الليبية رزان نعيم المغربي رواية جديدة اختارت أن يكون عنوانها نساء الريح نشرتها الدار العربية للعلوم ببيروت 2010 وجاءت في 191صفحة . وتشكّل هذه الرواية في تقديرنا، منعرجا جديدا في مسار الروائية رزان نعيم المغربي كما أنّها تمثّل إضافة على مستوى المواضيع المطروحة في الرواية العربية المعاصرة عموما، والرواية النسائية على وجه الخصوص. من المتعارف عليه أنّ قضية الهجرة قضيّة كونية عالجها الروائيون العرب وتطرّقت إليها أسماء نسائية عديدة كغادة السمّان، وإميلي نصرالله وبهيجة حسين وحنان الشيخ، وبهيجة حسين، ورشيدة بن مسعود وغيرهنّ . وقد اهتّمت هؤلاء بموضوع الهجرة وانشغلن بتحديد دواعي مغادرة الأوطان وعقد المقارنات بين الأنا والآخر وإبراز ما يترتّب على اللقاء من نتائج متعدّدة، إن كان ذلك على مستوى السلوك أو العقليّة أو الموروث أو بناء الذات أو تصوّر الآخر وتحديد نمط العلاقة به. غير أنّ ما شكّل الاستثناء في السنوات الأخيرة، اهتمام فئة من الروائيات على قلّتهن، بقضيّة الهجرة السريّة نذكر من بينهن المغربية نعيمة بزّاز التي اختارت فئة الشباب ليمثّلوا الشخوص المركزية في عملها رواية الطريق نحو الشمال . أمّا رزان نعيم المغربي فإنّها أرادت أن تكون أكثر ارتباطا بالواقع وبالسياق التاريخي الاجتماعي فعكست التحوّلات الطارئة على المجتمعات العربية المعاصرة. وهي مجتمعات تعاني من أزمات متعدّدة: اقتصادية وسياسية واجتماعية وفكرية وتشهد في نفس الوقت، تغييرا في نمط العيش وفي أنساق الحياة اليومية وتحوّلا في بنية الوعي وحراكا اجتماعيا ملحوظا. إنّ ما يميّز تناول رزان المغربي لقضيّة الهجرة أنّها لم تنقل لنا تجربة المهاجرين الشبّان فقط بل آثرت تخطّي حواجز الجنس والسنّ والعنصر وبيان مدى استفحال ظاهرة الهجرة . فهناك نساء ورجال وأطفال يدفعون إلى خوض مغامرة خرق الحدود بعد أن استحال العيش في الأوطان. وهؤلاء لم يقصدوا أوروبا للدراسة أو الاستجمام أو التسوّق أو العمل في مراكز مرموقة بل إنّهم مستضعفون في الأرض يكابدون من أجل لقمة العيش. وليس أمام هؤلاء الحالمين بعالم جديد...وطن آخر (ص 12 )إلاّ شدّ الرحال، خاصّة بعد أن سُدّت أمامهم جميع السبل ووفّرت لهم بلدانهم كلّ أسباب الانتحار . تكمن طرافة رواية نساء الريح إذن في كشف النقاب عن التغييرات الطارئة في المجتمعات العربية، وخاصّة المغاربية. فالهجرة السرّية لم تعد حلما ذكوريا ومشروعا يخصّ الرجال القادرين على خوض معترك البحار. لقد أضحت الهجرة قضيّة تشغل بال النساء، خاصّة بعد استشراء ثقافة الحريق أو الحرقان ، «الحراقة» أو «الحريك»،...في إشارة إلى «حرق» المهاجر/ة أوراق الهوية وجميع المستندات في المركب أملاً في الحصول على هوية جديدة. ولعلّ بطلة الرواية بهيجة المغربية الأصل، خير أنموذج ممثّل للفئة الجديدة التي اختارت الهجرة السريّة وسيلة لتغيير الواقع الأليم. نساء الريح" الراغبات في الهجرة نساء يعشن على هامش المجتمع فهنّ مطلقات وأرامل و عوانس وزوجات مكسورات الخاطر وحوامل، وهنّ من جنسيات مختلفة عراقيات ومغربيات يختلطن ببقية المهاجرين الجزائريين والتونسيين والمصريين والأفارقة...