التوثيق العدلي يعتبر محور أساسي في المنظومة القضائية، لكونه من المهن القانونية والقضائية التي تزاول في إطار مساعدي القضاء، هدفها الأساسي توثيق الحقوق والمعاملات، والحفاظ على أعراض الناس وأنسابهم، وتحضير وسائل الإثبات، التي تمكن القضاء من فض النزاعات والفصل في الخصومات. الوثيقة العدلية لها أهمية بالغة في الحياة العملية للأفراد فهو يحصل في وقت لا نزاع فيه، وفي وقت تقرر فيه الحقائق على طبيعتها وعلى أوضح صورها قطعا لأي نزاع مرتقب، ورأبا لأي صدع محتمل قد يضر بالأسرة والمجتمع والدولة عامة. فهو الملجأ الذي يطمئن إليه المغاربة في توثيق سائر معاملاتهم المتعلقة بالأحوال الشخصية والميراثوسائر التصرفات المدنية والعقارية والتجارية،كيف لا يكون على تلك الصورة وهوإحدى الدعامات الأساسية لضمان استقرار المعاملات، وتشجيع وجلب الاستثمارات، والمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ومساعدة القضاء على فض النزاعات والخلافات من خلال تمكينه من وسائل الإثبات. التوثيق العدلي على مر العصور يسعى دائما لأجل تثبيت القواعد القانونية الأسرية في مكانها الصحيح والأنسب، ويسعى دائما إلى تحقيق أمن الأفراد داخل الأسرة. فأين تجليات هذا الأمن الاسري في العلاقات التعاقدية التي يتولى العدول الموثقين مهام توثيقها وضبطها في المحررات الرسمية؟ هي تجليات عديدة غير محصورةنجدها موزعة على طولمحاور قانون مدونة الأسرة بداية من الكتاب الأول المتعلق بالزواج وانتهاء بالكتاب المتعلق بالميراث، فالزواج الجاري بين مغربيين مثلا،أو بين مغربي واجنبية التي يوثقها العدول تنشأ بواسطته مجموعة من العلاقات داخل الأسرة على نحو صحيح، فالعدل عندمايوثق هذه العلاقات لا يكون هاجسه التوثيق فحسب، ولا يقف عند حدود ما يوثق بل يمتد إلى استقراءأوضاع تلك الوثيقة مستقبلا التي من المفروض أن تكون خالية من أي نزاع مرتقب،لهذا دائما ما نجد العدل الموثق يستحضر كل الشروط الشكلية والموضوعيةلما سيوثقهلدفع أي نزاع على مادته ومن تم بلوغ الهدف الاسمى الذي هو استقرار العلاقات وبقاء المراكز على نحوها المعتاد. استحضار القواعد القانونية المنصوص عليها في القانون الأسري والقواعد المنصوص عليها في القواعد العامةكأركان الزواج من أهلية ومحل وسبب التأكد من وجود هذه الأركان هي من صميم المساهمة في تأمين الأسرة والمجتمع أيضا إذا كانت العلاقة التعاقدية تتعلق بالزواج، فالعدل في مثل هذه العقوديتأكددائما من مدى اقتران الايجاب بالقبول وتطابقها، ايجاب الزوج مثلا وقبول الزوجة في مجلس العقد دون أجل أو شرط واقف أو فاسخ. أيضا استحضار الشروط الموضوعية التي يقوم عليها الزواج تعد أيضا من تجليات الأمن القانوني والشرعي للأسرة ونقصد هنا بالشروط: شرط اهلية الزوجين، وشرط سماع العدلين للإيجاب والقبول،شرط انتفاء الموانع الشرعية، هذين الشرطين الاخيرين لا يحققان الامن القانوني للأسرة فحسب، وإنما يحققان أيضا أمنا شرعيا للأسرة لأن العقد هنا يكون وفق أحكام الشريعة الاسلامية. أيضا توثيق العقود ذات البعد المالي التي لها علاقة بشؤون الأسرةهي الأخرى تساهم في تحقيق هاجس الأمن القانوني للأسرة الذي عادة يشغل المشرعين، وهنا نتحدث عن العقود التي يتفق فيها الأزواج على تدبير الأموال التي تكتسب أثناء فترة الزوجية، فهذ النوع من الاتفاقات يشعر بها العدلان طرفي العقدفي مجلس العقد، ويوثقونها حال وجود ما يفرض توثيقها، فبدل اثارة النزاع حول نصيب كل زوج من هذه الأموال عند حدوث الشنآن، يتم تحديد ذلك سلفا في وثيقة مستقلة عن عقد الزواج للقطع مع أي نزاع محتمل يضر بأمن الأسرة داخل المجتمع. توثيق عقود الاراثات وعقود الاقرار بالنسب هي كذلك من صميم تحقيق الأمن الأسري لا تقل أهمية عن عقود الزواج، ولا تقل أهمية عن عقود تدبير الأموال المكتسبة أثناء فترة الزوجية، فعندما يقوم العدل الموثق بتوثيق اراثة ما، أو تلقي اقرار بنسبما فهو في ذلك يساهم في تحقيق الأمن القانوني لهؤلاء الورثة داخل الأسرة، وأمن الشخص الذي تم الاقرار بنسبه داخل الأسرة،وبالتالي يتم الحفاظ على المراكز القانونية لأولئك الاشخاص داخل المجتمع، ويتم صون حقوقهم وحفظها من الضياع، لأن الأسرة ما هي إلا صورة مصغرة للمجتمعيتأثر بما تتأثر به الأسرة. التوثيق العدلي عموما كان ولا يزاليساهم إلى حد كبير في استتباب الأمن القانوني داخل الأسرة، فمن خلال وثائقه التي لا حصر لها في شتى المعاملات الشخصية والماليةيتم القطع مع النزاعات المستقبلية التي تضر بمؤسسة الأسرة، ومن خلال وثائقه يتم قطع الشك باليقين وبالتالي رجوع الأطراف المتنازعة إلى مراكزهم المعتادة.