يندرج مفهوم “المجتمع المدني” ضمن شبكة مفاهيمية متشعبة، لكونه يرتبط بمجموعة من المفاهيم من بينها التنمية. فلا شك أن إقامة بيئة سليمة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية تقتضي آليات تساهم في ترشيد الدولة لتدبير الشأن العام وفق مبادئ ديمقراطية، ترتكز على المساءلة ودولة الحق والقانون. وهو الأمر الذي يعني الجمع بين الرقابة من الأعلى(الدولة)، والرقابة من الأسفل التي تتمثل في “المجتمع المدني”. حيث يقوم المفهوم على مبادئ أساسية، أهمها المشاركة وثقافة المحاسبة. بعد الحرب الكونية الثانية بدأ استعمال مفهوم التنمية بقوة في الخمسينات من القرن الماضي ستأخذ إشكالية التنمية مفهوما أكثر اشتباكا مع مفاهيم أخرى. وأصبح مفهومي التنمية والتخلف متكاملين، ويحددان بعضهما البعض، فالتنمية تحيل على خطوات تاريخية للخروج من التخلف، في حين يشكل التخلف الحالة التي فيها حاجيات الإنسان، الاقتصادية والاجتماعية الأساسية هي : التغذية والصحة والتعليم…. وكما أشرنا ، كان مفهوم التنمية متداخلا مع مفاهيم أخرى كالتحديث والنمو والتقدم وهي مفاهيم يمكن أن نفسر بها “التغير الاجتماعي” وعلميا يفسر مفهوم التنمية من منظورين: الاقتصاد وعلم الاجتماع أكثر من غيرهما،ذلك أن الإنسان يخضع – إلى جانب المتغيرات الاجتماعية والثقافية – لمعتقدات وتقاليد وبالتالي يكون بحاجة إلى تغيرات سيكولوجية وثقافية لتهيئة الظروف لتحقيق التنمية. وإذا كانت التنمية هي عملية أو سلسلة تدبيرية تمكن الشعوب من زيادة ثروتها بشكل دائم،وتوزيع تلك الثروة بين المواطنين بإنصاف. لكن هذا المفهوم سيعرف تحولا متأثرا بالتحولات السياسية العالمية في ظل العولمة.وهكذا أصبح العديد من الباحثين ينظرون إلى التنمية منظورا شموليا ،إذ لم يعد تعريفها مرتبطا بمعدل الدخل الوطني أو الفردي ،أو مراكمة الثروة والتقدم التقني . وبالتالي فهي عملية معقدة ومستمرة في الزمان،هدفها الأساسي هو تنمية الانسان في كل أبعاده الأساسية من توفير الحاجيات الأساسية (الغذاء ،السكن ،الصحة،التعليم….) وتحقيق الرفاهية في بيئة تسودها الديمقراطية والعدالة الاجتماعية واحترام حقوق الانسان.وانطلاقا من توفر الثروات الطبيعية ،الصناعية والتقدم العلمي. فهل يساهم الفاعل المدني في تحقيق التنمية؟ إن الفاعل المدني ينجز أهدافا مهمة في التنمية ،لكن يظل ذلك الانجاز محدودا بالنظر إلى حجم التحديات التي يصطدم بها.ذلك أن القضايا الاجتماعية الكبرى تتطلب إمكانيات ضخمة ،الأمر الذي يفتقد إليه الفاعل المدني ببلادنا،ومع ذلك يحقق نجاحات مهمة في المجالات الثقافية والميادين التي تتطلب التعبئة. إن الترسانة القانونية وما واكبها من انتشار واسع للجمعيات ،إضافة إلى ماحققه العمل الجمعوي رغم الاكراهات القانونية،والسياسية،كل ذلك يشكل إضافة كمية ونوعية للتراكم المحقق في مجال تكوين وتطوير مؤسسات “المجتمع المدني” بالشكل الذي يسهم في إرساء القواعد الأساسية للدولة الوطنية الديمقراطية ومطلبا تنمويا في مجتمع تسوده الأمية وشتى مظاهر الفقر وفشل واضح لمشروع تنموي متكامل.