لقد استطاعت الدبلوماسية المغربية إثبات كفاءتها في عدة مرات في عدد من الملفات أبرزها ملف الصحراء. غير أن هذه المعطيات لا يجب أن تحجب الجوانب التي تبدو ظاهريا بسيطة لكنها في الواقع قاتلة وكارثية.. سنتحدث عن إصرار ديبلوماسيتنا على تقديم نفسها للعالم في مشهد مأساوي مسيء لصورة المغرب، ذلك البلد الذي يرجع تاريخ نشأته إلى ثلاثة آلاف عام، الذي أسسه وسكنه لأول مرة الفينيقيون مبدعوا الدبلوماسية الأوائل الذين حملوا الحضارة واللغة والتجارة إلى العالم.. ديبلوماسيتنا تصر على تقديم نفسها كتابع لباريس، وفي كل مرة يرتكب وزراء خارجيتنا ذلك الخطأ القاتل المهين لكرامة هذا الشعب وهذا الوطن الذي تأسس قبل أن يبرز إلى الوجود شيء اسمه فرنسا ب 2600 عام. نتساءل كيف يقبل على نفسه، وزير خارجية دولة ذات تاريخ وعراقة وأمجاد ولغة عظيمة، كالمملكة المغربية، ان يستبدل لغة هي وعاء البلاغة والإبداع والاصالة والجمالية، ليتحدث في الأممالمتحدة أو في مؤتمر صحفي بلغة بلد تأسس قبل 400 سنة تاريخه عدم، لغته لا قيمة لها حتى في بلدان الجوار الفرنسي. الواقعة المخزية، المؤتمر الصحفي الذي جمع وزير خارجية الملكة المغربية السيد ناصر بوريطة بنظيره الإيطالي، على هامش توقيع اتفاقية تشكل، بالتأكيد، خطوة نحو مزيد من التحرر من فرنسا ونظامها الاقتصادي السياسي الاستغلالي، حيث في الوقت الذي اختار الوزير الإيطالي التحدث بلغة بلده، اللغة الإيطالية، وهو أكيد يتقن الإنكليزية ويعرف في الفرنسية، فقد سلك وزير خارجية المغرب الطريق السيء، باختياره الحديث بلغة فرنسا، على الرغم من توفر مترجمين. رغم انه كان من الممكن أن يستعمل لغة الدبلوماسية العالمية، اللغة الانكليزية، طبعا إذا اقتضت الظروف. نتابع في الإعلام كيف يصر بشار الجعفري مندوب سوريا في الأممالمتحدة على الحديث بلغة عربية، وبمستوى فصيح وحرص شديد على استعمال البلاغة اللغوية، وتقديم نفسه كمثقف أكثر منه سياسي، ثم دبلوماسي مدافع عن بلده وطروحات حكومته، بلغة بلده الرسمية، وهكذا يظهر بكاريزما افتقدتها الدبلوماسية المغربية بعد وزير الخارجية الأسبق محمد بن عيسى، ثم ليظهر أمام المنتظم الدولي والاعلام العالمي متمكنا من لغة بلده حاملة ثقافته وحضارته وتاريخه، هذا فيما يتشبث دبلوماسيوا بلدنا بإظهار المغرب كأنه منفصل عن تاريخه وحضارته، كما لو أن تاريخه يبدأ مع الانتداب الفرنسي الاستعماري بعد 1912. هل المسؤول الدبلوماسي في المغرب، والذي يفترض أنه يمثل بلدا عريقا بحضارته وتراثه وتاريخه، يحق له أن يفتخر بلغة بلد يقع في قارة أخرى، لا يربطنا به حتى جوار أو حدود، بدل أن يعلي مقام لغة بلده وأحد رموز سيادته كما سبق أن أُشير في حكم قضائي حكم ضد إقصاء اللغة الرسمية من الوثائق؟ ولماذا لا يمرن هؤلاء أنفسهم على التفاخر بلغة وطنهم، كلما توفرت آلية الترجمة، من خلال الحديث بها في اللقاءات والمنتظمات والمؤتمرات الخارجية، كما يفعل نظراؤهم السوريون، ومن خلال اتقانها وتجويد التعبير بها وتدريب أنفسهم على استعمال الفصاحة، والجمل غير المكررة والمملة. إن التشظي اللغوي في المملكة المغربية، هو صورة انعكاسية لحالة التشظي السياسي التي تقود البلاد نحو المجهول. لهذا يجب تبني استراتيجية وتصورات ترفع من شأن الثقافة العربية المغربية في أوساط الدبلوماسية، واتخاذ اللغة لواء لهيبة الدولة والوطن خارجيا ورمزا إشعاعيا لحضارته العريقة، ومعنى من أسمى المعاني لاستقلاليته وسيادته بين باقي الأمم.