إسبانيا تجدد دعمها لمبادرة الحكم الذاتي كحل واقعي للنزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية    الصين تدعو واشنطن للكف عن الضغوط وتؤكد استعدادها للتعاون دون تنازل عن مصالحها    هل يسرع تصنيف المغرب ضمن الدول الآمنة ترحيل المهاجرين من أوروبا؟    في اجتماع بوزارة الداخلية.. تحضيرات مكثفة واستثمارات كبرى: المغرب يسرّع وتيرة الاستعداد لاحتضان كأس الأمم الإفريقية 2025    ضحايا زلزال الحوز حاضرون في الأنشطة الخيرية ل"جمعية ماراطون الرمال"    تطوان .. توقيف شرطي ضمن شبكة لترويج المخدرات    "التراث الثقافي المغربي في سياق الذكاء الاصطناعي ومقاربة الهوية الإفريقية" محور ندوة علمية    تعيين مدراء جدد لمراكز دراسات الدكتوراه في جامعة شعيب الدكالي    الصناعة التقليدية المغربية تطرق أبواب العالمية من خلال اتفاقية جديدة    تراجع جديد في أسعار المحروقات بمحطات الوقود    بوريطة: علاقات المغرب وإسبانيا إيجابية.. والحكم الذاتي يحظى بإجماع دولي    آيت ملول تحتضن مهرجان سينما الأسرة    المندوبية السامية للتخطيط…توقعات بمعدل نمو يصل إلى 3,8 في المائة خلال الفصل الثاني من سنة 2025    وزارة الصحة والحماية الاجتماعية تخلد اليوم العالمي للهيموفيليا    العمال الموسميون يرفعون حالات الإصابة ببوحمرون بإسبانيا    رسميا.. فيرجيل فان دايك يجدد عقده مع ليفربول    الاتحادات الكروية ترفض مقترح أمريكا الجنوبية المتعلق بتنظيم كأس العالم 2030 بمشاركة 64 منتخبا    بلقشور يعلن عن رفع المنع في حق حسنية أكادير ويؤكد أن العصبة ستقوم بتسوية الملفات المتبقية    "كان" الشباب... الاتحاد الإفريقي يعلن عن برنامج مباريات المنتخب المغربي    محمد السادس للرئيس السوري أحمد الشرع: أنتم تديرون هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ بلدكم الشقيق    وزارة الداخلية تتخذ قرارا مفاجئا في حق "قائد تمارة"    فرقة الأخلاق العامة بطنجة توقف أزيد من 20 شابة للاشتباه بقيامهنّ ب "الدعارة والفساد"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    إسبانيا: "الحكم الذاتي" يظل الحل الأكثر مصداقية وجدية لتسوية النزاع حول الصحراء    أكثر من 20 قتيلا ضمنهم أطفال في قصف همجي إسرائيلي على مخيم نازحين    بعد "ميتا" و"إكس".. "تيك توك" ينضم إلى محاربة المعلومات المضللة    سعد لمجرد لن يشارك في الدورة 20 من موازين    خطابي: الإعلام العربي يتصدى للعدوان    قيوح يستعرض تجربة المغرب في تطوير النقل الجوي خلال مؤتمر "الإيكاو"    نصائح طبية لمرضى حساسية الحيوانات الأليفة دون الحاجة للتخلي عنها    شي جين بينغ يجري مباحثات مع رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم    الفرق المتأهلة ومواعيد مواجهات نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    هيئة حقوقية تندد بتوالي حوادث العنف داخل المؤسسات التعليمية    جيتكس إفريقيا المغرب، منصة استراتيجية لتطوير المقاولات الناشئة الشابة بالقارة (منظمة Open Startup)    مغربيات يتظاهرن في سلا تضامنا مع المرأة الفلسطينية ورفضا للعدوان على غزة    تقرير: المغرب في المرتبة 81 عالميا من حيث زخم التحول الرقمي    قبل 17 سنة الاستخبارات الأمريكية توقعت عالم 2025.. نضوب المياه العذبة يُهدد المغرب    رئيس برلمان أمريكا الوسطى في زيارة للعيون    بنك المغرب بالجديدة يستقبل في لقاء تربوي    هيومن رايتس ووتش: السلطات التونسية حولت الاحتجاز التعسفي إلى ركيزة أساسية في "سياستها القمعية"    أمريكا.. إلغاء الامتيازات الصحفية لوكالات الأنباء الكبرى    المغرب يتقدم الدول العربية على صعيد القارة الإفريقية في تعميم التغطية الصحية    مقدم شرطة رئيس يطلق النار لمنع فرار سجين كان رهن المراقبة الطبية بالمستشفى الجامعي بمراكش    تأهل المنتخب الوطني لكرة القدم لأقل من 17 سنة إلى نهائي كأس إفريقيا..