1 – مضى أكثر من ستة عقود على استقلال بلادنا وما زلنا ننتظر قيام إصلاح شامل لسياستنا ومنظومتنا التربوية لإنقاذها من السكتة المميتة،مضى كل هذا الزمن ولا حكومة قوية قادرة فاعلة مسؤولة استطاعت إحداث تغيير في المجتمع والمؤسسة والإنسان، آو إحداث ثورة ثقافية لصالح أطفالنا وشبابنا قصد إدماجهم في مجتمع المعرفة والحداثة . 2 – مضى زمن طويل ونحن ما نزال نرسف في أغلال من التجارب الفاشلة ، التي تشكل بالنسبة إلينا عقدة مرضية تحول بيننا وبين ملاحقة ركب الحداثة ، والإصلاح ليس مجرد نظريات قابلة للانتقاء وليس ممارسة عمياء تعتمد التجريب ومبدأ المحاولة والخطاء . 3 – الآن يمضى الزمن سريعا ونحن لا نزال نسير في درب التجارب السالفة على ارتياد آفاق التطوير عن طريق التقارير التي ترفعها لجان الوزارة أو المجالس والهيئات الوطنية وكذا المنظمات الدولية ذات التوجهات الاقتصادية العالمية ومنها البنوك والصناديق العالمية ….وهكذا تتراكم التجارب الفاشلة دون أن يكون بينها رابط .. غير تنفيذ الاملاءات ؟؟؟ وبشكل صادم جاءنا تقرير البنك الدولي في شتنبر 1995 فعرى ما كان مخفيا و أفشى ما كان محظورا في العديد من القطاعات الحيوية عندنا كالتعليم و الإدارة والاقتصاد واستتبعه خطاب الملك الراحل الحسن الثاني في افتتاح الدورة البرلمانية.. ( لقد قرانا هذه التقارير فوجدنا فيها فصاحة موجعة وأرقاما في الحقيقة مؤلمة ومقاربات تجعل كل ذي ضمير لا ينام ) جاء تشخيص البنك الدولي ووضع الأصبع على أهم اختلالات المنظومة وكان إنذارا قويا دفع أصحاب القرار عندنا إلى أن يقوموا بمراجعة كل السياسات التعليمية الخاطئة والبرامج التربوية الفاشلة ومنها : ضعف تغطية الجماعات القروية بالبنيات التربوية الأساسية وضعف الميزانيات المرصودة لها في برامج محو الأمية والتربية غير النظامية . ضعف انخراط الفاعلين المحليين في دعم برامج التربية والتكوين . الانعكاسات السلبية للخصاص من المدرسين ، ومنها ( تقليص البنيات التربوية – الأقسام المكتظة – حذف التفويج – اللجوء للساعات الإضافية …) الانعكاسات السلبية للخصاص في الأطر الإدارية واطر الدعم التربوي وتأثير ذلك على : ( التنشيط – النظافة – الصيانة – المختبرات – المكتبات – الحراسة – …) تغليب ثقافة التنميط والتنفيذ على التجديد والابتكار والمبادرة . وجود اختلالات كبرى على مستوى المناهج التعليمية والتقويم المدرسي ونظام الامتحانات والتوجيه التربوي….. عدم تحسين الأوضاع المادية والاجتماعية لأطر قطاع التربية والتكوين ، وغياب سياسة واضحة لتنمية الموارد البشرية والارتقاء بالمهارات و الكفايات . هذه الاختلالات السالفة الذكر ما هي إلا أعراض لإشكاليات أعمق تحتاج لسياسات تعليمية تدرك العلائق العضوية الموجودة بين التنمية الاقتصادية وسياسة التمدرس و تعير الاعتبار للفاعل التربوي وهو المدرس لأنه عماد كل إصلاح وتنمية و تأهيل تربوي . وحتى يتمكن المدرسون من تأدية هذه الرسالة النبيلة ويواصلوا جهودهم فإنهم يحتاجون إلى دعم ايجابي من جانب الدولة والمجتمع وينبغي أن يشركوا إشراكا كاملا في القرارات التي تتخذ بشان إصلاح التعليم ، وعندئذ يمكنهم أن يساعدوا في تهيئة بيئات تعلم منصفة يرتاح لها المتعلم فيندمج بشكل سهل ويتفاعل ايجابيا مع محيطه . لذا أوصت المنظمات العالمية كمنظمة العمل الدولية بشان أوضاع هيئات التدريس بتحسين ألأوضاع المادية للمدرسين ورفع روحهم