أفرزت النتائج النهائية لانتخابات السابع من أكتوبر فوزا سياسيا ورقميا كبيرا لحزب العدالة والتنمية الذي حصل على 125 مقعدا، ما يعني أن الحكومة المقبلة ستكون بقيادته طبقا لنص الدستور في الفصل 47 منه. ورغم كثافة اللحظة السياسية، لأن فوز «البيجيدي» ألحق خسارة سياسية كبيرة بغريمه حزب الأصالة والمعاصرة، إلا أن رسم سيناريوهات الحكومة المقبلة بات أحد التساؤلات الأكثر أولوية على مستوى الرأي العام. محددات التحالفات سؤال التحالفات يطرح أولا البحث في محدداتها. محمد رضى، مهندس مختص في السياسات العمومية، نبّه إلى ضرورة التريث «قبل الانخراط في لعبة رسم السيناريوهات بناء على النتائج الرقمية، يجب استبطان اللحظة السياسية»، ويضيف شارحا ثلاث خلاصات سياسية للنتائج المعلن عنها، على اعتبار أنها مؤثرة في أي تحالف ممكن، الأولى أن فوز العدالة والتنمية «كان فوزا سياسيا قبل كل شيء. ويعني ذلك أن العبء الرئيسي في بناء التحالف الحكومي المقبل يقع على المنهزمين، وليس على بنكيران. شباط (الأمين العام لحزب الاستقلال) يجب أن يبحث عن مخرج لوضعه المتدهور، وكذلك لشكر (الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي)، والآخرون جميعا». الخلاصة الثانية تتعلق بالوضع السياسي الذي أفرزته النتائج، «يجب أن ننتبه إلى أن هناك هزيمة سياسية قاسية لحزب الأصالة والمعاصرة، ولكل القوى التي تعاونت معه لإلحاق الهزيمة بحزب العدالة والتنمية. هزيمة «البام» سياسية بالدرجة الأولى، ولن تسعفه الأرقام في الخروج منها، بينما خاض حملة انتخابية على أساس الفوز بالمرتبة الأولى». الخلاصة الثالثة أن «النتائج الكارثية لكل الأحزاب الأخرى ستدفعهم إلى مراجعة حساباتهم، والتخلص من معاداة حزب العدالة والتنمية، إذا هم رغبوا في إنقاذ أنفسهم من الموات. لن يسعفهم حصول «البام» على 102 مقاعد، لأنه رقم لن يفيده في شيء إذا استمر في المعارضة خلال الخمس سنوات المقبلة». الخلاصة التي يدعو محمد رضى إلى استحضارها تقول «إننا أمام متغيرين: الأول متعلق برئاسة الحكومة بقيادة العدالة والتنمية، وهو «متغير نوعي قوامه لحظة ونفسية الانتصار التي سيخوض بها المرحلة المقبلة، على بنكيران نفسه أن يستحضرها وإلا أثرت على قدرته التفاوضية». وهذا المحدد يأتي قبل «المتغير الثاني المتعلق بالأرقام، والذي ينطوي على وضعية ونفسية الهزيمة في الصف الآخر». من جهته، توقف محمد مدني، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بكلية الحقوق أكدال بالرباط، عند محددات أخرى حاسمة أو تؤثر بدرجة معينة في تشكيل الحكومة المقبلة. المحدد الأول بالنسبة إليه يتعلق «بوجود ضوء أخضر من القصر بالنسبة للأحزاب التي ستكمل الائتلاف الحكومي»، وأضاف «في أي سيناريو ممكن، لابد من ضوء أخضر من القصر». ويرى مدني أن «المعطى الذي يغيب عنا الآن هو ماذا يريد القصر؟» مؤكدا أن «المعطيات المتوفرة لا تسمح لنا بمعرفة إرادة القصر، وكيف ينظر إلى دوره في المرحلة السياسية، وإلى تموقعه في النسق الحزبي والسياسي. هذه معلومات استراتيجية لا نعرفها. وإن كان القصر سيأخذ بالنتائج المعلنة طبعا». المحدد الثاني في تشكيل الحكومة