مدينتي، وقد سئمت الحديث عن مشاكلها التي لا تعد على رؤوس الأصابع، ولا على رؤوس البهائم، فقد كان لي شرف التعبير عن ما يمكن الحديث عنه من هذه الإشكاليات، والتي من الممكن أن نتحدث عنها بشكل موسع ومدقق ومفصل، بعد مرور بعض السنين . ليس خوفا وليس بسبب عدم وجود معرفة مسبقة وأكثر تفصيلا بهذه المشاكل، وإنما لعدم وجود عقل بحجم أكبر ليستوعب حجم هذه المشاكل. وعقلي ، وقد حاول مرارا التعبير عنها قد صار مذ أن أصبح قادرا على استيعاب ما يحيط به من أمور ومسائل أكثر تعقيدا، لا يبالي بها ، وكأنها مشاكل جد عادية. وأنا أمرر نظراتي عبر الأزقة المنسية تحت عجلة تنمية هشة، يخالجني شعور بكون ما آلت إليه هذه المدينة لا يعنيني إلى حد ما، فكما لمكة رب يحميها ، لتاوريرت أيضا رب يحميها، وأنا لست سوى كاتب يحاول ضمادة جرح غائر في أعماق مدينته التي طالها النسيان، وسلاحي الوحيد قلمي أحيانا ، وأزرار الكتابة على الكمبيوتر أحايين أخرى. لتاوريرت حكاية، ولي مع تاوريرت حكايات، ولساكنتها وعالمها الأزرق حكايات وحكايات، ودوري في الحياة متوقف على متسع أكبر من الجاهزية المقترنة بحب أخوي لا ينضب. لتاوريرت يتسع الكون لجمع كل المعطيات المتعلقة بمشاكلها رغم صغرها، وهذا الأمر مسلم به، لأن مخلفات المجالس المنتخبة السابقة قد أحدثت ثغرا عميقا في بنيتها الهيكلية، وأملنا في المستقبل الذي يبدو انه يسير نحو الضوء، فشبابها قد أحس بمسؤولية جسيمة ملقاة على عاتقهم ، فأصبح الكل يخطو خطوة أو خطوات من أجل التحسيس والتوعية ، والمجلس الحالي قد أصر على معانقة الضوء ولو من بعض الجوانب، والمدينة ورغم ما تختزل من مشاكلها في أحيائها الهشة، فواقعها يسير نحو الضوء ولو ببطء. تاوريرت بين الأمس واليوم ، وعلى أرض الواقع يبدو جليا ورغم بطأها ،فإنها تسير نحو اتجاه يبدو من الوهلة الأولى أنه الطريق الصحيح، وقد لا يكون. عموما، إن المدينة التي أنجبت رجالا ونساء حققوا وحققن الكثير في مجالات عدة، هي الآن تراقب ومن بعيد ما آلت إليه الأوضاع الكارثية في بعض إن لم نقل في كل المجالات، من تراكمات سنوات وعقود من الزمن المظلم، قد يقول البعض أن تاوريرت عاجزة عن لملمة جراحها وضمادتها مرة أخرى، إلا أنني أقول أن تاوريرت هذه العروس التي بدأت تقول كلمتها ولو بشكل بطيء ، تسير نحو مستقبل جميل، ولن يكون هذا الأمر إلا بتضافر الجهود. تاوريرت الآن تسير نحو تعبيد نسبة كبيرة من الأزقة في بعض الأحياء التي يعتبرها سكانها من عصر ما قبل التاريخ، كمختار السوسي التي عنونها صديق لي بالجاهلية، لما لا ومعظم أزقتها من الطين لحدود كتابة هذه الأسطر ، والغريب في الأمر أن هذا الحي وغيره من الأحياء المهمة والتي تتواجد بها نسبة كبيرة من الساكنة التي يعتمد عليها في التصويت على ذوي نية “تعبئة البطون المتعفنة ” ، كانت ولا زالت لحد الآن الأحياء الأكثر أهمية أيام الانتخابات ، والأغرب من هذا أن الساكنة لم تستغل هذا الأمر لصالحها لتحسين الأوضاع التي أضحت منذ عقود أكثر تدهورا… يتبع