تعتبر دار الأيتام المكان الأمثل والآمن لرعاية الأطفال اليتامى، والفئات الاجتماعية الأخرى ذات الظروف الخاصة من مجهولي الأبوين. حيث تهتم بهم، وتحرص على توفير متطلباتهم و حاجياتهم وتربيتهم، لكن المشكلة تكمل في ما يعانيه أبناء دور الأيتام، عندما يخرجون للحياة بعد بلوغهم سن الرشد أو إنتهائهم من التعلم، ليدخلوا مرحلة جديدة لا تختلف معاناتها عما قبلها. وبالتالي كيف يعيش المتخلى عنه واليتامى ساعة حلول موعد التخلي ؟ ومن أين لهم بالسكن وهم فئة ضعيفة لا يملكون وظائف تساعدهم على الحياة ؟ إن مشكلة أبناء ذوي الظروف الخاصة هي السكن والوظيفة وهم البنيتان الأساسيتان لإستمرار الحياة الكريمة كما أن طريقة التعامل مع الأيتام خاصة فوق 18سنة تثير القلق. تخيل معي أن يقول لك أبوك: “يابني أنت الآن كبرت فاخرج من بيتي وإعتمد على نفسك ودبر أمورك”. تخيل معي أن تكون نائماً فإذا الباب يطرق ويطلب منك أشخاص الخروج من دار الأيتام والتي هي المأوى الوحيد الذي كان يحتضنك ًوكأنك طفل ينتزع من أحضان أمه. فتصبح أمام خيارين الشرطة أو كتابة تعهد بالخروج. وهنا فتاة من أحد دور الأيتام تريد البوح لكم عن بعض الأشياء وتختفي : إسمي حليمة بدون إسم عائلي؛ فتاة تم التخلي عنها، بعد حصولي على شهادة البكالوريا وبلوغي السن القانونية، توجب علي مغادرة دار اﻷيتام أو بمعني اخر منزل طفولتي… غادرت الملجأ ولا أحمل معي إلا دراهم معدودة ولا أعلم عن العالم الخارجي إلا القليل ولا أدري أين سترميني الأقدار ،ومن هنا ستبدأ مأساتي وحياتي الجديدة …. قضيت ليلتها أتجول الشوارع وأرتعش من شدة البرد بين المتشردين و قطاع الطرق، وكما توقعت تعرضت للسّرقة والضرب بأبشع الطرق حتى أغمي علي…ولم أسيقظ إلا وأنا على السرير في المستشفى و دموعي الحارة على خدودي البريئة. أين سأذهب ؟أ أتصل بأمي أم أبي؟! فأنا لا أعرف عن ولادتي سوى أنني وجدت بين أزقة الشوارع بغطاء أصفر كما أخبرتني المديرة … حينها إستوعبت جيدا أنني وحيدة لدرجة الإنتحار ، تمالكت نفسي وغادرت المستشفى وانا لا أعرف إلي أين المفر. شهادة البكالوريا لا تساوي شيئا وخصوصا في وضعي الراهن… رفعت كفي لله وشكوت له همومي ومسحت دموعي، وقصدت أول مقهى أبحث عن عمل. ولأني فتاة محتجبة كان الأمر جد صعب لقبولي كنادلة، لكن مع الإلحاح ورغبتي الشديدة في العمل، حكيت له وضعي فكلفني بغسل الأواني. وصارت المقهي ملجئي، أعمل بالنهار وفي الليل أتوسد الكراسي وانام دون غطاء … لكن الأمر لم ينتهي هنا …كنت أتعرض كثيرا للمضايقة من صاحب المقهى ومع ذلك كنت أحاول تفاديه بكل ما استعطت من قوتي الضعيفة، إلى أن جاء اليوم الذي زاد الشيئ عن حده وحاول الإعتداء علي ولم يفلح في ذلك …. تمكنت من الفرار في منتصف الليل قاصدة المخفر .. أخدو اقوالي وتم إستدعائه، ولأنني لا املك لا مال ولا سلطة تم طردي