اتفق جل النقاد والباحثين الروائيين المغاربة أن هذا اللون الأدبي –الرواية- لا يزال في طور الإعداد والتشكل، لأنه كما كان عليه في بلاد عربية أخرى ظهر متأخرا، وكان ثمرة من ثمرات احتكاكنا بالحضارة الغربية ونتيجة من نتائج انفتاحنا على الأدب العالمي عن طريق اللغة والفكر الاستعماريين، ثم عن طريق اللغة العربية واتصالنا الأخير بالمشرق العربي وتراثه الأدبي. وهذا ما يبرز ظهور الجنس الروائي بالمغرب عن طريق ما يسمى بالمثقافة، حيث يستمد الحق الثقافي في المغرب نسبة من التزاوج الحضاري بين الذات المغربية العربية، ذات الخصائص المحافظة، والذات الغربية بكل ما أفرزته ومن تم باتت التجارب الروائية تتأرجح بين التأثير المزدوج للمناهج الغربية والعربية على السواء. والأدب المغربي تنفس داخل فضاء شهد صراعا حادا بين ثقافة أصلية تمسكت بالتقليد وأعجبت بالماضي المقدس للتراث العربي، باعتباره النموذج الأمثل والرصيد الأكبر الذي يجب المحافظة عليه وبين ثقافة استعمارية تطبعها الحداثة والتقدم بفضل مواكبتها لسيرورة العلم والعقل ومتطلبات العصر الحديث للعالم الغربي، ظهر هذا الصراع مع بداية الحماية وبداية النضال المسلح ضد الاستعمار وقد رافقه نضال فكري ضد الثقافة الدخيلة، غير أن المواجهة الفكرية للمستعمر لم تتبلور بكيفية حادة وعنيفة إلا إبان ظهور الحركة الوطنية المغربية (1925/1956)، وهي حركة تحررية مهدت لها السلفية والمذاهب القومية التي انتشرت في المغرب. كما برزت في هذه الفترة الواقعة بين العشرينات والثلاثينات من هذا القرن نخبة من الشباب المغربي المثقف أغلبها من الطبقة الوسطى؛ تخرجت من جامعة القرويين ومن المدارس الفرنسية المزوجة. هذه الطبقة كان لها السبق في تحول مسؤولية توجيه وتنظيم الحركة الوطنية، لمواجهة الاحتلال الفرنسي، وخلال منتصف الأربعينات ظهرت على الساحة المغربية قوى بورجوازية عريضة، ساهمت بفضل ثقلها الاجتماعي وإمكانياتها المادية في دعم تلك الحركة الوطنية، وتقريب عدد من المثقفين إلى جانبهم وكنتيجة لهذا الوضع تقرر ميلاد الرواية كجنس أدبي بالمغرب بين الخمسينيات والستينيات، وقد شكل فيها الواقع الاجتماعي الركن الأساسي حتى كأنها وثيقة مسجلة لهذا الواقع، وتأثير الواقع هذا برز على مستوى المضامين والأفكار ، فأصبحت الرواية المغربية تتقسم إلى قسمين: الرواية ذات التعبير الفرنسي، والرواية ذات التعبير العربي. في الرواية ذات التعبير الفرنسي نذكر على سبيل المثال “خير الدين محمد” في روايته (أكادير) وعبد “الكبير الخطيبي” في روايته (الذاكرة الموشومة)… وغيرهما. وما يجب ملاحظته أن هؤلاء الكتاب الذين نالوا تشجيع اليسار الفرنسي عن وضعية سوسيوثقافية يظهر على أن الاستقلال هزهم حيث أن البعض آثر الصمت بينما استمر البعض الآخر بدون تطور. إلا أننا نرى خلال الثمانينات من القرن الحالي أن الجنس الروائي المعبر عنه بالفرنسية، قد استعاد مكانته البارزة بإبداعات تسمو إلى مستوى الفن الروائي الجديد والمتطور، على يد “الطاهر بن جلون” كما فرضت تلك الإبداعات نفسها داخل الحقل الثقافي المغربي. أما الرواية ذات التعبير العربي فإنها ستعمل على الكشف والبحث عن الهوية المغربية بكل أبعادها الاجتماعية والتاريخية، فإذا قمنا بدراسة لجل الأعمال الروائية المغربية سوف نجد أعمالا تعكس لنا الواقع الاجتماعي المغربي بكل ما يختزنه، لذلك فإذا ما أراد أي باحث أن يحلل أو يفسر الظاهرة الروائية في المغرب فإنه لا يمكن أن يفسرها إلا تفسيرا سوسيولوجيا، وذلك للبحث عن علاقات التجانس بين بنية خطابها الأدبي من جهة، وبنية الواقع المغربي في أبعاده الاجتماعية والسياسية والإيديولوجية والنفسية من جهة أخرى. إذا، إن الواقع يشكل القاسم المشترك لدى معظم الروائيين المغاربة، وكل كاتب سيتعرض له بطرقة الخاصة وذلك إما بغلبة العنصر الذاتي أو الموضوعي حسب الرؤية الفنية للكاتب أو حسب طبيعة مضمون القصة؛ ولقد غلب على الخطاب الروائي في بدايته الأولى طابع السيرة الذاتية مثلا: رواية” محمد زفزاف” (في الطفولة والمرأة والوردة). والملاحظ أن هذه الروايات لا تهدف بالأساس على إعطاء صورة صادقة عن البطل، بقدر ما تهدف بالأساس إلى عكس تفاعل ذلك البطل مع الظروف الاجتماعية والسياسية التي عايشها خلال فترة معينة، وإذا كان جل النقاد والباحثين يعتبرون أن هذا الصنف من الكتابة هو صنف حامل لإيديولوجية كاتبها، سنجد أننا مهما اعتبرنا هذه الروايات فهما إيديولوجيا للواقع فإنها تحمل بدرجة أو بأخرى بذور الحقيقة الموضوعية وتعبر عنها . وبذلك يظل هذا النوع هو الأخر له قيمته الخاصة، قيمة اجتماعية وتاريخية وفنية كذلك، وهنالك صنف آخر يمثل الرواية التاريخية مثل” بامو” (ودفنا الماضي). وانطلاقا مما سبق نستنتج أن الرواية التي ولدت بين أحضان البورجوازية المغربية وترعرعت معها تعرضت أثناء انتقالها إلى أجواء ثقافية أخرى لوضع معين فعبرت عنه بطريقتها الخاصة. الهوامش: إدريس الناقوري، الرواية المغربية مدخل إلى مشكلتها الفكرية والفنية، دار النشر المغربية، 1983. مجلة آفاق،خاص بندوة الرواية المغربية، عدد 4/3 دجنبر 1984، (الوضعية الروائية بالمغرب). سعيد علوش، الرواية والإيديولوجية في المغرب العربي، بيروت، دار الكلمة للنشر، ط2، 1983. مجلة الآفاق، خاص بندوة الرواية المغربية، عدد 3/4، دجنبر 1984،(الوضعية الروائية بالمغرب). إدريس الناقوري، الرواية المغربية مدخل لمشكلاتها الفكرية والفنية، دار النشر المغربية، 1983. عبد الكبير الخطيبي، الرواية المغربية، ترجمة محمد برادة، منشورات المركز الجامعي للبحث العلمي، عدد 2،الرباط، طبعة 1971. * باحثة بسلك الدكتوراه في كلية الاداب والعلوم الانسانية -الرباط-