مِن هنّ مَن لم تختر مفارقة الأوطان وأجبرت على طاعة الزوج وسِيقت إلى خوض المغامرة قسرا في مجتمع منح الرجل حقّ اتّخاذ القرارات. بيد أنّ مِن النساء فئة صارت تريد تغيير الواقع المعيش وترفض الاستمرار في تنظيف قذارة الآخرين (ص13) متجشّمة مشاق العبور إلى الضفّة الأخرى. وتصف لنا البطلة بهيجة معاناتها في سبيل تحقيق ما تصبو إليه إذ كان عليها أن تبحث عن عصابة النساء السماسرة (ص18 ) الهجرة عربيا من العراق والمغرب ومصر وغيرها من البلدان الافريقية إلى ليبيا الهجرة هي هروب من مواجهة القدر في مكان واحد ص 21 الهجرة تعلم الكذب والمبالغة معاناة هذه الشريحة في ليبيا الدروس التي تعلمتها الحيطة والحذر من السماسرة العاملين في تهريب المهاجرين الهجرة الثانية صوب اروبا حتى يتوسّطن لها لدى المهرّبين الذين يتولّون تدبير مغامرة الهجرة ويتصرّفون في مصير التعساء.وتعبّر رزان المغربي على لسان بطلتها عن مشاعر الذلّ والهوان التي تسيطر على المهاجرين ساعة اقتراب موعد الرحيل تقول: نساق كما تساق الماشية إلى حظائرها أو حتفها لا ندري . (ص30) وفي موضع آخر من الرواية تكشف البطلة النقاب عن الاضطهاد المضاعف الذي تعاني منه المرأة. فالمهاجرة على ظهر السفينة العابرة تكون عرضة للاغتصاب الجماعي وللتحرّش الجنسي ولغيرها من الممارسات التي تنمّ على قيم المجتمع الذكوري ونظرته إلى المرأة المغامرة التي تفتقر إلى قيمومة رجل يحميها وينفق عليها. وكأن هذا الاعتداء على كرامة المرأة التي تدبّر بمفردها مشروع الرحيل هو شكل من أشكال التأديب لنساء استرجلن و زاحمن "الرجال حتّى في المغامرة وركوب الأهوال ومواجهة الموت. غير أنّ المتأمّل في سلوك هؤلاء المهاجرين يتفطّن إلى أنّ وراء ممارسة العنف بصوره المختلفة مشاعر إحباط وذلّ وضعف وانكسار وكره وأحاسيس خوف وهلع تسيطر على الرجال: هو الخوف من المصير المجهول والخوف من شرطة الحدود والخوف من الموت والخوف من الغد والخوف من الفشل والعودة والخوف من السجن. وعندما تستبدّ مشاعر الخوف بالرجال تكون النساء كبش الفداء. حاول أن يستجمع قواه لينفي عن نفسه تهمة التحرّش المقصودة ،فهو فعلا كان يحتاج في تلك اللحظة لجسد أنثوي،لا يهمّه بهيجة أو غيرها (ص96) لقد أثبتت رزان المغربي من خلال هذه الرواية أنّ صورة المرأة انفلتت من نسق التنميط المعتاد إذ تعدّدت تجارب النساء واختلفت نظرتهنّ إلى الحياة وإلى موقعهنّ في المجتمع وترتّب على ذلك إعادة النظر في نسق الثنائيات المتضادة القوة/الضعف،العقل/العاطفة، الثقافة/الطبيعة.... فالمرأة لم تعد مستسلمة لقدرها تنتظر عودة زوج مهاجر يأتي مرّة في السنة زائرا ليضطلع بدوره التخصيبي ويغادر تاركا وراءه امرأة تواجه مسؤولية إدارة أسرة بأكملها بل نحن إزاء نساء من طينة أخرى يتمرّدن على ما دوّنه القدماء بشأن محاسن النساء" و صفات النساء ويتركن وراءهن الضعف والجبن والخوف والتبعية والخضوع وغيرها من الصفات التي طالما عاقت النساء عن الفعل واتّخاذ القرار وصنع مصيرهن بمفردهن دون وصاية الرجال. من الواضح أنّ النساء المهاجرات لا يمثّلن النخبة. فهنّ لا يسافرن إلى الخارج لاستكمال الدراسة أو للعمل أو للاستقرار مع زوج أجنبيّ بل هنّ نساء أحبطت أحلامهن في أوطانهن فقرّرن السفر بمفردهن أو صحبة أطفالهن بحثا عن لقمة العيش. إنّهن يجسدن أنموذجا