المقبلة، في تصور مدني، يرتبط كذلك «بالتفاعلات التي ستخلفها نتائج الاقتراع على القوى المحلية والجهوية والدولية. والمدلول الذي سيُعطى للنتائج المعلنة»، مؤكدا أن «تشكيل الحكومة سيأخذ بعين الاعتبار مواقف دول الخليج، وفرنسا وإسبانيا وأمريكا، وإن كنا لا نعرف درجة هذا التأثير». سيناريوهات محتملة في ضوء تلك المحددات جميعها والتي تؤثر بنسب مختلفة على المواقف والنفسيات وعلى القدرة التفاوضية لمختلف الأطراف كذلك، يبدو أن أي سيناريو محتمل بناء على النتائج الرقمية نسبي جدا. السيناريو الأول: اتجهت أغلب الآراء التي عبرت عن نفسها على صفحات التواصل الاجتماعي في اليوم الموالي للاقتراع إلى ترجيح سيناريو تشكيل حكومة رباعية تضم حزب العدالة والتنمية ب125 مقعدا، وحزب الاستقلال ب46 مقعدا، والحركة الشعبية ب27 مقعدا، والتقدم والاشتراكية ب12 مقعدا، بمجموع قدره 210 مقعد، ويعادل ذلك أغلبية مريحة نسبيا الأغلبية 198 مقعدا). يرى عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ القانون العام بكلية الحقوق سطات، أن هذا «السيناريو ممكن جدا»، لاعتبارات منها أن الأحزاب الثلاثة عبّرت صراحة أو ضمنا عن رغبتها في الاستمرار ضمن التحالف الحالي، ويتعلق الأمر بالعدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية والحركة الشعبية. أما حزب الاستقلال فسيجد نفسه مرغما على البحث عن موقع في الحكومة المقبلة، لاعتبارات رئيسية أهمها أنه «لم يستفد أي شيء خلال وجوده في المعارضة، ومن تنسيقه مع حزب الأصالة والمعاصرة»، كما أن بلاغ المجلس الوطني للحزب بتاريخ 25 يونيو 2016 أعلن صراحة «اصطفاف الحزب إلى جانب القوى الديمقراطية الحقيقية»، ردّا على التضامن والتأييد الذي قدّمه كل من حزب العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية لمرشح الحزب لرئاسة مجلس المستشارين. هناك عامل ثالث سيدفع نحو انضمام حزب الاستقلال لحكومة يقودها العدالة والتنمية، يتعلق بالانحياز الواضح والمعبر عنه من قبل أغلب قادة الحزب، خصوصا حمدي ولد الرشيد رئيس جماعة العيون، وتيار «بلا هوداة» الذي تزعمه عبد الواحد الفاسي، في مقابل تراجع وضمور التيار الذي دافع عن تحالف الاستقلال مع الأصالة والمعاصرة ممثلا في بعض القيادات مثل كريم غلاب وياسمينة بادو. ويضيف محمد مدني أسبابا أخرى قد تدفع قيادة حزب الاستقلال إلى الحكومة المقبلة، منها «وضعية ومصلحة القيادة الحالية التي ستطمح إلى البحث عن طريقة ناجعة للحفاظ على مواقعها وضمان استمراريتها». السيناريو الثاني: يرجح استمرار الحكومة الحالية المنتهية ولايتها، أي الأحزاب الثلاثة ممثلة في العدالة والتنمية، والتقدم والاشتراكية، والحركة الشعبية، إضافة إلى حزب التجمع الوطني للأحرار(37 مقعدا)، وتتوفر الأحزاب الأربعة على أغلبية مريحة نسبيا عددها 201 مقعد. يقوم هذا السيناريو على أن الانتصار السياسي والرقمي لحزب العدالة والتنمية، هو بمثابة «تجديد للثقة في الحكومة الحالية». ما يدفع إلى هذا الافتراض أن حزب الأحرار، وإن عبّرت قيادته عن ميل واضح نحو التحالف بحزب الأصالة والمعاصرة، فإنها لن تعلن صراحة ورسميا مواقف تخرجها من