مؤتمر "بيجيدي".. غياب شخصيات وازنة وسط حضور "طيف بنكيران"    جريمة قتل جديدة في ابن أحمد    أخنوش يصل إلى روما لتمثيل جلالة الملك في مراسم جنازة البابا فرانسوا    هيئة: وقفات بعدد من المدن المغربية تضامنا مع غزة وتنديدا بالإبادة الجماعية    طنجة تحتضن النسخة الحادية عشرة من الدوري الدولي "مولاي الحسن" بمشاركة أندية مغربية وإسبانية    الشيبي يسهم في تأهل بيراميدز    مرسوم حكومي جديد يُحوّل "منطقة التصدير الحرة طنجة تيك" إلى "منطقة التسريع الصناعي" ويوسّع نطاقها الجغرافي    وليد الركراكي: نهجنا التواصل وعرض مشاريعنا على اللاعبين مزدوجي الجنسية... نحترم قراراتهم    المفتش العام للقوات المسلحة الملكية يقوم بزيارة عمل إلى إثيوبيا    أسبوع المغرب في موريتانيا".. منصة لتعزيز الشراكة جنوب-جنوب وتوسيع آفاق التعاون الثنائي    أخنوش يصل إلى روما لتمثيل جلالة الملك في مراسم جنازة البابا فرانسوا    بسبب التحكيم.. توتر جديد بين ريال مدريد ورابطة الليغا قبل نهائي كأس الملك    نشرة إنذارية: زخات رعدية مصحوبة بتساقط للبرد وبهبات رياح مرتقبة الجمعة بعدد من مناطق المملكة    قطار التعاون ينطلق بسرعة فائقة بين الرباط وباريس: ماكرون يحتفي بثمرة الشراكة مع المغرب    الأخضر ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    العالم والخبير في علم المناعة منصف السلاوي يقدم بالرباط سيرته الذاتية "الأفق المفتوح.. مسار حياة"    بودريقة يمثل أمام قاضي التحقيق .. وهذه لائحة التهم    تقرير يكشف عن نقص في دعم متضرري زلزال الحوز: 16% لم يحصلوا على المساعدة    افتتاح مركز لتدريب القوات الخاصة بجماعة القصر الصغير بتعاون مغربي أمريكي    إسكوبار الصحراء.. الناصري يلتمس من المحكمة مواجهته بالفنانة لطيفة رأفت    متدخلون: الفن والإبداع آخر حصن أمام انهيار الإنسانية في زمن الذكاء الاصطناعي والحروب    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    عناصر بجبهة البوليساريو يسلمون أنفسهم طواعية للجيش المغربي    إحصاء الخدمة العسكرية ينطلق وأبناء الجالية مدعوون للتسجيل    مذكرة السبت والأحد 26/27 أبريل    ضابط شرطة يطلق رصاصا تحذيريا لإيقاف مروج مخدرات حرض كلابا شرسة ضد عناصر الأمن بجرادة    مهرجان "كوميديا بلانكا" يعود في نسخته الثانية بالدار البيضاء    أرباح اتصالات المغرب تتراجع 5.9% خلال الربع الأول من 2025    "أمنستي" تدين تصاعد القمع بالجزائر    المغرب استورد أزيد من 820 ألف طن من النفايات والمواد القابلة لإعادة التدوير خلال 2024    أبرزها "كلاسيكو" بين الجيش والوداد.. العصبة تكشف عن برنامج الجولة 28    طنجة.. ندوة تنزيل تصاميم التهيئة تدعو لتقوية دور الجماعات وتقدم 15 توصية لتجاوز التعثرات    اتفاقية تدعم مقاولات الصناعة الغذائية    السايح مدرب منتخب "الفوتسال" للسيدات: "هدفنا هو التتويج بلقب "الكان" وأكدنا بأننا جاهزين لجميع السيناريوهات"    الإعلان عن صفقة ب 11.3 مليار لتأهيل مطار الناظور- العروي    على حمار أعْرَج يزُفّون ثقافتنا في هودج !    