جديدا :نساء يقرّرن ويتحمّلن مسؤولياتهن ويُقمن الحجّة على أنّ مكانة المرأة وأدوارها وصورتها لنفسها قد تغيّرت فصارت تريد تحقيق الاستقلال المادي وتحلم بإثبات الذات. ولذا لم تنتظر البطلة المهاجرة فارس الأحلام ليخلّصها من عذاب الوحدة والجوع، ولم تنتحب لأنّها لم تعثر على عريس ينقذها من العنوسة ومن مشاعر الإحساس بالوحدة والدونيّة. لم تتعلّق بهيجة بالزواج ولم تجد فيه حلاّ لتغيير واقع متردّ كما أنّها لم تتشبّث بوهم الأمومة المصطنعة ولم تتّخذ الجسد وسيلة للانتقام من مجتمع كبّل حريتها. لقد قرّرت امرأة الريح أن تركب البحر وتتحدّى المخاطر وتصارع في سبيل تحقيق الحلم ومنّت نفسها بالعبور إلى عالم تنحت لها فيه مكانة جديدة تنسيها شقاء الحاضر. ولأنّها ميّالة إلى الفاعليّة فإنّها تنظر إلى المستقبل بتفاؤل تاركة الماضي وراءها منفلتة من حاضر أبى إلاّ أن يأسرها. ولئن جعلت الروائية المصرية بهيجة حسين بطلة روايتها رائحة اللحظات تقرّر الهجرة إلى الجزائر لتدرّس هناك تاركة زوجها وبلدها مستعيضة عن الغربة بناس ظنّت أنّهم سيؤنسون وحدتها مادات في بلد شقيق فإنّ بطلة نساء الريح طمحت إلى العبور إلى ايطاليا والاستقرار بها مفضّلة الغرب على البلدان العربية التي لا توّفر لمواطنيها إلاّ النزر وتهمّش الوافدين إليها وتدينهم. وهي إذ تفضّل العبور إلى أوروبا فإنّها لا تبدو شخصية منبهرة بالغرب وامرأة تحاول الاقتداء بالمرأة الغربية في المظهر ونمط العيش على العكس من ذلك تلوح البطلة امرأة واعية بواقعها غير متشبّثة بالوهم . لم تتسلّح البطلة بالعلم والوعي كشرطين من شروط اللقاء مع الآخر المغاير وإنّما كانت عدّتها إرادة تغيير الواقع والرغبة في بناء غد أفضل. وبَيّن أنّ هذه الصفات التي تميّز البطلة تشير إلى تحوّل فكري ملموس عند المرأة العربية. فمؤسسة الزواج لم تعد مشروعا يتصدّر الأولويات والجسد لم يعد وعاء للإنجاب ووسيلة لإمتاع الآخر والشرف ليس بين أفخاذ النساء إنّما الشرف في محاولة التغيير وإرادة الفعل. لقد تجاوزت رزان المغربي وصف تجربة الهجرة غير الشرعيّة إلى البحث في رمزيّة فعل الهجرة ف هي هروب من مواجهة القدر في مكان واحد (ص 21) لِما للمكان من دور في بناء الذات. وللهجرة أيضا دلالة إيجابة باعتبارها حركة تحرّر من واقع معيش صعب ومن الإكراهات والضغوط المسلّطة على الفرد عموما، وعلى المرأة على وجه الخصوص.فالبطلة امرأة وحيدة فريسة أطماع ذكور استوحشوا في البحر وخافوا المصير المجهول وحرموا من احتضان جسد امرأة (ص37)ومع ذلك فإنّها لا تستسلم لقدرها ولا ترضى بالمكتوب بل تتحدّى المشاكل مثبتة بذلك قدرة على التعامل مع الأحداث وفهم الدوافع ومعلنة في الوقت نفسه ، عن بروز جيل جديد من النساء: جيل لا يقبل الانتظار والتواكل والغبن، ولا يستهويه انتظار الفارس على الجواد الأبيض الذي سينتشله من الضياع والبؤس. إنّهن نساء يشمّرن على سواعدهن ملوّحات عرض الحائط بمقولة الضلع الأعوج و الأقوال المأثورة والأمثال الشعبية التي تثبّط العزائم ظل راجل ولا ظل حيطة ... إنّهن نساء يقفن بوجه الريح يصارعن الأمواج في سبيل تحقيق الاستقلالية وإثبات الذات الفاعلة في الوجود ونحت الكينونة وبناء الذات بعيدا عن قيم الخضوع والصبر والطاعة ..... لا غرابة إذن أن لا تتوقّف أحلام البطلة بهيجة عند حدّ تغيير مكانتها وتحقيق الارتقاء في السلّم الاجتماعي. لقد باتت تحلم بتخليد تجربتها ومشاركة الروائية في الكتابة ولذا فإنّها تبادر بتسجيل كلّ تفاصيل مغامرتها مستعينة بآلة تسجيل وفّرتها لها صديقتها الكاتبة. ولأنّ تاريخ التصميت قد انتهى فإنّ بهيجة "ستتجرأ وتسجّل كلّ ما تفكّر فيه (ص14) حتّى وإن بدت الملاحظات مجرّد سرد لليوميّ والتافه، وكان ما تقوله عاديا تافها وسخيفا (ص 13) ولكن سرعان ما تتفطّن بهيجة إلى أنّ البوح/ فعل الكتابة ليس إلاّ شكلا من أشكال التحرّر والتنفيس عن الذات. ورويدا رويدا تتسع دائرة أحلام بهيجة وليس ذلك مستغربا ف بهيجة خلقت امرأة طموحة، تعلم أنّها لا تمتلك جسدا أنثويا جذّابا ، إنّما في داخلها تحمل أحلاما أكبر مما تمتلكه من امكانات لتحقيقها (ص 98) . فهي تحلم ب أن تصبح نحيلة رشيقة (ص31) وأن تكون مثل سائر الناس في أوروبا بماذا هم أفضل منا؟ (ص32 ) وأثناء سرد سيرتها يراودها حلم آخر :"حتى اني بنولي كاتبة (ص14) معبّرة بذلك عن حقّها في تمثيل ذاتها. ولعلّ طبيعة هذا الحلم تعكس ما وفّرته التكنولوجيا الحديثة من إمكانيات إذ صار بإمكان عدد من الناس أن يصبحوا من أصحاب القلم. فكما هو معلوم اشتهر عدد من المدوّنين وكتّاب المقالات ونافسوا الكتّاب في نيل الحظوة لدى الجمهور. تنجح المهاجرة في تحقيق حلمها وتفي بوعدها فترسل آلة التسجيل إلى الكاتبة لتحوّل الشفويّ إلى مدوّن ولتتولّى نسج حكاية الهجرة السريّة جاعلة الواقع يتداخل مع التخييل . تقول الراوية: وها أنذا (كذا)أفرغ هذه الذاكرة المعدنية وأضيف إليها ما لم تدركه بهيجة وهي تسجل تلك اللحظات . (9)وينجم عن هذا التعاون تحوّل الرواية إلى عمل إبداعيّ مشترك بطلته ليست من وحي الخيال بل من الواقع الحيّ ، وهي ذات قادرة على تمثيل تجربتها وليست موضوع قول الآخر. لقد أرادت رزان المغربي أن تكون نساء الريح رمزا للتحدّي وعلما على إرادة الحياة . فهنّ يتّسمن بالقدرة على مواجهة الصعاب وتجاوز العقبات يقاومن الموت الاجتماعي والموت المادي. كما أنّهن يحاولن بكلّ ما أوتين من جهد أن يخرجن من دائرة الاستلاب الاقتصادي والقهر الاجتماعي .إنّ نضال نساء الريح لم يكن من أجل تحقيق الكماليات بل الحاجات الضرورية: البقاء ولذلك فإنّهن تسلّحن بالذكاء والحذر وحسن التدبير والعزيمة تدفعهن إرادة الحياة إلى تحدّي الأهوال. وفي مقابل هذه الفئة من النساء الواقفات بوجه الرياح هناك نساء "تافهات ضعيفات لا يقوين على مواجهة الأعاصير تتقاذفهن الأحداث وتعبث بمصيرهن. وتصف لنا البطلة حياة النساء المترفات الغارقات في هموم حياتهن الخاصّة التي يسودها الضجر والملل فلا حديث لهنّ سوى عن الموضة والمصيف وعمليات التجميل .... أمّا علاقاتهن فإنّها في الغالب ، سطحية وهشّة تفتقر إلى منظومة قيمية تجعل من الشخصيات نساء سويات فثمّة المكر والنفاق والخيانة والغيرة والحقد... وتبدو علاقة النساء بالرجال هي الأخرى متصدّعة. فالشخوص يعانون من الازدواجية في السلوك والقول عاجزون عن تحمل مسؤولية اختياراتهم وتصرّفاتهم فهذا يتزوّج امرأة يعترف أنّه أحبّها لأنّها سطحية وتافهة (28) ، وهذا أب يتحرّش بابنته وبعلم زوجته (137) وتلك