تجمهر سكان حي التقدم في تاوريرت عند بداية عشية يوم الأربعاء 5 يوليوز 2006، عند باب العمارة وأغلقوا منافذ الطريق من الاتجاهين والتحق بهم المارة والفضوليون، الذين ساهموا في الازدحام والتدافع وكثرة السؤال. كانت الأعناق ممدودة والأعين مشدودة. كانت الرؤوس المسحوبة إلى الأعلى تميل ذات اليمين وذات الشمال في حركة متكررة كمن يتتبع قذفات لاعبين في مباراة لكرة التنس. لكن المشهد كان غير ذلك، حيث كانت حركة الرؤوس تتبع خطوات «العيد» الذي كان يسير على حافة سطح عمارة من أربعة طوابق على بعد 15 مترا من الأرض. كانت «اللعبة» خطيرة ولم يكن أحد من المتفرجين على المشهد يفهم سببها ولا دوافعها ولا دواعيها. كان «العيد» يحمل بين ذراعيه رضيعة كدمية في يد طفل غير مسؤول ولا آبه بخطر موشك، لكنه كان واعيا بالخطر ويعرف موقعه في اللعبة جيدا ويظهر دوره في الواقعة جليا. لم يكن يبدو عليه هلع ولا فزع وكان ينظر إلى هؤلاء تحته بكل عجرفة وكبرياء، في الوقت الذي كانت القلوب منقبضة والأعصاب مشدودة، كلما لَوَّح «العيد» بقذف الرضيعة إلى أسفل. كان يشد عليها بيده اليمنى ويلوح بسيف باليد اليسرى ويصيح بعبارات لم يكن أحد يسمع كلماتها التي كانت تتبخر في الهواء على سطح البناية. هرعت إلى عين المكان عناصر الأمن الإقليمي تحت رئاسة رئيس المنطقة ونائب وكيل الملك في المحكمة الابتدائية لتاوريرت وباشا المدينة. كما استنفر مركز الوقاية المدنية مصالحه. اتخذ رجال الوقاية المدنية مكانهم في أسفل العمارة في محاولة لإيجاد حَلَّ دون أن تغفل نظراتهم ما يقع على سطح العمارة، فيما حاول رئيس الشرطة الدخول في حوار معه. «أنا غادي نرمي هاذ البنت اللي ماشي بنتي. أمها بغات تنسبها لي «وأنا ما حملهاش. هاذ البنت ماشي من صلبي. غادي نقتلها ونرمي راسي حتى أنا». بهذه العبارات، كان «العيد» يحاول أن يبرر أفعاله وأعماله. كانت مبررات قراراته، بالنسبة إليه، مرتكزة على يقين لا جدال فيه، إذ كان يرى في الرضيعة وصمة عار مرغت شرفه ولطخت نسبه. كان اعتقاده أقوى من كلمات مخاطبيه الذين كانوا يحاولون إقناعه بخطإ حكمه الذي تم بناؤه على هواجس ووساوس. وفي الوقت الذي اقترب رجال الشرطة من «العيد»، أقسم الأخير بإلقاء الرضيعة واللحاق بها، الأمر الذي جعل محاوريه يتراجعون إلى الوراء واستبدلوا الحديث بالمهادنة، لتهدئة حالته النفسية وتجنب أي رد فعل قد يؤدي إلى مأساة. طال الحديث واستمرت الوضعية أكثر من ثلاث ساعات وبدأ «العيد» يفقد جهوده وتخِرُّ قواه ويتشتت تركيزه. فكان يقعد تارة ويقوم أخرى، في الوقت الذي كان يمسك دائما بالرضيعة التي بدأت تصرخ من فرط الحر وشدة الجوع قبل أن ينهار ويقرر الاستسلام. انتهى المشهد التراجيدي بإنقاذ الضحية واعتقال الجاني وتمت إحالته على ابتدائية تاوريرت، بتهمة محاولة القتل في حق أحد الأصول قبل أن تقرر النيابة إجراء خبرة طبية لمعرفة ما إذا كان هذا الشخص يعاني من اضطرابات نفسية أو عقلية لتحديد مسؤولياته في الواقعة.