اطلعت باستغراب على تصريحات السيد عبد العزيز افتاتي البرلماني السابق والقيادي في حزب العدالة والتنمية بشأن تقييمه لمعركة حزب التقدم والاشتراكية في رئاسة لجنة مراقبة المالية العامة بمجلس النواب برسم التجديد النصفي لهياكل المجلس. وإن مما يدعو للاستغراب أكثر في هذه التصريحات هو تعاطي السيد أفتاتي مع ترشيح التقدم والاشتراكية كما لو أنه خروج عن الطاعة أو عما ينبغي أن يرسمه حزب العدالة والتنمية للأحزاب السياسية. ومؤدى منطق الوصاية هذا أن على الأغلبية المؤتلفة مع الحزب الذي يترأس الحكومة ان تعيش تحت جناحه وتأتمر بأوامره وتنفذ تعليماته . وهذا عين التحكم والهيمنة في الحقل الحزبي والسياسي الذي طالما انتقده وشنع به السيد أفتاتي. إنه عين التهافت الذي طالما أطنب به السيد أفتاتي مسامع الناس وتحايل به على عقول الجماهير. يتحدث السيد أفتاتي عما سماه وعد او كلمة سبق أن تم الوعد بها لحزب التقدم والاشتراكية. والحال أننا لم نتحدث عن مثل هذا الوعد بل مارسنا حقا دستوريا وسياسيا كباقي مكونات المجلس يكفله لنا الدستور والنظام الداخلي وأجازه لنا قرار المحكمة الدستورية. لسنا سعاة مناصب او أصحاب توافقات تحت الطاولة، بل سياسيين نتنافس ونتصارع لأننا ببساطة مناضلون ابناء اليسار الديمقراطي الذي خاض النضال الديمقراطي لعقود حتى يأتي السيد أفتاتي وطيفه السياسي يتسيدون اليوم ويمارسون التحكم في مشهد ساسي يقطفون ثماره. السيد أفتاتي ماضوي في تفكيره . وفي هذه الحالة بالذات يستند في حقده الذي صبه على حزب التقدم والاشتراكية على دستور ما قبل 2011 وعلى النظام الداخلي القديم لمجلس النواب. إنه إذن خارج السياق الدستوري والسياسي على الأقل في تعاطيه مع هذه الحالة. لقد جن السيد أفتاتي ليس بسبب ترشحنا لرئاسة لجنة برلمانية ولكن بالتأكيد لنتيجة التصويت التي أظهرت عزلة حزب العدالة والتنمية مؤسساتيا ولم يحصل حتى على مجموع أصوات أعضاء فريقه النيابي فيما حصلنا على 87 صوتا نعتبرها أصوات حرة تصرخ ضد منطق الهيمنة الذي يتجسد في احتكار العدالة والتنمية لثلث رئاسات اللجان الدائمة اي ثلاثة من تسعة وربع أعضاء مكتب المجلس. وحتى نضع الرأي العام في صورة أحقيتنا بالترشح إليكم المعطيات القانونية التي أطرت هذا الترشح. انتخاب رئاسة اللجن النيابية الدائمة بمجلس النواب مؤطر قانونيا بمقتضيات الفقرة الأولى من المادة 64 من النظام الداخلي التي تتحدث على “أحقية الفرق والمجموعات (على السواء) في تقديم مرشحيها لرئاسة هذه اللجن”. تحيل هذه المادة على المادة 58 من النظام الداخلي التي تتحدث على أن “الفرق والمجموعات النيابية هي الأداة الرئيسية لتنظيم مشاركة النواب “هيئات وافرادا”، ما يعني أن الترشح لتحمل مسؤولية رئاسة اللجن، هو حق لأعضاء المجلس بصفاتهم تلك، وليس فقط بحكم انتمائهم للفرق. كما تحيل نفس المادة على الفصلين 62 و69 من الدستور، الأول يتحدث عن كيفية انتخاب المجلس ورئيسه وأجهزته وفترة ولايتهما، واختار المشرع الدستوري الاحتكام لمعيار النسبية في الفقرة الأخيرة من هذا الفصل الذي يتعلق بكيفية انتخاب مكتب المجلس دون غيره من الأجهزة مجلس النواب. أما الفصل 69 فيخول لمجلس النواب التي تحيل عليها المادة 64 أعلاه “حق وضع نظام داخلي في مجال محدد”، لا يجوز العمل به إلا بعد التصريح بدستوريته من قبل المحكمة الدستورية، وهي المسطرة التي خضع لها النظام الداخلي الحالي الذي كان موضوع قرارين للمحكمة الدستورية، الأول يحمل رقم 37.17 م.د بتاريخ 11/09/2017، والثاني يحمل رقم 17/65 م.د بتاريخ 30/10/2017. وبالعودة إلى هاذين القرارين، لاسيما القرار الأول الصادر في 11/09/2017، فإنه يتحدث على أن حق الترشح لرئاسة اللجان الدائمة متاح لجميع أعضاء المجلس، مع الاخذ بعين الاعتبار حق المعارضة التي يخول لها الدستور حق رئاسة لجنة العدل. كما يشير نفس القرار إلى ضرورة الحفاظ على “حق المجموعات البرلمانية بعض النظر عدد أعضائها في اقتراح ممثليها لشغل مناصب رئاسة اللجان الدائمة بطريقة ديمقراطية”. وبالعودة إلى معيار النسبية، فإن النظام الداخلي لمجلس النواب يقدم معيار التعددية والمشاركة السياسية على معيار النسبية، وهو ما توضحه المادة 11 من النظام الداخلي. ومن جهة أخرى، فإذا كان الدستور يضمن حق المعارضة في رئاسة لجنة أو لجنتين على الأقل بغض النظر إن كان الأمر يتعلق بفريق أو مجموعة، فإن المنطق يقتضي القول أيضا بحق المجموعات النيابية في ترؤسها لهذه اللجن خاصة أنها مكون من مكونات الأغلبية. الخلاصة: تبين هذه الاحكام حق المجموعات النيابية في رئاسة اللجان الدائمة، وهو حق لا ينكره إلا جاحد.