بحكم أنني أنا من تحرشت به، هكذا قالها لي ذاك الشرطي … وفي الأخير ماذا حصل سجنت بتهمة محاولة سرقة المقهى … دون أم ولا مأوى ومن منزل طفولتي إلى السجن ظلما ،ورغم مأساتي كنت دائما أردد تلك العبارة التي تروي عطشي: القادم أجمل بإذن الله … كنت أعاني كثيرا وسط ذلك السجن… كل يوم أنام على قصة واحدة منهما حتي ادركت جيدا حقارة هذا المجتمع … بعد خروجي من السجن ذهبت إلى صديقتي التي كانت تزورني وأنا سجينة ،التي تعرضت لنفس الأمر لكن بطريقة أخرى؛ إختارت أن تترنح بين المقاهي الليلية ومن سيارة إلى أخرى أي حياة الرفاهية كما قالت ،تُغيّر مظهرها بين ليلة وضحاها، زيادة على ذلك تملك سيارة و شقّة أو بالأحرى شقة للدعارة. وكما توقعت عرضت عليّ مرافقتها للمقاهي ،لأن لي صوتا رائعا في الغناء و سأصبح فنانة كما قالت وسيتغير وضعي للأحسن … صمت قليلا وأجبتها ماذا عساي ان أخبر ربي حين ألقاه .. إعترضت رغم إلحاحها … وطلبت منها منحي بعض النقود لأكتري بيتا ،ريثما أجد عملا وسأسدد ديني … كنت أبحث يوميا على لقمة الحلال .. أذهب باكرا ولا أعود إلا عند غروب الشمس وقدماي تؤلمني من شدة التعب … كنت كثيرا ما أفقد الأمل وأحاول قبول عرض صديقتي. وهذه الحالة ذاتها تبقى إشكالية، حيث تحمل معها تحدي الانطلاق من النظر إلى إعادة جدولة خروجهم من دور الأيتام؛ أي تحتاج الى دراسة وخطط جديدة مسقبلية تعود بالنفع على هذه الفئات، من ضمان مستقبلهم بعد خروجهم من دار الأيتام بتأمين سكن لهم من مشروع حكومي. ولا شك أن نقول كلمة حق، حيث تجتهد مؤسسات الرعاية الاجتماعية للأطفال في وضعية صعبة في البحث عن فرص إدماج اليتيم أو المتخلى عنه في فرص للتكوين الحرفي أو المهني أو في تمكينه من فرص شغل لضمان استقلاليته المالية، عبر توظيف العلاقات الخاصة وطلبات التضامن مع هذه الفئة أو الاجتهاد في إبرام شراكة مع مؤسسات ومقاولات إقتصادية. رغم الجهود المبدولة من طرف مؤسسات الرعاية الإجتماعية لا زالت هناك بعض التحديات التي تواجه هذه المؤسسات من إكراهات في التسيير والتدبير لأمور مرتبطة بضعف مواردها المالية، وصعوبات تحصيلها، وعدم توفرها على إمكانات تشغيل متخصصين في الطب والدعم النفسي والتنمية الذاتية، ناهيك عن غياب قانون خاص بالعاملين الاجتماعيين داخلها، بما يضمن حقوقهم ويحفزهم على عطاء أفضل. هؤلاء الأيتام فعلا يحتاجون مد يد العون لهم والوقف بجانبهم، فنحن جميعا عائلة لهم ولا ذنب لهم فيما فرض عليهم القدر وينبغي أن نكون معهم الى أخر المطاف، حتى لا يسلكو الطرق السيئة ؛ وبذلك يصبح الجميع ملام لصدهم لهم. لهذا أملنا كبير بعد الله سبحانه وتعالى بقائد هذه الأمة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله والحكومة بمختلف أجهزتها في إيجاد مزيد من الحلول في انتشال هذه الفئة من الضياع وأن نصنع لهم مستقبلاً أفضل.