“العنف ضد النساء ضسارة والسكات عليه خسارة”، هكذا اختارت وزارة المرأة و الأسرة والتضامن أن يكون شعار الوصلة التحسيسية الخاصة بالحملة الوطنية السادسة عشر لوقف العنف ضد النساء التي تتناول موضوع “تعبئة مجتمعية للقضاء على العنف ضد النساء”. يبدو الشعار بعيدا جدا عن الهدف المعلن، ملفوظا وصورة، وفي تدخل الوزيرة التي اعتبرت قانون العنف الجديد “ثورة ثقافية وقانونية”، يبدو الشعار المختار في حالة شرود كبيرة، بل تناقض يكشف عن حقيقة العقلية التي لازالت تعتبر العنف بكافة أشكاله، مادامت الكلمة جامعة، مجرد “ضسارة”، يمكن التسامح معها أو التساهل بخصوصها أو حتى التغاضي عنها، أو اعتبارها جزء من الخطأ الوارد، الذي يمكن ان يقع فيه، عن رعونة أو طيش… المهم مجرد ضسارة، وليست جريمة كما أراد لها القانون الذي بشرت به الوزيرة.اين الثورة القانونية والثقافية في شعار مماثل؟، بل أين الوظيفة البيداغوجية لإعلان قيل عنه تحسيسي، كيف يمكن لاعلان وصلة اشهارية لشركة MIO، يدعو الى اقتناء أدنى الأشياء أهمية في حياتنا، مسحوق تنظيف ، أن يكون جذابا لدرجة دفع الجماهير الى الشراء والنقاش، فيما لا تستطيع وزارة “على قدها”، لها ما يكفي من الأطر والكفاءات والميزانيات أن تفشل في تصميم اعلان صغير تحسيسي تجاه العنف ؟ ، اذا كانت هذه الشركة التي تملك بالدرجة الأولى مرجعية الربح، استطاعت ان تبدع اشهارا برسائل حقوقية ومجتمعية، فكيف بوزارة تزعم أنها تنتصر لقضايا النساء، لا تستطيع ابداع وصلة تمرر رسائلها التحسيسية عن فظاعة العنف وتجريمه عوض التساهل معه ؟ في تفاصيل الوصلة التحسيسية، تبدو فتاة صغيرة في حجرتها، وهي ترسم وجوها مختلفة وعلى رأس الوجوه، وجه والدتها الملئ بالكدمات بفعل تعنيف الزوج ، تبدو البنت مذعورة من صراخ الأم وحين تفتح الباب، تقودنا الكاميرا لمشهد زوج يعنف زوجته ، فتعود الطفلة خائفة لغرفتها ورسوماتها، وتنتهي الوصلة بتلاوة الشعار “العنف ضد المرأة ضسارة، والسكات عليه خسارة” الذي يتوقف عند صورة زجاج مكسور على الأرضية. اين المرأة هنا، اين الضرر الذي يحدثه العنف على المرأة أولا، قبل أن نركز على الضرر النفسي الذي يلحقه بالأطفال الذين يكونون شهود عيان عليه..غابت المرأة لذاتها ومن أجل ذاتها، انها لا تحضر في الوصلة الا من أجل الحديث عن معاناة الابناء..صحيح جدا ما ترغب في دفعنا اليه الوصلة التحسيسية، الأثر الذ ي ينعكس على الأبناء، بشاعة الخوف والهلع، لكننا هنا، وللسياق والموضوع-اليوم العالمي للعنف ضد النساء-، حكمهما، نتحدث عن العنف الذي تكون ضحيته المرأة نفسها..لا حديث عن ذلك ولا رسالة ولا تحذير أو رسالة بيداغوجية ننقلها لجمهور الشاشات العريض وفيه الاميون وغير المتعلمين، والجهلة وفيه الكثير من الابوية والذكورية والعقليات التي تعتبر العنف ضد المرأة “طبيعيا”. ينتهي الاشهار نفسه بالتركيز على شظايا كأس مكسور…ما الذي تقودنا اليه الصورة الأخيرة من المشهد أن نعتبر النساء مجرد قوارير.؟، أليس ذلك من أدبيات الفكر التقليدي المحافظ، الذي ينتزع من الحديث والقرآن ،في قراءة تجزيئية، ما يوافق انساقه، أليست النساء شقائق الرجال، ألم يوص النبي الكريم بالنساء خيرا؟، لماذا التركيز على الزجاج المكسور ؟ ماذا ستفهم الفئات المستهدفة من الوصلة ؟ ان المرأة حساسة يسهل كسرها، بل يجب كسرها ؟، لا مجال هنا للحديث عن حقوق متساوية بين الجنسين دون الحديث عن تنميط لصورة المرأة الضعيفة وصورة الرجل القوي، مع أن الوزارة من جهة أخرى، لديها ميثاق ومرصد وبرامج لتحسين صورة المرأة في الاعلام. غابت فكرة التجريم التي يجب أن تكون مرتبطة بالقانون الجديد، وغاب التحسيس الواعي بفظاعة الفعل نفسه على المرأة قبل غيرها وان كان الأبناء، اذ في غياب الأبناء يمكن تبرير العنف، غاب الدور البيداغوجي الفعال والمطلوب لمناهضة العنف في العقليات..ولم تكن الوصلة للأسف… الا طلقة في فراغ.