إمكانية التحالف، كما هو الحال مثلا مقارنة بالاتحاد الاشتراكي. وظلت تدافع عن رؤية للتحالفات الحكومية مفادها أن النتائج الانتخابية هي التي ينبغي أن تحدد وليس الاتفاقات القبلية. غير أن ما يدفع البعض إلى استبعاد هذا السيناريو هو دور المعارضة الذي مارسته قيادة الأحرار من داخل حكومة بنكيران المنتهية ولايتها، وبسبب التصريحات التي عبّر عنها عزيز أخنوش، المحسوب على الأحرار، في حق حزب العدالة والتنمية خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، والتي ذهبت إلى حد التحريض «العرقي» ضد حزب العدالة والتنمية في جهة سوس. أما السيناريو الثالث فيذهب إلى إمكانية أن تضم الحكومة المقبلة خمسة أحزاب وليس أربعة فقط، أي أن تضم حزبي الاستقلال والأحرار معا إلى جانب الأحزاب الثلاثة الأخرى (العدالة، والتقدم والاشتراكية، والحركة الشعبية)، ما يعني تشكيل حكومة بأغلبية مريحة جدا (247 مقعدا). لاعتبارات أهمها تجنب أي أزمة حكومية مرة أخرى كما حصل سنة 2013 حينما انسحب حزب الاستقلال في منتصف الطريق، وثانيا من أجل أن يحتفظ حزب العدالة والتنمية بعلاقات جيدة مع جميع الأحزاب التي اشتغل معها، استنادا إلى منطق شعار «الوفاء للحلفاء» الذي رفعه أكثر من مرة خلال الولاية الحكومية المنتهية. هناك سيناريو رابع آخر قد يحدث، وقد تكشف عن ملامحه المواقف المتوقعة لمختلف الأحزاب السياسية خلال الأيام المقبلة من نتائج الاقتراع، ويتعلق الأمر بتشكيل حكومة من ستة أحزاب، أي الأحزاب الخمسة المذكورة (العدالة والأحرار والاستقلال والحركة والتقدم)، إضافة إلى الاتحاد الاشتراكي، على أن يكون الهدف السياسي هو عزل حزب الأصالة والمعاصرة وحيدا في المعارضة. محمد مدني يرى أن المعلن صراحة لحد الآن وخلال المرحلة السياسية الجارية، أن «الاتحاد الاشتراكي أبان عن نوع من التبعية في المواقف لحزب الأصالة والمعاصرة»، لكن «هل هي تبعية نهائية؟، ألن تقع انتفاضة ضد قيادة الاتحاد بسبب النتائج المحصل عليها؟، هذا سؤال ستجيب عنه الأيام القادمة». الواقع اليوم يشير إلى أن الاتحاد الاشتراكي يوجد منذ إعلان نتائج الاقتراع في موقع صعب جدا، يفرض عليه الاختيار بين مسارين: إما الاستمرار على درب النهج السياسي السابق الذي سار فيه، وهو التموقع إلى جانب حزب الأصالة والمعاصرة في المعارضة المقبلة. أو أن يعيد حساباته على اعتبار أن التموقع إلى جانب «البام» لم يستفد منه شيئا. يرجح عبد الحفيظ اليونسي أن يستمر الاتحاد الاشتراكي في نفس المسار إلى جانب «البام»، والسبب في ذلك أن القيادة الحالية برئاسة إدريس لشكر «قيادية إيديولوجية كارهة للإسلاميين عموما، ولحزب العدالة والتنمية بالخصوص». ويرى اليونسي أن تغيير تموقعها ممكن «في حالة أقدم لشكر على تقديم استقالته وفقا للمنطق الديمقراطي، بما أنه مسؤول مباشر عن النتائج الكارثية (20 مقعدا) التي حصل عليها». السيناريو الخامس وهو من الاحتمالات التي يروّجها بعض «المحللين»، تذهب إلى إمكانية أن «يتم فرض تحالف بين حزب العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة». في نظر عبد الرحيم العلام، أستاذ العلوم السياسية، فإن «الدولة جربت