تنعقد المناظرة الوطنية الثالة للجباية تحت شعار “العدالة الجبائية” وهذا الشعار يحمل في طياته اعترافا ضمنيا بغياب عدالة جبائية بالمغرب. غياب هذه العدالة يظهر في غياب التوزيع العادل للثقل الضريبي على المواطنين ضدا على ما ينص عليه دستور 2011 في مادته 39 من «أن يتحمل الجميع ، كل على قدر استطاعته التكاليف العمومية» فأغلب المساهمين في التكاليف العمومية عن طريق الضريبة هم المواطنون من الطبقة المتوسطة أو الفقيرة، سواء من خلال الضريبة على القيمة المضافة وهي ضريبة عمياء مرتبطة في معظمها بالمواد الاستهلاكية الأساسية مما يجعل أكثر المستهدفين بها هم الطبقة الفقيرة والوسطى الأكثر عدد واستهلاكا، أو من خلال الضريبة المباشرة التي يستخلص 73% منها من الموظفين والأجراء، مقابل ما تبقى للمهن الحرة والشركات.. غياب العدالة الجبائية لا يظهر فقط فيما سبق لكن أيضا في تغييب المواطن عن القرار الضريبي، فالمناظرة الثالثة كسابقاتها أغلب منشطيها من البطرونا ورجال الأعمال سواء بشكل مباشر من خلال الدور المحوري الذي يلعبه الاتحاد العام لمقاولات المغرب في مخرجات مثل هذه المناظرات، أو بشكل غير مباشر من خلال ممثلي البطرونا المصبوغين بألوان سياسية مختلفة، فوزير المالية الحالي كما أغلب سابقيه هو من حزب البطرونا وكان إلى وقت قريب يمثل مصالح مقاولة بنكية، بالإضافة إلى ذلك فإن كثيرا من رؤساء الجماعات الترابية المستدعون مرتبطون بشكل أو بآخر بعالم المال والأعمال، فهل يمكن لمثل هؤلاء أن يدافعوا عن نظام ضريبي عادل، سيمس ضرورة بمصالحهم ومكتسباتهم التي حصلوها طوال الفترة السابقة؟! في مقابل هيمنة هؤلاء الفاعلين هناك تغييب حقيقي للمواطنين عن مثل هذه المناظرة، سواء من خلال استبعاد جمعيات المجتمع المدني خاصة المتخصصة منها في مجال الحكامة، أوالفاعلين النقابيين، أو حتى الباحثين الموضوعين المتخصصين في هذا المجال. هذا الوضع يخالف بشكل واضح ما أقره دستور 2011 من حق المواطنين في المساهمة في تشريع القوانين خاصة إذا كان لها أثر مباشر على وضعهم الاقتصادي والاجتماعي ، وهذا ما أقرته الفقرة الثالثة من الفصل 12، والفصلين 13، و14. بل حتى البرلمان الذي يفترض فيه تمثيل إرادة المواطنين فإن دوره في التشريع الضريبي يضل محدود جدا رغم أن الفصل 71 من الدستور يجعل تحديد الوعاء الضريبي ومقدار الضريبة وطرق تحصيلها جزء من القانون الذي يعد اختصاصا حصريا للبرلمان، رغم ذلك فإن هذا الاختصاص يقيده الدستور نفسه من خلال الفصل 77 الذي يجيز للحكومة رفض أي مقترح برلماني يمكنه أن يخفض المداخيل بما فيها الضرائب..ويقيده الواقع من خلال مثل هذه المناظرات التي لا تعكس إرادة الأمة لا من حيث مكوناتها وشرعية وجودها ولا من حيث مخرجاتها.. خلاصة الأمر أن الضريبة كانت مدخلا تاريخيا لإقرار سيادة الشعب، فلا يمكنها اليوم أن تكون عادلة إلا إذا كانت معبرة عن سيادة الأمة المنصوص عليها في الفصل الثاني من الدستور.