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يناقش "الحق في المدينة" وتحولات العمران    المعرض الدولي للفلاحة بمكناس: مجموعة القرض الفلاحي للمغرب توحّد جهود الفاعلين في مجال الزراعة الذكية    ميسي يطلب التعاقد مع مودريتش.. وإنتر ميامي يتحرك    كاتبة الدولة الدريوش تؤكد من أبيدجان إلتزام المملكة المغربية الراسخ بدعم التعاون الإفريقي في مجال الصيد البحري    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة    جرادة.. ضابط شرطة يطلق النار لتتوقيف ممبحوث عنه واجه الأمن بالكلاب الشرسة    الملك يقيم مأدبة عشاء على شرف المدعوين والمشاركين في الدورة ال 17 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب    رفضا للإبادة في غزة.. إسبانيا تلغي صفقة تسلح مع شركة إسرائيلية    الصين تنفي وجود مفاوضات تجارية مع واشنطن: لا مشاورات ولا اتفاق في الأفق    رواد سفينة الفضاء "شنتشو-20" يدخلون محطة الفضاء الصينية    المديرة العامة لصندوق النقد الدولي: المغرب نموذج للثقة الدولية والاستقرار الاقتصادي    "الإيسيسكو" تقدم الدبلوماسية الحضارية كمفهوم جديد في معرض الكتاب    أكاديمية المملكة المغربية تسلّم شارات أربعة أعضاء جدد دوليّين    الرباط …توقيع ديوان مدن الأحلام للشاعر بوشعيب خلدون بالمعرض الدولي النشر والكتاب    كردية أشجع من دول عربية 3من3    دراسة: النوم المبكر يعزز القدرات العقلية والإدراكية للمراهقين    إصابة الحوامل بفقر الدم قد ترفع خطر إصابة الأجنة بأمراض القلب    الحل في الفاكهة الصفراء.. دراسة توصي بالموز لمواجهة ارتفاع الضغط    المغرب يعزز منظومته الصحية للحفاظ على معدلات تغطية تلقيحية عالية    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فتاة المنصورة وطفل الوثبة وأزمة عقلنا العربي
نشر في العمق المغربي يوم 06 - 01 - 2020

الوثبة ساحة وسط بغداد، أقدم فيها المتظاهرون، على تطبيق شرع يدهم، بحق طفل في السادسة عشر من عمره، بعد أن اختلف معهم، وطلب منهم الابتعاد قليلا من أمام بيت المنزل، فقامت الجماهير الهائجة، بقتله وسحله، ثم تعليقه على عمود إشارة المرور، وسط تكبير وتهليل وصفير وتصفيق، وتصوير وأخذ السيلفيات.
المنصورة مدينة مصرية، حدثت فيها قبل أيام، واقعة تغيير منكر جماعية، أبطالها حوالي مائة شاب، وضحيتها فتاة في العشرين من العمر، طالبة بمعهد للهندسة، كانت تسير في الشارع، تلبس لباسا قصيرا، فجأة بدأ الصفير والسب والشتم من طرف مجموعة من الشباب، بسبب لباسها، ثم تزايد عدد المنكرين لهذا المنكر، إلى أن تجمع عليها مايقارب المائة شخص، بعضهم يصرخ، وبعضهم يلوح ويهدد، وآخرون يحاولن نزع ثيابها، وآخرون يعبثون بمناطق حساسة من جسدها، مع كيل السباب ووصفها بالعاهرة والداعرة، وهلم جرا.
الذي يجمع بين الواقعتين، هو هذا السكر الجماعي، الذي يتحول معه الإنسان لوحش كاسر، تقوده عواطف وأحاسيس غريبة، يغيب فيها عقله وتفكيره، وتنمحي إنسانيته.
جماهير منتشية بالجريمة، فرحانة مستبشرة مهللة.
بل قد تجد لجريمتها من التبريرات الدينية والاجتماعية، الشيء الكثير.
تابعت شخصيا تعليقات، على حادثة فتاة المنصورة، تعتبر ذلك غيرة مجتمعية، ومؤشرا على ارتفاع وعي الشباب، ورفضهم للتبرج، وانخراطهم في تغيير المنكر، رغم محاولات مسخ الهوية ومكر الليل والنهار…
اعتبر آخرون أن قتل المحتجين على الحكومة العراقية، لطفل في السادسة عشر من العمر، هو تعبير عن ثبات وتماسك المحتجين، وعلامة على قوتهم، وعدم تسامحهم مع أي جهة تحاول نسف حراكهم….
