مضت سنتان تقريبا على انطلاق ثاني تجربة حكومية يقودها حزب العدالة والتنمية في المغرب، وهي مدة تبدو كافية إلى حد ما لتقييم العرض السياسي لحزب لايزال يشكل رقما مهما في المعادلة السياسية بالرغم مما تعرض له من هزات، كان أشدها إزاحة أمينه العام السابق الأستاذ عبد الإله بنكيران عن رئاسة الحكومة بعد انتخابات اكتوبر 2016، وهي الخطوة التي تجرعها أعضاء الحزب ومناصروه بكثير من المرارة. يمكننا، من الناحية المنهجية، تقييم العرض السياسي الحالي للحزب من خلال مرجعيتين اثنتين؛ الأولى أن نناقش هذا العرض في ضوء البرامج والمشاريع والوعود التي تقدم بها الحزب للمواطنين في أدبياته وبرامجه وخططه الانتخابية، والثانية أن تتم مقارنة التجربة الراهنة بتجربة أخرى سابقة تحضى بالرضى داخل وأوساط الحزب وخارجه. فإذا كان المدخل الأول يتسم بطبيعته المعيارية المتطلعة لما ينبغي أن يكون عليه الحال لا ما هو كائن، فإن المسلك الثاني يبدو أكثر واقعية وتساوقا مع الواقع المرتبك للنسق السياسي المغربي، وهنا لن نجد أفضل من تجربة الحزب في التدبير الحكومي للفترة 2012 – 2016 كوضعية مرجعية للمقارنة بالنظر لحالة الرضى التي حازتها داخل الحزب وخارجه. لقد تميز العرض السياسي الذي رسخه حزب العدالة والتنمية خلال المرحلة السابقة بأربعة مقومات أساسية وهي التموقع الفريد، والتمايز المؤسسي، والفعل المبادر، والعمق النضالي. فما المقصود بكل مقوم من المقومات المذكورة؟ 1- التموقع الفريد: نقصد بالتموقع الفريد قدرة الحزب على التموقع داخل الساحة الحزبية بشكل فريد رغم انه يقود التحالف الحكومي، حيث نجح في إيجاد موقع وسط حافظ فيه على مسافة معقولة بين مقتضيات الدولة وإكراهات التدبير الحكومي من جهة، وبين تطلعات الشعب ومتطلباته من جهة أخرى، وهي معادلة صعبة في نسق سياسي مغربي ألف المتحكمون في دواليبه أن يرسموا لكل مكون سياسي موقعا داخله لا يمكنه تغييره دون إذنهم أو إرادتهم. 2- التمايز المؤسسي: ونعني به نجاح الحزب في قيادة العمل الحكومي بأسلوب جديد شكل البداية الأولى لمحاولة الفصل بين ادوار المؤسسات الدستورية، مستثمرا ما وفره دستور 2011 من مساحات لفعل حكومي مستقل عن أي تدخل من اي جهة أخرى، حيث بدأ المغاربة يشعرون فعلا ان رئيس الحكومة يريد ان يكون رئيسا فعليا للحكومة، يقبل ويرفض وأحيانا يخضع، لكن كل ذلك بإرادته لا بإرادة غيره. 3- الفعل المبادر: ويجسده السبق والفعل المتحلي بكثير من الجرأة والشجاعة والمبادرة في الخطاب والممارسة، وقد برز ذلك في الخروج المستمر لزعيم الحزب ليدافع بشراسة عن اختيارات حكومته على الرغم من قساوة بعضها، تسعفه في ذلك قدراته التواصلية التي جمعت كل المتناقضات؛ الجدية والسخرية، الحذر والعفوية، التحفظ والصراحة، فلم يكن في الغالب ينتظر ليبرر قرارا او موقفا، بقدر ما كان يبادر للتعريف بما يعتزم فعله مهما كانت نتائجه وآثاره. 4 – العمق النضالي: ويعني ان العرض السياسي السابق عرض مناضل في عمقه، حيث تحقق له الانغراس في وجدان جزء كبير من أبناء المجتمع، خاصة لدى الشرائح المهمشة التي لم تنل حظها من السياسات العمومية، فكان الاستاذ بنكيران يدير الحكومة لخمسة أيام، ثم يتحول يومي السبت والاحد إلى مناضل شرس يجوب المدن والقرى فيجتمع حول الناس في الساحات العامة ليخطب فيهم ويحدثهم بما لم يستطع معارضوه قوله، وهو ما جعله أقرب رجال الدولة إلى قلوب المغاربة، فمنحوه ثقتهم في استحقاقات متتالية، ولم تكبحه سوى فرامل البلوكاج. لقد اقنع العرض السياسي السابق لحكومة العدالة والتنمية شرائح واسعة من المغاربة، ليس لحصيلته، وإنما لروح الثقة والامل التي بثها في المجتمع، والمرتكزة على المقومات الاربعة السالفة الذكر. فهل يمكن، بغير تلك المقومات، أن يتحقق لحكومة الدكتور سعد الدين العثماني ما تحقق لحكومة سلفه الاستاذ عبد الإله بنكيران؟ أم على حزب العدالة والتنمية أن يعيد النظر في عرضه السياسي من جديد؟ * عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية ونائب برلماني