المعنوية وإعلاء شان مهنة التدريس ، وتلك هي الطريقة المثلى للتعبير عن تأييدها ومؤازرتها للمدرسين الذين سيظلون القلب النابض للنظام التعليمي . ولتقدير هذا الدور ألطلائعي للمدرس تحتفل الأسرة الأممية التعليمية في اليوم الخامس من شهر أكتوبر من كل سنة باليوم العالمي للمدرس تعرب فيه الجمعيات والمنظمات العالمية كاليونسكو ومنظمة العمل الدولية وبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي ومنظمة اليونيسيف والنقابات العمالية …كلها تعرب عن إجلالها وتقديرها واعترافها بالدور الذي ينهض به المدرس في تطور المجتمعات عبر تربية وتكوين الإنسان كمواطن فاعل في الجماعة والمجتمع, وفي تحقيق أهداف التنمية البشرية المستدامة . لذا تدعو هذه المنظمات العالمية إلى تجديد الالتزام بحماية وصيانة حقوق المدرسين وتحسين أوضاعهم المادية و الاجتماعية والصحية مع إعلاء شان مهنة التدريس . وكباقي بلدان العالم لا يمكننا إلا أن نشيد في مغربنا بدور نساء و رجال التعليم الذين قدموا تضحيات غالية عبر تاريخ المسيرة التربوية لتحرير كل الأفراد والمواطنين وكل المغاربة من الفقر الثقافي , حرروهم من الجهل والأمية الفكرية والانغلاق , استشعارا للأهمية القصوى للتعليم في تحرير العقل وترسيخ روح المواطنة لدى ناشئتنا . لقد سبق لجان جاك روسو أن قال بان أي إصلاح للمجتمع ولمؤسساته الاجتماعية ينبغي أن ينطلق من إصلاح نظام التربية , فالعالم الجديد الذي نود بناءه هو في حاجة إلى إنسان جديد ولاشك أن المدرسة هي السبيل لإنتاج هذا الإنسان الجديد ليكون وسيلة للتطور والتغيير. لذا فإن اصلاح المجتمع مرهون بإصلاح المؤسسة التربوية ، وإصلاح المؤسسة مقترن بإصلاح المنظومة التربوية و الأخير لا يمكنه أن يتحقق على ارض الواقع و بالأهداف المتوخاة منه إلا إذا كان مرهونا ومصحوبا ومتضمنا لإصلاح آخر وهو إصلاح وضعية المدرسين وكل الأطر العاملة بميدان التربية والتكوين وهنا مربط الفرس في عملية الإصلاح الشامل . إن إصلاح المنظومة التربوية من مناهج وبرامج ومقررات وإرساء أسس المدرسة الجديدة يحتاج إلى اطر تربوية وإدارية وتوجيهية لتحقيق الأهداف المسطرة والمرجوة ، لكن هذه الأطر إذا لم تنصف وتتبوأ المكانة اللائقة بها في المجتمع ، فان كل شعار للإصلاح يرفع بدون استحضار و اعتبار هذه المسالة يبقى حبرا على ورق . إن رد الاعتبار للمدرسين ولمهنة التدريس هو حجر الزاوية في كل سياسة تنموية وهذا ما جعل منظمة اليونسكو تدعو الحكومات والدول إلى ضرورة تحسين شروط عمل الشغيلة التعليمية ماديا ومعنويا . ماذا عن وضعية المدرس المادية والاجتماعية؟؟ -غياب التحفيز إإإ انأ اشكي – إذن – انأ أقول الحقيقة عرفت الوضعية الاجتماعية للمدرس المغربي تدهورا فضيعا حيث أصبح يقبع في أسفل الهرم من حيث المستوى الاجتماعي فيما كان في الماضي – نسبيا – في مستوى أفضل ، ولم يبقى الأمر عند هذا الوضع المادي الهزيل بل امتد إلى الهزل الأخلاقي لتتعرض سمعته وصورته اليوم لكثير من التشويش والتشوهات في ظل مجتمع بات المنطق المادي هو الذي يتحكم فيه ويحكمه بعدما انحلت القيم الأخلاقية وسادت القيم المادية وأصبح البعض ينظر إلى نساء و رجال التعليم على أنهم مجرد أرقام للتأجير، وكلفة مادية يشكلون عبئا على خزينة الدولة ، و أكثر من ذلك أنهم لا ينتجون إلا جيوشا من البطاليين بخطاب التفقير والتيئيس .؟؟؟ هل نحتاج إلى أن نؤكد على أن عيش هيئة التدريس قد بلغ حدا من التدني يبعث حقا على القلق والانزعاج ، وهل من دليل على هذا الوضع الكارثي من أن عددا منهم يلجا إلى العمل سويعات في المؤسسات الخاصة وغيرها لعلها تغطي الخصاص المادي المحرج. إن الإحساس بالغبن عند هيئة التدريس وتدهور قدرتهم الشرائية كل ذلك ينهك قواهم ويصيبهم معنويا بأعراض الاضطراب والخيبة والإحباط في حين أنها فئة تستحق عن جدارة مصيرا آمنا وحياة أفضل ومع ذلك ورغم أنها تعيش ظروفا صعبة وتشتغل في واقع تعليمي ضحل مختل وصعب لا يشجعها على إعطاء أحسن ما عندها لكنها تتجاوز هذه العوائق وتضحي بنفسها ووقتها وصحتها لصالح ناشئتنا ومجتمعنا وامتنا . إنها في كل مرة تضطر للاحتجاج بوسائل قانونية من إضرابات واحتجاجات و اعتصامات ومسيرات ووقفات وتظلمات … تعبر عبرها عن تدمرها واستنكارها من الأوضاع المادية والمعنوية التي يعانون منها …… لكنها لا تلقى من المسؤولين الحكوميين غير اللامبالاة مرة والاقتطاعات في كل المرات و التنبيهات و التوبيخات و الاعفاءات …وكلما زاد تشكيها زادت معاناتهم . هذا الإصرار وهذا النضال وهذا التحدي هو أشبه بصورة ” الإنسان الأعلى” عند الفيلسوف الألماني” نتشه ” وهو الذي قارن بين المربي والنحات الذي ينحت على الحجر, فهو ينحت الشكل الذي يتصوره ويريده (أي الإنسان الذي يريده أن يكون قويا). نظام أساسي محبط إإإ إذا كان النظام الأساسي يعتبر بشكل أو بآخر سجلا من الحقوق والواجبات بين الأطراف العاملة في الشأن التعليمي ، فان ضبط العلاقة بين هذه الأطراف تسعى لتحقيق التفاعل المتوازن بينها حتى يؤدي ذلك إلى تحقيق الفعالية المتوخاة من ورائها ، غير أن كل ذلك يتوقف أساسا على حسن استعمال مبدأ التحفيز في العمل و المردودية ، والتحفيز يعني عادة تخويل محفزات مادية ومعنوية بغرض الدفع إلى المزيد من العطاء والإنتاج. وفي جانب من هذا التحفيز نجد أن الإدارة المركزية تلجا إلى أشكال من الامتحانات أو المباريات آو الاقدمية في العمل لترقية موظفيها ومن تلك الأشكال التحفيزية ما يحمل عبارة – الترقية بالاختيار- في توصيف احد مسالك الترقي ، هذا التوصيف يستبطن في شقه الدلالي إمكانيات التصرف المزاجي في اتخاذ القرار….. إن الموارد البشرية للقطاع التعليمي تلعب دورا حاسما في كل العمليات التربوية تكوينا وتأهيلا و تأطيرا وتنشيطا وإنتاجا وإبداعا…. مما يقتضي ايلاء عناية خاصة لهذه الموارد البشرية من دعم وتحفيز لضمان مستقبل مهني متساو بالنسبة لكل أسلاك الموظفين عبر – مثلا- تجاوز نظام السلالم ( مفهوم غير مناسب ) مع التركيز مثلا على الرتب الاستدلالية . كما يجب صيانة كرامة نساء ورجال التعليم من: – إعادة النظر في الحركات الانتقالية وما يسمى بإعادة الانتشار لما يسببه من تشتيت لأفراد اسر هذه الهيئة . – إعادة النظر في التمايز الحاصل في سيرورة الحياة المهنية بين بعض الهيئات والأطر . – انسداد الآفاق المهنية بالنسبة لبعض الأطر (مدرسي التعليم الابتدائي ). – مشكل الترقية المرتبط بالشهادة ، وهل الشهادة الجامعية محط اعتراض أو تساؤل أو رفض ؟؟؟ لابد إذن من إقرار نظام تحفيزي بمحفزات مادية ومعنوية يكون من شانه تنشيط الخلق والابتكار في صفوف العاملين ضمن قطاع التعليم ودفعهم نحو العطاء والإنتاج والابتكار . ماذا عن العناية بالصحة النفسية والعقلية ؟ تزايد وتيرة الشواهد الطبية بسبب صعوبة ظروف العمل انأ ادرس إذن انا أعاني إإإإ إن المسؤولين الحكوميين الحاليين والسابقين ما يزالون لم يدركوا خطورة دور رجل التربية والتعليم في التأهيل والتكوين والدمج الاجتماعي …وما يزالون لم تدركوا أن رجل التعليم هو الفاعل الأساسي في العملية التربوية التعليمية وهو المسؤول عن نجاح عملية التفاعل بين كل مكونات المجتمع والفئات المتدخلة في عملية التربية والتعليم إن الدولة والإدارة إذا كانتا قد ساهمتا في تكوينه وتأهيله تربويا وعلميا ووضعت له إطارا نظاميا وقانونيا يحدد واجباته المهنية وماله من حقوق وامتيازات مادية ومعنوية إلا أن الارتقاء بوضعية رجل التعليم ما تزال شعارا بدون اثر حيث ما يزال يعاني من صعوبات على المستوى المادي والاجتماعي والنفسي والمعنوي . إن رجال التعليم يؤدون ضريبة معنوية ثقيلة يتجلى ذلك في تزايد وتيرة الشواهد الطبية وخصوصا المتعلقة بالأمراض النفسية والعقلية حيث عرفت السنوات الأخيرة تزايدا مستمرا لعدد الرخص المرضية المتوسطة أو الطويلة الأمد التي تمنح للمدرسين بسبب مرض من الأمراض المزمنة وخصوصا منها ما له علاقة بالأمراض النفسية والعقلية . إن الأمراض العقلية ك( العصاب ) ينتج عن عدم التلاؤم والتكيف مع متطلبات المكان التي تتجاوز قدرات تكيف الفاعل أي عندما تصبح العلاقات مع المكان غير كافية وغير آمنة. فظروف ممارسة مهنة التدريس على نقيض ما يتوهم الآخرون (حتى المدرسون منهم) جد صعبة وفي كثير من الأحيان مقلقة وهذا ما يؤدي إلى ظهور الاضطرابات العقلية أو تزايد هذه الأخيرة أثناء ممارسة المهنة. لهذا حاولت الدول التي تؤمن بالحقوق الإنسانية الاهتمام بمدرسيها وتحاول الحد من الأمراض التي يصابون بها ونحن عندنا ما نزال نهمل الاهتمام بصحة موظفينا بصفة عامة وبصحة نساء ورجال التعليم بصفة خاصة . في المجتمعات التي تقدر وتقدس مهنة التربية والتعليم نجد خبراء وأطباء الصحة النفسية والعقلية يسعون إلى معالجة المشاكل الصحية الناجمة عن الظروف الصعبة للمهنة لأنها مصدر من مصادر الضغط والتوتر النفسي ، و يرتبط النجاح في المهام الموكولة لرجال ونساء التعليم عبر معالجة ومواكبة الصحة النفسية والمعنوية لهذا الكائن التربوي , و اننا نجد قصورا شديدا في قدرة الأفراد في حالات القلق على تبادل المشاعر الايجابية , بما فيها من احترام وتقدير وفاعلية مما يؤثر في كفاءاتهم وقدرا تهم على التفاعل الإنساني أو التربوي لذا علينا أن نضع ضمن خططنا العلاجية ما يساعدهم على معالجة الضغوطات والتوترات النفسية . فهل سعينا إلى حصر التأثيرات والمشاعر النفسية المتوترة التي تحدث لدى رجل التعليم في احتكاكه بمهنة التدريس ؟، وهل نحن في حاجة إلى التأكيد على أن عيش هيئة التدريس وظروف العمل قد بلغت حدا من القلق و الانزعاج ؟ وهل من دليل على هذا الوضع أقوى من أعداد الشواهد الطبية المتوسطة أو الطويلة الأمد أو حتى الهروب الجماعي من العمل عبر سلوك طريق التقاعد النسبي إذن ما العمل ؟ بنسالم حميش يقول : (إذا كانت أخطاء سياساتنا التعليمية منذ الاستقلال تصلح لشيء، فإنها تلقننا هذا الدرس الذهبي : ا ن أي عمل ذي بال لا يمكن القيام به إلا بإشراك هيئات التعليم واستثمار مداركهم وكفاءاتهم في عملية النهوض بالمرفق الحيوي …إن هذا التوجه الجديد هو ما يطالب به كل المتألمين من تردي تعليمنا والمسكونين بالرغبة في علاجه بعقلهم ومخيلتهم وبكل الوسائل الإصلاحية الممكنة …) في الغمة المغربية – ص:97 * مدير ثانوية – الدشيرة الجهادية