تبريرات سخيفة ومريضة وتافهة، تعكس إلى أي هوة سحيقة، هوى فيها عقل أبناء هذه المنطقة العربية المنكوبة.
من داخل المنظومة الدينية والهوياتية، التي يحتج بها هؤلاء، أليس ماوقع فيه المتحرشون في المنصورة، أدهى وأمر؟
كيف ينكر شاب على فتاة لباسها، منطلقا من حكم ديني، وهو نفسه، لايلتزم باللباس كما حدده له نفس الحكم الديني؟
شباب بسراويل حازقة ضيقة واصفة، ينكرون على فتاة بلباس قصير؟
شباب يدخن يعلق تمائم يلبس سلسلة او قلادة ربما فيها رموز تخالف عقيدته، بحسب نفس النصوص التي يحاكم بها الفتاة، ومع ذلك ليس عنده أي مشكل، ان ينصب نفسه متحدثا باسم الله، وان يجعل من نفسه شيخا ومفتيا وآمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، لكن فقط مع الغير، مستثنيا نفسه.
مجموعة من المجرمين المرضى، ينكرون على فتاة لباسها منطلقين من نصوص تحرم التبرج، أو من ثقافة شعبية تمنع ذلك، لكنهم لايجدون حرجا في التحرش بها بكلام ساقط نابي، تمنعه نفس النصوص الشرعية، ونفس الثقافة الشعبية.
شباب يريدون من الفتاة أن تلتزم بأحكام الدين، وتقاليد وعادات وثقافة المجتمع، لكنهم لايجدون تعارضا في لمس مؤخرتها وصدرها، ومحاولة نزع تبانها، ومنهم من أنعظ ومنهم من قذف!!
في ساحة الوثبة، نخبة النخبة، خيرة شباب الأمة، من الرافضين للاستبداد والفساد، من المحتجين على الحكومة، الراغبين بتغيير حقيقي، الطامحين لغد أفضل، فجأة يتحولون لعصابة قتل، يتحولون لدواعش.
بين الوسطية والدعشنة، في منطقتنا العربية، خيط رفيع جدا، بين الرحمة والإنسانية والتطرف والهمجية، شعرة معاوية.
يمكن أن يدخل عنصر صغير جدا في المعادلة، عامل بسيط، لتتفاجأ بتحول الخطاب والسلوك، إلى نقيض ماكنت تعرف.
فجأة يتحول وسطك الذي تعيش فيه، إلى دواعش يريدون تطبيق أوامر الله عليك، أو أوامر المجتمع عليك، لايهم هل يلتزمونها هم أيضا، هل يطبقونها، هل يؤمنون بها أصلا، لايهم ذلك، المهم أنهم وجدوا فرصة ومبررا لممارسة السلطة، والانتشاء بتطبيق شرع اليد، والتلذذ بذلك، حتى لو كان على إنسان ضعيف الحيلة، مهيض الجناح، حتى لو كان على أضعف المخلوقات، لايهم.
جرعة الادرنالين ترتفع، حوافز التدعشن تنشط، وفق ميكانيزمات وعمليات تفكير وتأثر وانفعال، تراكمت في عقولنا منذ قرون، ودون مقدمات يتحول الإنسان الوديع البسيط، إلى وحش ينظر للتطرف في أقصى تجلياته، فيصدر أحكاما بالإخراج من الملة وبالخروج على الجماعة، تليها أحكام بالعقوبة المستحقة، ثم يمر للتنفيذ.
تخلف وجهل وهيجان، وعقلية قطيعية، وأمراض مستعصية، وتناقضات صارخة، وأزمة عقل وتفكير واستدلال، وانفصام نكد بين الخطاب والتطبيق والشعار والممارسة والنص والواقع…
نحتاج للكثير من النقد والنقض والهدم والتقويم وإعادة البناء والتمرين، لكي نستطيع ترميم عقولنا الخربة، الأشبه بأحياء السكن العشوائي ودور الصفيح.
جاري النشر… شكرا على التعليق, سيتم النشر بعد المراجعة خطأ في إرسال التعليق المرجو إعادة المحاولة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.