جميع الوسائل لإفشال حزب العدالة والتنمية، وبما أن هذا الأخير نجح في تجاوز كل العراقيل وحقّق الانتصار، فهو سيكون ملزما بالتحالف مع حزب الأصالة والمعاصرة لكونه يمثل حزب الدولة». ويعتبر العلام أن هذا السيناريو «راجح جدا»، على اعتبار أن حزب الأصالة والمعاصرة أثبت أنه «ليس حزب معارضة»، ولأنه سيجد نفسه خلال الفترة المقبلة أمام خيارين: إما المشاركة في الحكومة حتى يستطيع البقاء، أو أن يفرض عليه الواقع التلاشي والاختفاء من المشهد السياسي. ورغم أن هذا السيناريو يبدو مغريا لأكثر من محلل سياسي، إلا أن الرجوع إلى تصريحات قادة الحزبين على الأقل يظهر أن كلاهما يرفض التواجد مع الآخر في حكومة واحدة. محمد مدني نبّه في هذا السياق إلى أن البعض ينطلق في الترويج لهذا السيناريو من مقولة «إن كل شيء ممكن في السياسة»، لكن «هناك معطيات تفرض نفسها على المقررين أيضا، فالمقررون ليسوا أحرارا في رسم السيناريو الذي يحلو لهم، لأن تصويت المواطنين يعتبر عنصرا حاسما في أي معادلة، والبعض ربما ينسى أن يضع هذا العنصر بعين الاعتبار». بمعنى أن أي تحالف يجب أن يحترم إرادة الناخبين، الذين اختاروا بين حزبين أعلنا عن رغبتهما تصدر النتائج هما: حزب العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة، وقد اختاروا ديمقراطيا الحزب الأول. هناك سيناريو سادس ممكن الوقوع، أن يفشل بنكيران بعد تكليفه برئاسة الحكومة في تشكيل تحالف بسبب رفض الأحزاب. كان مصطفى السحيمي، محلل سياسي وأستاذ القانون الدستوري، قد توقع مثل هذا السيناريو في تصريح له لمجلة «جون أفريك» الأسبوع الماضي. وهو احتمال قد يحدث إما بسبب الاعتراض على شخص بنكيران أو لإجبار حزبه على التحالف مع «البام» في حكومة واحدة. بنكيران ردّ شخصيا على هذا السيناريو بقوله خلال تجمع انتخابي بتارودانت، «إذا لم ننجح في تشكيل الحكومة، سنعود إلى الشعب»، لكن هناك خيار آخر تم الترويج له من قبل خصومه أساسا، وهو أن يتم المرور إلى الحزب الثاني حسب نتائج يوم الاقتراع. الرجوع إلى كلا الخيارين يتطلب وفق، عبد الرحيم العلام، العودة إلى المحكمة الدستورية، بسبب أن هناك فراغا دستوريا بخصوص مثل هذه النازلة. فالمحكمة الدستورية هي التي «ستقول لنا إما إعادة الانتخابات أو جواز تعيين رئيس الحكومة من الحزب الثاني»، مبرزا أن «المحكمة الدستورية ستعبر في نهاية المطاف عن الإرادة الملكية». لكن قرار إعادة الانتخابات مرة ثانية يراه محمد مصباح، باحث مشارك في معهد «شاتام هاوس»، مستبعدا «نظرا لكلفته السياسية على النظام السياسي ككل»، مؤكدا أن «أن الجميع سيسعى لتفادي اتخاذ قرارات قد ترجع العداد إلى الصفر أو قد تؤزم الوضع». أما الخيار الثاني، أي المرور إلى الحزب الثاني الذي هو «البام» فهو «حل صعب»، وبحسب العلام «سيصبح الإشكال سياسيا وليس قانونيا، إذ سيظهر أن ضغوطا مورست على الأحزاب لكي لا تتحالف مع بنكيران، من أجل فسح الطريق أمام البام. وسيبدو أن هذا الحزب قد أخذ بالتحالفات ما لم يحصل عليه في نتائج الاقتراع». كما أن الملك محمد السادس «سيجد نفسه وكأن يقف في وجه الإرادة الشعبية» التي صوتت لحزب العدالة والتنمية.