التواصل الفعال والايجابي له مواصفات كثيرة ومتعددة منها: ليس كل ما يعلم يقال. هذه قاعدة وضعها الامام الشاطبي رحمه الله تعالى ، وهو مصيب في ذلك، فليس كل هو حق و صواب يحسن نشره وإن كان من علم الشريعة، بل ذلك ينقسم ، فمنه ما هو مطلوب النشر، وهو غالب علم الشريعة، ومنه ما لا يطلب نشره بإطلاق، أو لا يطلب نشره بالنسبة إلى حال أو وقت أو شخص. ومن ذلك أن لا يذكر للمبتدئ من العلم ما هو حظ المنتهي، بل يربي بصغار العلم قبل كباره، وهذا هو العالم الرباني، والراسخ في العلم. وقد فرض العلماء مسائل مما لا يجوز الفتيا بها و إن كانت صحيحة في نظر الفقه. فما هو ضابط الأمر ، قال الشاطبي رحمه الله: و ضابط الأمر انك تعرض مسألتك على الشريعة، فإن صحت في ميزانها، فانظر مآلها بالنسبة إلى حال الزمان و أهله، فإن لم يؤد ذكرها إلى مفسدة ، فاعرضها في ذهنك على العقول، فإن قبلتها ، فلك أن تتكلم فيها إما على العموم إن كانت مما تقبلها العقول على العموم، وإما على الخصوص إن كانت غير لائقة بالعموم ، وإن لم يكن لمسألتك هذا المساغ، فالسكوت عنها هو الجاري على وفق المصلحة الشرعية والعقلية. و الأمثلة على هذا الأمر أكثر من أن تحصى وكلها ترجع إلى قاعدة النظر في المآل و كذا سد الذرائع، وقد ضرب الامام مالك رحمه الله تعالى في التطبيق العملي لهذا المنهج أروع مثال، قال ابن وهب قال مالك: سمعت من ابن شهاب أحاديث كثيرة ما حدثت بها قط و لا أحدث بها. قال الفروي فقلت له: لم؟ قال: ليس عليها العمل. وقال رجل لمالك: إن الثوري حدثنا عنك في كذا. فقال : إني لأحدث في كذا ، و كذا حديثا ما أظهرتها بالمدينة. وقيل له: عند ابن عيينة أحاديث ليس عندك فقال أنا أحدث الناس بكل ما سمعت؟ إني إذا أحمق. وفي رواية : إني أريد أن أضلهم إذا . ولقد خرجت مني أحاديث لوددت أني ضربت ( بضم الضاد) بكل حديث منها سوطا ولم أحدث بها، وإن كنت أجزع الناس من السياط. و لما مات وجد في تركته حديث كثير جدا لم يحدث بشيء منه في حياته.