نادي موناكو يشيد بأداء موهبته إلياس بلمختار    أديس أبابا- اللجنة الاقتصادية لإفريقيا: اجتماع لفريق الخبراء تحت الرئاسة المغربية لدراسة واعتماد التقرير الإفريقي حول التنمية المستدامة    البندقية تنفتح على السينما المغربية    دوائر أمنية بالجديدة في وضع مقلق... مطلب استعجالي لإعادة الإعتبار لهذا المرفق الحيوي    "تمغرابيت" تزين معرض الكتاب في باريس .. إبداع وذاكرة وشراكة متجددة    تسجيل ثالث حالة إصابة بداء الكلب في مليلية خلال أقل من أسبوعين    كلمة : البرلمان.. القضايا الحارقة    جامعة عبد المالك السعدي تُثري فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب ببرنامج ثقافي متنوع في دورته ال30    هل ما زال للقصائد صوت بيننا؟    كلب مسعور على حدود المغرب .. والسلطات الإسبانية تدق ناقوس الخطر    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



“بيت من قماش”.. القلق والسّؤال وهجاء الواقع الأديب نضال البزم في مجموعته القصصيّة
نشر في العمق المغربي يوم 08 - 09 - 2018

المجموعة القصصية” بيت من قماش” للأديب الأردنيّ نضال البزم هي رشفة من العيار المرّ الموجع من ترياق القلق والسّؤال وهجاء الواقع،وفيها حراك حقيقيّ بقوّة تأثير هذا التّرياق،وهو بذلك يقدّم طريقته السّرديّة الخاصّة في سبر أزمات الواقع ومآزقه وإكراهاته ومباغتاته الخانقة؛ليشرك المتلقيّ في نسيج سرديّ جميل بمعطيات واقعه الذي يربأ به على أن يكون صوراً هلاميّة مشوشة لا يُدرك كنه تفاصيلها؛ولا غرو في ذلك إذ إنّ الملتقيّ العربيّ هو المتأثّر-شئنا أم أبينا- بواقع هذه التّفاصيل،وقد يكون –في حقيقة الحال- أشدّ المتأثرين بمخاضاته لا سيما على المستوى الاجتماعيّ والسياسيّ بإفرازاتهما جميعها من معطيات وأحداث وإكراهات ونتائج.
ومنذ البداية يواجهنا نضال البزم في قصّة ” ربيع أسود” بقلق الأسئلة حول ما يسمّى بالرّبيع العربيّ،ويهجو صراحة المعطيات والجهات التي أفرزت هذا الرّبيع المزعوم بما حمل من كوارث وويلات ومعاناة وخسائر على المنطقة وعلى الإنسان العربيّ،مخيباً آماله بما كان يُرتجي ويأمل وينشد من هذا الرّبيع.وهو يحمّل هذا القلق والهجاء وتواتر الأسئلة دون إجابات حاسمة مانعة للطّفل الصّغير “أحمد،ويشركه-بشكل مأساويّ محبط- في تحمل جزء من ذاكرة هذا الظّرف القلق الذي مرّ على المنطقة،ليقع ضحية من ضحاياه،وينجو من الموت بأعجوبة في خضمّ اضطراباته.
أمّا في قصّة “الصّديق الافتراضيّ” فهو يضعنا مباشرة أمام ذلك التّخبط والضّياع الالكترونيّ الذي انزلق الكثيرون فيه،كما انزلقت فيه “سلمى”بطلة قصّته”؛إذ خسرت الكثير من قيمها ومبادئها وسعادتها الأسريّة وراحة بالها وضميرها أمام حفنة من الأوهام التي يقدّمها لها العالم الافتراضيّ بما يسيح فيه من دجّالين وكذّابين ومجرمين.وهو الحال ذاته الذي آل إليه “فراس” في قصّة”إرهاب إلكترونيّ” ؛إذ قاده الفضاء الإلكترونيّ إلى عوالم الجريمة والإرهاب وخيانة الذّات والوطن؛لأنّه انزلق في هذا العالم دون أن يتسلّح بالوعي والحذر والتّمسّك بالفطنة والتيقّظ والمبادئ.
ونضال البزم يشهر سلاح السّخرية اللاذعة للمواطن العربيّ الذي سرقته المسلسلات المدبلجة من واقعه وظروفه وواجباته بل وإنسانتيه أحياناً؛فنجد أن بطلة قصّة “ساعة الموت” لا تعير عائلتها أو زوجها أو نفسها اهتماماً بسبب انشغالها بمتابعة هذه المسلسلات المدبلجة التي لا يفلح أيّ أمر جلل في استدرار انتباهها في خضم انشغالها بها،ولا تدرك قدر الخراب الذي يدور حولها إلاّ عندما يصفعها مرض زوجها بالسّرطان،ويشدّ انتباهها إلى مدارات معاناته بعيداً عن أوهامها السّادرة في عوالم المسلسلات المدبلجة التي تقطّع أزمانها في متابعة حلقاتها .
