على قوارب صغيرة مهترئة حيث متطلبات السلامة معدومة كليا، يتراص أشخاص من مختلف الأعمار جمعتهم الأقدار من جنسيات وديانات مختلفة، مراهنين بحياتهم مقابل ذرة أمل للنجاة بحلمهم والهروب من واقع مرير وماضي أليم وقدر بائس ووطن لم ينصفهم حتى في أبسط حقوقهم. بذرة حلم ضائع أعطت ثمارها على أرض جرداء، فلم تجد حلا سوى الهروب إلى مستقبل مجهول، مستقبل أمل الموت فيه يفوق نظيره في الحياة بمئات المرات. رجال وشباب بل وأطفال إمتلكهم الحلم الأوروبي، فأصبح الهدف أماهم ركوب أمواج البحر المتوسط الثائر، ظانين أن بهروبهم سيبدأون حياة جديدة، متناسين أن بدايتهم قد تكون بداية النهاية لحياتهم . هذا شاب يجلس في أقصى القارب حاملا معه حلمه بأن ينعم بحياة يحقق فيها كل آماله، تاركا خلفه أباه الكهل الذي كان هو آخر سند بالنسبة له بعد أن خانته صحته… في الجهة الأخرى هناك رجل وزوجته قررا الفرار من معيشتهم الضنكى تاركين وراءهم كل تفاصيل حياتهم البسيطة والهادئة . وهذا رجل آخر عيناه مثقلتان باليأس والأسى على زوجة تركها خلفه وعلى أفواه صغيرة جائعة تركها على أمل بمستقبل ميسور يسد به جوعهم…. ألف حكاية وحكاية يحملها قارب الموت هذا، في كل زاوية وجع وفي كل ركن ألم يتشاركه جميع الموجودين؛ رحلة نحو المجهول، ما مصير هذه الرحلة المميتة وإلى أين الوجهة ؟ هل إلى المدينة الفاضلة كما يعتقدون أم سيكون قاع البحر في انتظارهم ؟ ليتهم جميعاً يدركون ويعرفون أن الهجرة هي بداية النهاية، هي الموت البطيء، هي التعاسة الأكيدة، ليتهم سمعوا ممن سبقوهم كيف كانت النهاية ولم يتاجروا بأرواحهم مقابل مستقبل مظلم ليس له ممر، ليتهم يعرفون أن قارب الموت ذاك سيخطف أرواحهم. شباب بالكثرة التهمتهم البحار، ورمتهم جثتا هامدة، لم يَعُدْ فيها سوى عظام بيضاء، ”صاروا مشوّهين” .