مازالت قضية الصحراء المغربية، من القضايا الشائكة التيتَشْغَل حَيزا هاما من انشغالات الرأي العام الوطني والإقليمي والدولي، وتَستأثربجهد أكبر من قبل الدبلوماسية المغربية على مدار عقود خلت، فضلا عن استنزافها وتقويضها لسبل التنمية بمنطقة المغرب العربي. يبدو أن هناك جديداطرأ مؤخرا في مسارها السياسي، يتجلى في قبول المغرب للجلوس على طاولة واحدة مع جبهة البوليساريو الانفصالية في غضون الأشهر القليلة المقبلة ، وهو قرار إن صحت حيثياته، فقد يُشَكل مفاجأة للرأي العام المغربي، بالنظر إلى طبيعة الخطاب الرسمي، الذي عَبَّر في أكثر من مرة عن رفضه التفاوض مع الكيان الانفصالي، في ظل العودة إلى نقطة الصفر، بل هو مشروط ومرتبط أساسا بمسألة التفاوض على صيغة حل الحكم الذاتي كأعلى سقف يمكن التفاوض من أجله. لكن بالنظر للحدث في العمق، فقد يكون متوافقا مع خطوات المملكة المغربية الأخيرة، من خلال عودتها لمنظمة الاتحاد الأفريقي، على الرغم من استمرار تواجد جبهة البوليساريو كعضو بالمنظمة، وبالتالي ففتح باب المفاوضات بين الطرفين، ما هو إلا تحصيل حاصل. الموقف المغربي الرسمي، اعتبر بأن قبول الجلوس مع جبهة البوليساريو، لا يصل إلى مستوى التفاوض، بل هو بمثابة مباحثات في ظل اقتراح أممي بعقد مائدة مستديرة، وهو موقف قد يفهم من ورائه، تمرير رسالة مفادها، بأن المغرب لم يتنازل عن مواقفه، ولم يتراجع عن سقف شروطه، حتى لا يعطي الانطباع بأنها هزيمة دبلوماسية ونصر سياسي للطرف المعادي. لكن المتحدث الرسمي المغربي، لم يوضح طبيعة جدول أعمال هذه المائدة المستديرة، ما إذا كانت مشروطة بمناقشة اقتراح الحكم الذاتي كحل للتفاوض، أم أن هذه المباحثات لن تكون مشروطة، بل مفتوحة على كل الاحتمالات، وفي هذه الحالة، سيكون الطرفان، وكأنهما مدعوان لإيجاد حلول بديلة. المغرب ما زال يعتبر أن مفتاح الصراع بيد الجارة الجزائر، كطرف أساسي في هذه القضية المفتعلة، لذلك فهي تشترط حضور الجزائر في أية مبادرة من طرف المجتمع الدولي لحل هذا النزاع، الذي طال أمده. من جهة أخرى، جبهة البوليساريو، تعتبر موقف المغرب بقبول الجلوس مرة أخرى على طاولة واحدة، في عهد القيادة الانفصالية الحالية، بمثابة نصر سياسي كبير، وأن تحركاتها الاستفزازية في منطقة الكركارات، قد أتت أكلها، ونجحت في ممارسة ضغوط على المغرب للقبول بالتفاوض، وبالتالي الاعتراف بها ككيان سياسي قائم بذاته. كما تعتبر أن تواجد كل من دولتي الجزائر وموريتانيا في هذه المحادثات، لا يخرج عن الحضور بصفتهما مراقبين لمجرياتها، وبالتالي فهي تعتبر نفسها هي الطرف الوحيد في صراعها مع المغرب. إن المتتبع للسياق التاريخي للصراع، قد يرى أن هذه المفاوضات الجديدة المرتقبة، تحمل في جعبتها فشلا لتجارب سابقة، أبرزها سلسلة المفاوضات بين الأطراف في مانهاست الأمريكية بضواحي نيويورك سنة 2007 تحت إشراف ورعاية منظمة الأممالمتحدة، حيث ظل كل طرف متشبث بموقفه، فالمغرب يرفع شعار لا بديل عن صيغة الحكم الذاتي، في حين يتشبث الطرف الآخر بخيار الاستفتاء، مع إضافة مقترح الحكم الذاتي ضمن خياري الانفصال