ما ان يعلن الانسان انتماءه الى الاسلام طواعية لا مكرها -* لا اكراه في الدين*- تلغى وتنعدم حريته الفردية والجماعية، ويصبح خاضعا خضوعا تاما لمن آمن به وملزما بان لا يحيد عما امره به. آنذاك يكون قد حقق شرطا من شروط لا إله الا الله والتي من بينها الخضوع والانقياد مصداقا لقوله تعالى: (161) قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163). وبالتالي فالمسلم لا يتصرف في وديعة الجسم والحرية وغيرها الا بما يرضي الوادع. من خلال هذا التبيان يتضح ان المسلم لا يحق له تبني مواقف او أيديولوجيات تعارض وتناقض دينه وشريعته. وبالتالي فأدعياء الحداثة والتحرر المنادون بإحلال ما حرم الله من فعل الزنا والقبول بالرذيلة في المجتمع هم على نقيض ما يؤمنون به ان كانوا مسلمين قولا وفعلا. ومن أجمل الردود عليهم نسوق موقف الراحل الحسن الثاني رحمه الله من الحداثة حيث جاء في كتابه "ذاكرة ملك": "إذا كان المقصود بالحداثة، القضاء على مفهوم الأسرة، وعلى روح الواجب إزاء الأسرة، والسماح بالمعاشرة الحرة بين الرجل والمرأة والإباحية عن طريق اللباس، مما يخدش مشاعر الناس.. إذا كان هذا هو المقصود بالحداثة، فإني أفضل أن يعتبر المغرب بلدا يعيش في عهد القرون الوسطى على أن يكون حديثا". فموقف الاسلام من هذه الامر واضح بين لكل ذي بصيرة كما جاء في قول تعالى:* إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19)* وكما جاء أيضا على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال : (لم تظهر الفاحشة في قوم قطُّ حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا)، فحذّر النبي – صلى الله عليه وسلم – أمته من خطر ارتكاب الفاحشة وإظهارها والتمادي فيها، والمنادون اليوم بتحرير هذه الامور وتسميتها مسميات من قبيل العلاقات الرضائية او الحريات الجنسية وغيرها من المسميات ما انزل الله بها من سلطان، محاولين بذلك افراغ المصطلح القرآني من حمولته القوية والزجرية اتجاه كل من يحاول القيام بهذه الفواحش. والخطير في الامر ان من يدعون الإصلاح أصبحوا يتعاطون مع هذه المصطلحات الدخيلة ويطبعون معها ويساهمون في اعادة تدويرها ورسكلتها مما يطيل في عمرها ويساهم في ترسيخها. وأول علاج لهذا النقاش تسمية الأشياء بمسمياتها الشرعية. وأما المدلس على الناس بان هذه الأمور هي علاقات رضائية كانت موجودة على مر التاريخ الإسلامي، فنقول له أولا، أن هذه العلاقات الرضائية تسمى زنا وكبائر وسيظل يتعاطها الانسان الى ان يرث الله الأرض ومن عليها. أما المسالة الثانية، فلم نسمع على مر التاريخ ان من وقع في هذه المعاصي انهم طالبوا بتحريرها والسماح بها واظهارها الا من الكفار والفساق. والاصل في ذلك الرجوع والتوبة لا المجاهرة بها والمطالبة بممارستها، فمن ابتلي فليسر على نفسه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلُّ أُمَّتي معافًى إلا المجاهرين…». عوض ان يناضل هؤلاء الناس -والذين في غالبيتهم قد تكون لهم سقطات اخلاقية- ضد ما تقوم به الدولة من انتهاك خصوصياتهم وتتبعهم والتربص بهم من اجل تصفية حساباتها معهم، يتم الالتفاف على هذا الوضع ومواجهة الحائط القصير الا وهو الاسلام الذي من روحه ومن اوامره النهي عن تتبع عورات الناس والتشهير بهم. بل امر بالستر عليهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: … ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة*. وعسر أيضا في قضية شهادة الزنا، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ولم يثبت الزنا بطريق الشهادة من فجر الإسلام إلى وقته، وإنما ثبت بطريق الإقرار؛ لأن الشهادة صعبة *. والشواهد في هذا الباب كثيرة. بقي على المؤسسات الدعوية رسمية وغير رسمية أن تخرج من دائرة الاعتبارات وان لا تستفرغ من فعلها الدعوي. وأن تستوعب على أن دورها الأصلي والاساسي هو أن تبين للناس خطورة هذه الدعوات وترشدهم طريق العفاف بتكثيف الحملات الدعوية ومقاومة الاعلام الفاسد المميع والمميع. وكذا العمل على تنزيل برامج عملية مع الوزارات المعنية تهدف حفظ الفرد وتماسك الاسرة وسلامة المجتمع.