال التعليق المرجو إعادة المحاولة