تعقد علاقة مع شابّ وتعبّر عن رأيها فيه قائلة: منير هذا يحضر ويغيب ،أنا التي تستدعي حضوره كلّما أرادت منه مساعدة مالية،ثمّ أجعله يختفي. منير سيبقى مثل الكلب في حياتي (68) ولهذه الأسباب جعلت رزان المغربي بطلتها امرأة مندّدة بالواقع الاجتماعي المنخرم وبالواقع الاقتصادي المتردّي الذي ينغّص عيش الفئات الكادحة في المجتمع. وبالإضافة إلى ذلك بدت بهيجة منتقدة للعالم المزيّف الذي يعيشه المثقفون . بيد أنّ انتقاد رزان المغربي للمثقّفين جعل الرواية تتداخل مع السيرة الذاتية والذاتي يدمج في الموضوعي إذ كثيرا ما عبّرت الراوية عن الأفكار الشخصيّة للمؤلفة ونقلت تجاربها ونظرتها إلى البنية العلائقية السائدة في مجتمعها .ولعلّ ملامح شخصيتي الكاتبة وبهيجة في وجه من وجوهها ، تتماهي مع شخصية المؤلفة. ولئن اعتبرت رزان المغربي أن تردّي الأوضاع الاقتصادية يؤدي إلى الهجرة السرّية فإنّها تغاضت عن ربط الثقافي والاقتصادي والاجتماعي بالسياسي وكأنّها تتحاشى انتقاد السلطة المسؤولة الفعليّة عن هذا الواقع المأزوم. أفليست أنظمة الحكم الشمولية هي المسؤولة عن ضياع آمال الناس وقتل أحلام الشباب وطموحات الأجيال ! ثمّ أليس فساد الحكّام ونهب خيرات البلدان قد أدّى إلى العجز عن إدارة أزمة البطالة! ونذهب إلى أنّ تركيز رزان المغربي على عالم النساء وبيان مدى تعقّد نمط العلاقات التي تجمع بينهنّ ووصف تفاصيل دقيقة من اليوميّ جعل الرواية متنزّلة في إطار نسق ثقافي يؤثر الفصل بين عالم النساء/عالم الرجال، الكتابة النسائية/ الكتابة الذكورية...وكأنّ المؤلفة ترفض الخروج إلى عالم إنسانيّ رحب ولا تريد أن تنقل تجارب الناس بغض النظر عن جنسهم وعرقهم ولونهم ودينهم...أليست كتابة الهجرة كتابة التراجيديا الإنسانية المعاصرة. ! ومهما يكن الأمر فإنّ كتابة الهجرة في نساء الريح ترصد حراكاً مجتمعياً بدا واضحا من خلال سرد حيوات النساء والتغنّي بجمالية المكان: ليبيا. وبذلك تؤرخ رزان المغربي بالأدب شتّى التحوّلات النسائية بتعدّد نماذجها لتشير إلى انخراط الكاتبات في القضايا الاجتماعية والثقافية[1] وعنايتهن بتفكيك بنية العلاقات السائدة وما اعتراها من وهن، وعدم اكتفاء أغلبهنّ بالتركيز على قضايا الذات والجسد والمشاعر. تقول زينب حفني :في هذا السياق: كثيرون يظنون أن كشف النقاب عن سلبيات المجتمع من اختصاص الأديب الرجل، لكنّني أؤمن بأنّ الأديبة المرأة يجب ألّا تُخلي مسؤوليتها وتنفض يديها عمّا يجري داخل أروقة مجتمعها. فطالما أنّ لهيب السلبيات يلفح بحرارته الجميع، وطالما أنّ الرجل والمرأة يخوضان غمار الحياة معاً، ويتجرّعان مرارة الواقع المعيش من كأس واحدة، يجب أن تُسخّر الأديبة قلمها في طرح قضاياها، وفي المطالبة بحقوقها كون المرأة المثقفة وحدها القادرة على انتزاعها، لأنّ الحرف لا يعترف بالمسافات، ولا يخضع للجنسيات، ولا يتوقّف عند الحواجز، والقلم الحرّ لا يهاب الأمواج العاتية ولا تضعفه عواصف التهديد. [2] وبين شخصيات قلقلة وهشّة وأخرى تصارع من أجل البقاء وتتطلّع إلى تغيير مصيرها تؤكد رزان المغربي بهذا العمل الفنيّ ولادة نساء يقفن بوجه الريح لأنّهن لا يقبلن بأن يكن مهمّشات : كائنات خلقت للنسيان والعيش على هامش الحياة.