وأسئلة الواقع ورصد تفاصيله لا تتوقّف عند نضال البزم في رصف مجموعته القصصيّة بحجارة صغيرة تمثّل درب الواقع في المشهد الحياتيّ المعاصر للإنسان العربيّ،بل هي تتسامى لتطير إلى عنان أكبر قضاياها عدالة مثل القضية الفلسطينية،حيث الصّمود والإصرار على التّمسك بالوطن والنّضال كما نراه في واقع حال أبطال قصّة ” بيت من قماش” ؛إذ يتحوّل قماش خيمة مبنية فوق ركام بيت فلسطينيّ إلى رمزٍ من رموز النّضال والصّمود ومقارعة العدوّ الصّهيونيّ بكلّ جلد واقتدار وإباء وتأبّي على الرّكوع له،فبيت القماش في هذه القصّة يتحوّل- في مفارقة صارخة- إلى قوة عملاقة لا يستطيع غاصب أن يمزّقها أو يفتك بها؛إذ يتحوّل إلى معادل موضوعيّ لقيم الرّفض والتّفاني والإصرار على التمسّك بالحقّ.
وفي إزاء هذه القضايا الكبرى يكمل نضال البزم المشهد الحياتيّ العربيّ في مجموعته القصصيّة بقصص سرديّة تكمل فسيفساء هذا المشهد بكلّ ما فيه من جماليات وقبح وتناقضات ومعطيات؛ففي قصّة ” مكافأة سخيّة” هناك العطف والمحبّة والإنسانيّة وحفظ الجميل وردّه على خير وجه،وفي المقابل هناك قبح الخيانة وسوء مآل الخائن والخائنة في قصّتي “أخي ليس خائناً” وقصّة “فنجان قهوة”،وفي قصة ” سكرتيرة المدير” هناك تعرية للواقع وفضح الذّئاب فيه؛حيث التّطاول على أعراض النّساء الغافلات المسحوقات تحت ثقل ضنك الفقر ممّن دفعتهنّ الحاجة إلى البحث عن لقمة العيش في سوق العمل الذي يعج بالمتصيدين والمتربصين من الذّئاب،وهناك حسن عاقبة حفظ الأمانة في قصّة “بائع العلكة”،وردّ الإحسان بالإحسان في قصة “ثمن رغيف الخبز”،في إزاء هجاء شديد للواسطات والفساد في المجتمع في قصة “مستشفى خمس نجوم” ؛إذ إنّ المريض لا يلقى الرّعاية الصحيّة المرتجاة في مستشفى حكوميّ ما إلاّ إن كان له فيه واسطة ما من أيّ عيار كانت.
وهناك صوت الفجيعة والضّياع يعلو في قصّة ” الوداع الأخير”؛إذ الغربة تسرق”هاني”،وتقوده نحو الانحلال والضّياع والتنكّر لمبادئه وإيمانياته ومبادئه وأسرته ومسؤولياته،لينتهي به الحال مريضاً بمرض الإيدز.وصوت هذه الفجيعة يتردّد في أجواء قصّة “أمين المستودع” حيث حكاية حبّ “يزيد” و”أميرة”؛إذ تفرّق الظّروف الماديّة بينهما،وتعين الأقدار”أميرة” على الظّفر بالنّجاح والتّوفيق،في حين يكون نصيب “يزيد” هو الخذلان والفشل والانكسار.في حين أنّ الأم في قصّة “الجوكر” هي من تخلق أجواء الفجيعة عندما تشجّع ابنها “سمير”على الانسياق في التّجاوزات الصّحيّة إلى أن يغدو مدمناً على المخدرات.
لنا القول في نهاية هذا التّطواف العاجل على هذه المجموعة القصصيّة التي تكوّنت من خمس عشرة قصّة قصيرة إنّ الأديب نضال البزم يبدو فيها منغمساً في التّجربة الإنسانيّة،ومنصاعاً لبساطة التركيب وسهولة اللّغة ومباشرة النّسق في سبيل توصيف الحالة،وتجسيد المعطيات،دون الجري في دروب التّعقيد اللّغويّ أو الانسياق لاشتراطات البناءات الجديدة في القصّة في عوالم التّجريب والحداثة وما بعدها،إنّه مبدع يشكّل حساسيته الخاصّة تجاه مجتمعه وفق منظومته الإبداعيّة التي تجسّد الواقع بأدواته المباشرة دون الالتفات حوله للوصول نهاية إليه،إنّه –باختصار شديد- يصوّر الواقع بأدواته المباشرة ليقف بنا مباشرة عند تخومه وجدله وقلقه؛ فهو يطرح الأسئلة، ويتسربل بالقلق، ويشاركنا الفجيعة والتّوجّع والحيرة.
* الجامعة الأردنية/الأردن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.