أعترف بأنه ليست دائما تروقني الخرجات الإعلامية لرئيس الحكومة السابق عبد الإله بن كيران، ففي أحايين كثيرة كتبت منتقدا كلام الرجل، كان آخرها كلامه حول مسألة مقاطعة المغاربة للمنتوجات الثلاث المعروفة، والتي اعتبرتُ فيها خروجه وخروج بعض مسؤولي حزب العدالة والتنمية دفاعا عن حليب “سنترال” “انتحارا” سياسيا أمام صمت الأحزاب المكونة للأغلبية الحكومية. وكنت أرى أنه كان حريا بابن كيران أن يتساءل عن مصير “السوبرمان” عزيز أخنوش، وعن سبب اختفاء الوزير الذي عهدنا ظهوره على أغلفة المجلات “الفرنكوفونية” والمواقع التي كانت مداومة على رسمه في صورة البطل والمُخَلص المنتظَر.. عن الرجل الذي تسبب في “البلوكاج” الذي انتهى بإعفاء ابن كيران نفسه، باعتبار أن أخنوش هو المسؤول المباشر عن الفلاحين والحليب والبقر، والذي كان من المفروض أن تكون وزارته أول من يصدر البلاغات والتوضيحات حول معاناة الفلاحين المفترضة بفعل تلك المقاطعة، وأن تخرج للناس بالكيفية التي كانت تخرج فيها من خلال بلاغاتها للتباهي بكمية المحاصيل وإشعاع المعارض الدولية ومخططات المغرب “المُلونة”. وكما لم ترقني خرجة الأستاذ ابن كيران في الموضوع، بدا واضحا أن مقالي المعنون ب “عيطوا على أخنوش” -آنذاك- لم يرقه كذلك، إذ أخبرني خلال آخر زيارة لي له، بأنه يتذكر أنني انتقدته في مقال كتبته يتحدث عن موضوع المقاطعة، وقال لي بعفويته المعهودة: “آش داكم لشي مقاطعة.. أنتوما تابعين المجهول”. فيما بعد، وجدتني أقف معترفا بصوابية كلام ابن كيران، خاصة عندما لاحظت خمود “المقاطعة” بتلك السرعة الغريبة، مما جعلني أفهم أن “الظاهرة” لم تكن متعلقة بإرادة مجتمع بقدر ما كانت تعبر عن صراع قوى خفي بين أقطاب سياسية أو اقتصادية في الدولة، وفهمت جيدا ما قصده ابن كيران ب”المجهول”. اليوم خرج علينا ابن كيران بجرأته المعهودة، ليخبر المغاربة من تلقاء نفسه، بأن الملك منحه معاشا استثنائيا باعتباره رئيس حكومة سابق، من دون أن يطلب منه ذلك. هذا الكلام، أسال الكثير من المداد، خاصة مداد الأقلام التي عُرف عنها حرصها على استهداف زعيم “البيجيدي” حتى وهو صامت، حيث لم تتوقف الآلة الإعلامية عن دغدغة مشاعر المواطنين للنيل من رمزية الرجل، ولتصويره في صورة المستفيد مما أسماه البعض “ريعا سياسيا”. لكن الملاحَظ، هو أن الذين ينتقدون بن كيران لم يكلفوا أنفسهم عناء الإجابة عن الأسئلة البسيطة التالية: هل قام بن كيران بسرقة المال العام من ميزانية الدولة حين كان بإمكانه ذلك؟ هل قام بتوجيه طلب المعاش؟ هل استعطف أحدا؟ ثم حينما قرر جلالة الملك تخصيص معاش استثنائي له هل كان بإمكانه رفض المعاش الذي أقره الملك؟ أما السؤال الأهم والذي لم يكلف نفسه أحدا عناء الإجابة عليه إلى حدود الساعة، ولم أقرأ تحليلا رصينا له هو التالي: “لماذا قام بن كيران بإشاعة هذا الموضوع في الوقت الذي كان بإمكانه ستره؟! لماذا قال إن “الملك أرسل لي مستشاره السي فؤاد علي الهمة ليخبرني بموضوع المعاش الاستثنائي”؟ باختصار، نجد أن الكثيرين سقطوا ضحية التحليلات الشعبوية / “الشرقاوية” التي تحاول إخفاء البعد السياسي والرمزي وراء إعلان المعاش الاستثنائي أمام الملأ، والذي يعني في الجوهر تطوير التقاليد المرعية في الأعطيات السلطانية والقائمة أساسا على الستر والإخفاء مقابل الصمت والولاء. إذن، لماذا فضح ابن كيران كل شيء.. لماذا؟ هنا مربط الفرس ومفتاح الفهم.