أو الانضمام إلى المغرب. يمكن الحديث عن معطيات جديدة، أبرزها صعود قيادة جديدة في صفوف الجبهة الانفصالية بقيادة إبراهيم غالي بعد وفاة زعيمها محمد عبد العزيز، وبالتالي هل تم حمل هذه القيادة الجديدة رؤى مغايرة لسابقتها، من أجل الوصول لحل لهذه القضية، أن مسارها لن يخرج عن خط سياستها التقليدية، من خلال التعنت في مواقفها، والتهديد بالحرب. أجل، ربما سيكون المبعوث الأممي الجديد هورست كولر أكثر تفاؤلا، وهو الذي تمكن من إقناع الأطراف بالجلوس على طاولة واحدة، لأول مرة منذ مدة ليست بالهينة، وهو ما فشل فيه مبعوثون أمميون سابقون، وقد تكون الظرفية السياسية الحالية، قد ساعدته في ذلك، بالنظر إلى حدة الصراع بين المغرب وجبهة البوليساريو على الحدود االفاصلة بين المغرب والجزائر، الذي كان سيؤدي إلى قيام حرب بين الطرفين، وهو ما ترفضه الأطراف الدولية، التي هي في غنى عن حروب مسلحة، قد تؤدي إلى التسبب في هجرات جماعية إلى الحدود الأوروبية. قد يرى المتتبعون أن قبول المغرب للعرض الأممي بفتح باب المحادثات مع جبهة البوليساريو، ربما يأتي كإجراء تكتيكي، مراميه تسير في اتجاه إبداء حسن النية في مساعدة الجهود الأممية لحل هذا الصراع، خصوصا وأن تواجد القبعات الزرق الأممية، يرتبط بمدى وجود مؤشرات رغبة الأطراف في التسوية، حيث أن الأممالمتحدة ومعها الدول المانحة، ذاقت ذرعا من استمرار إنفاق الأموال على القوات الأممية في ظل صراع، يمكن أن يكون مصيره النفق المسدود. ثمة سياق دولي بمتغيرات جديدة، أبرزها وصول الرئيس الأمريكي المثير للجدل، دونالد ترامب، وبالتالي فالحليف الأمريكي التقليدي للمغرب من الصعب ضمان مواقفه، في الظرف الراهن، بالنظر إلى مواقف قيادته، التي تركن إلى تقديم مصالحها المادية، على أية اعتبارات أخرى، خصوصا وأن المغرب كان يدعم هيلاري كلينتون في سباقها الرئاسي مع دونالد ترامب، الذي يرفع شعار الدعم والحماية مقابل المال، بدأها مع شمال الحلف الأطلسي بأوروبا، وتلاها مع المملكة العربية السعودية، ولا ندري في المستقبل على من سيأتي الدور. يمكن القول أيضا، أن الظرف السياسي الداخلي في المغرب، يعرف مشاكل وأزمات سياسية واجتماعية واقتصادية مقلقة، وبالتالي فقضية الصحراء المغربية، دائما كانت فرصة مواتية لخلق جو من الإجماع الوطني، وترسيخ ثقافة أولوية قضية الصحراء المغربية على باقي القضايا الأخرى، لكون حدث المفاوضات هو الأهم، والشاغل الرئيسي للرأي العام، وما على المشاكل الأخرى إلا رمي مصيرها على ظهر المستقبل، وهو شيء يمكن أن يكون مشابها بالنسبة للجارة الجزائر الداعمة التاريخية للجبهة، التي تعيش فراغا سياسيا واضحا، مع مرض رئيسها الحالي، وتستغل هذه القضية من أجل إلهاء رأيها العام، وضمان سيطرة الفكر العسكري على أجهزة حكمها، التي لا هم لها سوى التسلح، بدعوى حماية أمنها من غريمها المغرب. في الإطلالة على استشراف أفق هذه المفاوضات، يمكن القول بأنها لن تغير في الأمر من شيء، ولن تزحزح الأطراف عن مواقفها المعتادة والمتباعدة، مما قد يمدد في أمد الصراع، ويرمي بالمنطقة إلى مستقبل مجهول.