لحظة ايها الوزير، أما اشتقت أنت أيضا الى المدرسة العمومية؟ كلما مررت بشارع او بحي جديد ولمحت الوانا زاهية نظرت فوجدت مدرسة خصوصية ،يتلون وجهي غضبا فأتذكر مدرستي العمومية، كانت مدرسة في مكان تحيط به أشجار من نوع الصنوبر التي لم أعلم فائدتها الا عندما كبرت فوجدت الجواب أن من خطط بنائها وعمرانها ايقن انه لن يدعها الا وقد كساها برداء يكسر قوة الرياح ويقيها من شدة البرد. كانت مدرسة كبيرة تحتوي على مجموعة من الفصول تتوسطها ساحة كبيرة لتسع جميع التلاميذ والغريب في الأمر، من يدير هذه المدرسة؟ إنه لم يكن هنالك طاقم كبير لإدارتها، فقط رجل يهابه التلاميذ والمعلمين على حد سواء. انه المدير بكل بساطة. كلما دققت النظر في كيفية بناء المدرسة الخصوصية وجدتها بدون استثناء بناء ملونا بدون ساحة وبدون شجر ،لا نبات أخضر ولا يابس .تذكرت مدرستي العمومية التي لم تحمل ألوانا الا ألوان جدران حيطانها الطبيعية وأشجارا ونباتات خضراء زاهية ،لم يكن لديها سياج ولا حائط ولا كاميرات تحرسها الا حارسا بسيطا تكفيه اشارة بسيطة لتحذيرك بالابتعاد عن حرم المدرسة جريا بأقصى سرعة. قداسة المكان تبعث في نفوسنا خوفا كبيرا كلما مررنا بجانبها ولم نسمع أو نشهد يوما أن سرق منها أي شيء سوى كسر زجاج إحدى نوافذها أحيانا. كان بناؤها من حجر صلد مكسو بقرميد أحمر ونوافذ و أبواب الفصول منفتحة واسعة على ساحتها الفسيحة التي نمارس فيه فن الجري أثناء فترات الاستراحة .كلما تذكرت مدرستي هذه يحز في نفسي أمر اني اغتصبت بذلك طفولة أبنائي بإيداعهم سجنا بلا روح والأمر من ذلك اني أدفع الرسوم مقابل ذلك. كلما انقضت العطلة الصيفية التي تأخذ وقتا زائدا عن اللازم لكون أننا امة عمل ولايليق بها ان تهدر الزمن . يعلن الدخول المدرسي الجديد، اتنقل ككل مرة لإعادة تسجيل ابنائي فأستغل الفرصة للسؤال كالعادة عن جديد السنة لعلي أحصل على جواب أننا أتينا ببرنامج علمي تربوي جديد. فأحصل على جواب أنك ستفاجئ . فعلا انها الزيادة في الرسوم تحت دريعة ان المدرسة استقدمت أساتذة وأطر جدد ولنا نحن ان نتحمل عبء ذلك. طبعا ،كيف لصاحب مشروع المدرسة أن يحافظ على هامش ربح مقاولته الخصوصية ان لم ندفع نحن؟ فيشتد غضبي ويزيد حنيني واشتياقي الى مدرستي العمومية. كلما انقضت ايام الشهر أتنقل كالعادة الى مدرسة ابنائي الخصوصية وهو أمر مفروض لاخيار فيه، أصعد الدرج لألج مكتب استخلاص واجبات رسوم الدراسة ، أتذكر أبي باعتباره المعيل للعائلة، ذلك الرجل البناء البسيط الذي لم يلج قط مدرستي العمومية كما أفعل الآن حيث يمر بجانبها يوميا ولسنوات ، فلم يكلف نفسه العناء يوما ليرافقني رغم أن المدرسة كانت قريبة الى منزلنا وكانت منطقة حرة كلها ابواب تدخلها من اي واحدة شئت، اتذكر ان أبي وامي الأميين البسيطين لم يشغلا ذهنيهما يوما أمر دراستي الا بداية العام. ولم تشغلهما حمايتي ولا مرافقي ولا أمر أكلي الذي سأحمله الى المدرسة لأننا لم نكن نحمل أكلا قط الى المدرسة. كنا نتلذذ حلاوة الأكل الساخن في بيوتنا. أحن الى مدرستي العمومية التي كانت تقدم لنا غذاء الروح والأدب بمجانية. تذكرت مدرستي العمومية كلما أطل علينا اختصاصي ليذكرنا بالابتعاد عن مواد استهلاكية مسرطنة وومباشرة ألقي باللوم الكثير على هذا الاختصاصي كيف يغفل عن أمر في غاية الأهمية ولا يدرج على قائمة المواد المسرطنة المدرسة الخصوصية . وكيف له أن ينسى أننا نأخذها جرعة سرطانية؟ كلما مرت بي سيارتي نهارا بالقرب من مدرسة بعثة أجنبية، و بالقرب بإحدى ثانويات التعليم العمومي ليلا ، أجد على غير العادة عددا مهولا من السيارات ينتظر في صفوف غير منتظمة خروج فلذات الاكباد الذين ابتلعهم وهم الخصوصية، فلا تجد جوابا لذلك إلا موضة دروس البعثة الأجنبية. فأتذكر قوة ووطنية مدرستي العمومية. احن الى مدرستي العمومية كلما تذكرت انا كنا ابناء الفقراء والاغنياء ،خاصة الناس وعامتهم في فصل واحد، فتجد بن القائد يتقاسم الطاولة الخشبية مع ابن الاسكافي بدون ادنى ذرة حساسية وكان المعلم معلما اذ يطال عوده الكل بدون تفرقة ولا اكتراث لمقام الحسب أو النسب. كانت فعلا مقولة كن ابن شئت واكتسب ادبا يغنيك محموده عن النسب تسود مدرستي العمومية الشعبية الديموقراطية العادلة. تذكرت المدرسة الخصوصية كلما نظرت الى انسان يدبر أمر العامة و يدير شؤونها ويتحدث لغة ويسن سياسة غير مفهومة لا تكون لها صلة بواقع حال المجتمع من فئات واختلافات وفوارق وتباينات. حيث يبدو في فعله كالراقصة التي ترقص للأعمى. لاهو مستمتع بتموجات جسدها ولاهي منتشية بتعبير ملامحه لإعجابه بجسمها وبرقصها. تذكرت حينئذ الرجال الأجداد من البسطاء الذين رووا الأرض بالعلم و بالدماء الزكية خريجي المدرسة العمومية. نعم كيف لمن لم يجالس ولم يلاعب ولم يحاور في طفولته بائع الاكياس البلاستيكية في الاسواق الاسبوعية و بائع النعناع والقزبر والمعدنوس و ابن الاسكافي وابن البناء وابن الفلاح وابن النادل الذي يطوف بمقراج الشاي يناول الكؤوس لبائعي الخضر وابن ماسح الأحذية وابن ذلك الشخص الذي يهيء الأخشاب لفرن الخبز والحمام الشعبي و ابن بائع الثوم والفلفل الحار والليمون الحامض و ابن بائغ الخردة وابن صاحب الحمار و العربة الصغيرة التي تنقل قفف الخضراوات للمتسوقين من السوق الى بيوتهم مقابل دريهمات، أن يفهم لغة هؤلاء وارهاساتهم وتطلعاتهم ومعاناتهم وفهم وتحسس ما يفرحهم وما يقرحهم. عجبا لهؤلاء كيف لهم ان يطالبوا هذا الانسان أو من أمثاله ان يفهموا لغتهم .ألتمس العذر لهؤلاء ،كيف لهم فعل ذلك وهم لا يعلمون أن هذه الفئة موجودة فعلا في الواقع وانها جزء من هذا المجتمع تقوم بدورها رغم بساطتها. انها يا سادة ثمار المدرسة الخصوصية والثانوية الخصوصية والجامعة الخصوصية والمدرسة العليا الخصوصية التي تجمع بين فئات خصوصية. لا أجد قولا الا ان أقول اشتقت الى مدرستي العمومية التي أنجبت الحنكة السياسية و السنابل التي تنحني تواضعا بثقل رؤوسها علما وأدبا . ما ذا عسانا أن نقول؟ للتعليم في المدارس الخصوصية الذي أصبح موضة وماركة يا ليتها كانت علمية وعالمية ،يتهافت عليها الناس في بلدنا هذا ويتباهى بها في المجالس و الصالونات، وأصبح الهدف من بناء المدارس الخصوصية أيضا النفعية والاغتناء والربح السريع ، إذ تستثمر فيه رؤوس أموال ضخمة التي من المفروض أن توجه الى مجالات الإنتاج التكنلوجي والصناعي والفكري في الوقت الذي يحتاج فيه المغرب الى تعليم عمومي مجاني يفرز مجتمعا قويا ومنسجما ومتناسقا. نهاية، يطلب القلم مني ان أزيده من أفكاري لكن اكتفي بهذا وأرغمه على الانتهاء فورا من الكتابة رغم أنه مصر و يعلم أن بداخلي هناك المزيد لكن اسقطه مغمى عليه فوق مكتبي بقول ان التوجه الحالي في سياسة التعليم ستكون نتيجته لا محال مغربين: مغرب خصوصي ومغرب عمومي.