يعتبرالوصول الى مجتمع المواطنة هدفا تطمح الي تحقيقه كل البلدان وجميع الانظمة السياسية والاجتماعية، ولا تعدو التنمية - بشتى انواعها التي هي الاخرى هم كل المجتمعات - الا ان تكون وجها ثانيا للمواطنة بحيث لا تتحقق احداهما الا بتحقق الاخرى فبهما معا يمكن بناء مجتمع تنعكس فيه قيم المواطنة على جميع افراده وجماعاته، وبغياب المواطنة الحقة تظهرالهويات الفرعية ويغيب روح الانتماء عن المجتمع ، الامر الذي يفرز لنا ظواهر سلبية كثيرة على رأسها هجرة الادمغة، وتخريب كل ما له علاقة بالشأن العام، والعزوف عن المشاركة المواطنة خاصة لدى الشباب. ومع طول الامد بهاته الظواهر السلبية التي ترسخت لدى اجيال عريضة من المجتمعات العربية عامة والمجتمع المغربي على وجه التحديد كادت ان تسلم باستحالة تطبيق فكرة التغيير والانخراط فيه وهكذا انتشرت في المجتمع مظاهر الانتماءات البديلة والاستلاب الثقافي والغزو الفكري والخضوع لثقافة الاستهلاك الذي تمارسه وسائل الاعلام من اجل اقدار العولمة وتوحيد الثقافات، و في ظل غياب قيم وروح المواطنة تفشت المحسوبية والزبونية والرشوة والواسطة وعدم احترام القانون والهروب من المسؤولية تجاه شؤون المجتمع المحلية والوطنية مما انعكس على مستويات سياسية واقتصادية واجتماعية وكذا الثقافية والعلمية. ومما لا شك فيه ان المشاركة الفعالة والواعية لأفراد المجتمع خاصة الحركات الشبابية تعد ركيزة اساسية من ركائز بناء مجتمع انساني يقوم على قيم ثقافة المواطنة، ومنه وجب تعميق المعرفة بالمواطنة المسؤولة وعلاقتها بحقوق الانسان والديمقراطية ودور السلوكات المدنية في تفعيلها احقاقا لحكامة محلية تنبني على المشاركة المواطنة واشراك الشباب في تخطيط و تسيير وتدبير الشأن المحلي . إن المواطنة؛ انتماء الى وطن لك فيه مجموعة من الحقوق وعليك مجموعة من الواجبات، ويعرف عبد الحسين شعبان في كتابه " الوطن والمواطنة، اية علاقة ؟ " المواطنة قائلا : " المواطنة هي مجموع القيم الانسانية والمعايير الاخلاقية والحقوقية والقانونية المدنية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية ، التي تمكن الفرد من الانخراط في مجتمعه والتفاعل معه ايجابا والمشاركة في ادارة شؤونه، وهو ما يجعل المواطن "الفرد" متفاعلا مع محيطه ". وبالتالي ما يجعلك مواطنا مسؤولا وفعالا هو ذاك التلازم بين الحق والواجب الذي يتجلى في مبدأ المشاركة الذي يعد حقا في حد ذاته،ذلك ان قيم ثقافة المواطنة وحقوق الانسان وان كانت تقوم على مبادئ حقوق الفرد وضرورة احترامها فان تحقيقها لا يتيسر الا في اطار عيش جماعي مشترك ومعيار ديمقراطية اي نظام من الانظمة ، لا تستقيم الا بمدى المشاركة العامة للأفراد وزيادتها ونوعيتها. ورغم ان قيم ثقافة المواطنة تقوم على حقوق الفرد وضرورة احترامها الا ان تحقيقها لا يتم الا من خلال المشاركة في الحياة العامة ، فلو امتنع الجميع عن المشاركة لامكن سلب هذه الحقوق ، ومن هنا تبرز أهمية المشاركة في الحياة الاجتماعية للأفراد ، فالمشاركة نشاط يتوقف على ارادة الفرد الذاتية ورغبته الشخصية في اخذ دور مع الاخرين بصورة متساوية ونشيطة ، للمساهمة بفعالية طوعية ولتوحيد الجهود ( المواطنة المسؤولة دليل المفاهيم والمواضيع، اعداد: جمال بندحمان ) ومن هنا يتضح لنا الرابط الوثيق بين المشاركة والمواطنة،كون المواطن له حقوق وعليه واجبات، لذلك فان مشاركته الفاعلة هي التي تتحقق بها مواطنته ، وحتى نتمكن من المشاركة الفاعلة في الحياة العامة ونتمتع بحقوق المواطنة الكاملة ينبغي اولا معرفة هذه الحقوق ونستوعب النصوص الناظمة لها. ورغم ان مقاربة " الحق في المشاركة " بالمجتمع المغربي قد قطعت اشواط كثيرة - في ظل ما تضمنته المواثٌق الدولٌية خاصة المادة 25 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وكذا المادة 21 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان - ما بين سن قوانين جديدة كمقتضيات الدستور المغربي الجديد خاصة الفصلين 33 و 171 منه والمادة 119من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات و المادة 117 من القانون التنظيمي 111.14 المتعلق بالجهات واتخاذ مجموعة من التدابير والمبادرات في التعاطي مع الشأن الشبابي والمدني تنص جميعها على اقرار الحق في المشاركة المواطنة وتفعيل تلك المضامين والقوانين على ارض الواقع خاصة ما يرتبط منها بالجهوية الموسعة والحكامة المحلية، نذكر منها: اختتام مسلسل الحوار الوطني حول المجتمع المدني والأدوار الدستورية الجديدة، وما واكبه من مبادرات مدنية موازية، وكذا مسلسل إعداد مشاريع القوانين المرتبطة بالمجلس الاستشاري للشباب و العمل الجمعوي و بالقانون الإطار للشباب، واعتماد الاستراتيجية الوطنية المندمجة للشباب 2015 – 2020. رغم كل هذا الا انه لابد من التنزيل الحقيقي والملموس لهاته المضامين والمداخل الدستورية والمؤسساتية المغربية المكلفة بتمكين الشباب والمجتمع المدني من المساهمة في ورش ضمان الإعمال الديمقراطًي خصوصا ما يرتبط بالديمقراطية التشاركية و الحكامة الجيدة عن طريق التوسيع من الحريات والحقوق الاساسية من حقوق البقاء وحقوق النماء وحقوق الحماية وحقوق المشاركة ( الحق في حرية الراي والتعبير والحق في التفكير والاختيار والحق في الانتماء للجمعيات والحق في المعرفة ) كما ان المواطنة المسؤولة التي نتحدث عنها لا يقف تحقيقها على الحقوق فقط وانما تتصل بالواجبات كذلك مع العلم ان كل حق من الحقوق يلازمه اكثر من واجب. م