معارضة العلماء لسياسة السطان إسماعيل العسكرية ومحنة العالم جسوس(1109ه-1221ه) مقدمة : توجه السلطان اسماعيل بعد أن قامت له السلطة الى تأسيس جيش العبيد ،الذي سيتخذه كعماد لسلطته وأساس حمايتها ،وأداة رئيسية لمواجهة كل الأخطار التي تحدق بالبلاد سواء الداخلية ، أو الخارجية . على أن غالبية المصادر التاريخية التي تناولت الموضوع تتفق على كون سبب تسمية هذا الجيش بجيش العبيد مرتبطة بقيام السلطان اسماعيل بعد تمكنه من تأسيسه ، بجمع أفراده وقوله لهم بعد أن أحضر نسخة من صحيح البخاري : » أنا وأنتم عبيد لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرعه المجموع في هذا الكتاب ،فكل ما أمر به نفعله وكل ما نهى عنه نتركه وعليه نقاتل« انتهى .فعاهدوه على ذلك وأمر بالاحتفاظ بالنسخة التي كان عليها القسم وأمرهم أن يحملوها حال ركوبهم ويقدموها أمام حروبهم كتابوت بني إسرائيل ،ولهذا أطلق عليهم جيش عبيد بخاري . إذن فالاسم ارتبط أساسا بقسم أفراد هذا الجيش على الولاء والطاعة للسطان على صحيح البخاري باعتبار قدسيته لدى المسلمين ،فهو يأتي في المرتبة الثانية من حيث القدسية بعد القرآن الكريم. غير أن تناول موضوع مواقف الفقهاء من تأسيس هذا الجيش يضعنا أمام ثلة من الاشكالات المنهجية من قبيل : ما هي الأسس التي قامت عليها مواقف الفقهاء من تأسيس جيش العبيد ؟ وكيف تعامل السلطان معها ؟. أولا :موقف العلماء من السياسة العسكرية الاسماعيلية : أ) موقف اليوسي : رفض الفقهاء التوقيع على ديوان تمليك الحراطين مع بداية العملية سنة 1109 ه/1698م ،مع ذلك فإن السلطان لم يتراجع عن سياسته بل إنه وجه لهم كتابا يوبخهم فيه على عدم موافقتهم على تمليك العبيد ،وقد قرأ عليهم هذا التوبيخ بالزاوية القادرية .غير أن العملية ستدخل مراحل جد عصيبة بداية من سنة 1120 ه ؛حيث سيستمر السلطان في تمليك الحراطين بمكناس .و سيتوجه القائد الروسي مرة أخرى من جهته الى طلب الفقهاء إجازته بخصوص تمليك الحراطين ،الأمر الذي رفضه بعض فقهاء فاس مستندين في ذلك الى فتاوى فقهية قديمة وأحاديث نبوية تحرم تمليك الأحرار ،مما أدى الى غضب السلطان منهم ودخول القضية في طورها الحاسم والصعب كما سنوضح ذلك . عموما فلعل أبرز الفقهاء الذين عارضوا السلطان في ما يخص تمليك الحراطين نجد العالم اليوسي ،الذي شهد له المؤرخون والدارسون بجرأته وضلوعه في العلم ،ومدى تحمله مسؤولية الدفاع عن مجتمعه حتى أن القادري قال في حقه : » كان ماهرا في المعقول والمنقول بحرا زاخرا لا تأخذه في الحق لومة لائم ،وقد بالغ في الذب عن الشريعة والحرص على تقرير أصولها الرفيعة ،فقد كان سيفا من سيوف الدين وقاطعا لحجج المبطلين ،لا يخاطب السلطان إلا بصريح الحق مشافهة ومكاتبة « . وقد أبدى اليوسي معارضة شديدة لمسألة تمليك الحراطين معتبرا أن جميع الناس سواسية عند الله وعباده بما فيهم السلطان ،الذي ينبغي أن يتحلى بصفات العدل والرحمة وأن يتجنب الجور والطغيان لأن هذا من أسس الخلافة .وهو ما يؤكده في رسالته المعروفة ببراءة اليوسي، بشكل صريح بقوله : » فليعلم سيدنا أن الأرض وما فيها ملك لله تعالى لا شريك له ،والناس كلهم عبيد له ،وسيدي واحد من العبيد ،وقد ملكه الله تعالى عبيده ابتلاء وامتحانا ،فإن قام عليهم بالعدل والرحمة ،والإنصاف والإصلاح ،فهو خليفة الله في أرضه .وظل الله على عباده ،وله الدرجات العالية عند الله « . وبالمقابل فإن اليوسي يقترح على السلطان أن يسلك سلوك العدل في علاقته برعيته ،وأن يعمل كذلك على الحد من جور العمال والجباة الذين عاثوا في الأرض فسادا وأفسدوا على الناس دينهم ودنياهم. » فلينظر سيدنا فإن جباة مملكته قد جروا ذيول الظلم على الرعية .فأكلوا اللحم وشربوا الدم وامتشوا العظم .وامتصوا المخ ولم يتركوا للناس دينا ولا دنيا :أم الدنيا فقد أخذوها .وأم الدين فقد فتنوه « . فأساس حماية الثغور لا يتمثل في تأسيس جيش الحراطين حسب اليوسي ،بل إن الأمر مرتبط بشكل كبير بمدى ثبات السلطان على نهج سياسة تتسم بالعدل في علاقته مع رعيته ،إسوة بضرورة تقوية القبائل المحادية لها على اعتبار أنها أشد حماسا من غيرها ورغبة في الجهاد ضد المحتلين وهي المسألة التي يغفلها السلطان كما يوضح اليوسي في نفس الرسالة بقوله : » وأما الأمر الثاني فقد ضاع أيضا وذلك أنه لم يأت في الوقت إلا عمارة الثغور .وسيدنا قد غفل عنها .فقد ضعفت اليوم غاية...فعلى سيدنا أن يتفقد السواحل كلها من القلعية الى ماسة .ويحرضهم على الجهاد بعد أن يحسن اليهم ويعفيهم مما يكلف به غيرهم .ويترك لهم خيلهم وعدتهم ويزيدهم مما يحتاجون اليه .فهم حماة بيضة الاسلام ويتحرى فيمن يوليه تلك النواحي أن يكون اشد الناس رغبة في الجهاد ،ونجدة في المضايق ،وغيرة على الاسلام وأهله ولا يولي فيها من همته ملء بطنه والاتكاء على أريكته « . ورغم معارضة اليوسي لسياسة السلطان العسكرية فإنه لم يغفل أساليب اللياقة والاحترام أثناء مراسلته إياه وتشبثه ببعيته والتسليم له ،وهنا تتجلى لنا بوضوح عبقرية اليوسي - كما وصفها عباس الجراري - الذي لم يدخل في صراع فقهي مع السلطان واكتفى بالنصح والإرشاد رغم أنه كان لا يحبذ مخالطة العلماء للملوك لأن ذلك سيفسد مكانة العلماء .كما كان يتمنى أن يتراجع السلطان عن سياسته العسكرية خاصة .عملا بالمقولة الفقهية القائلة بأصل الانسان الحرية. ورغم أن السلطان حاول أن يرمي عليه ببعض التهم كنتيجة لعدم موافقته على تمليك الحراطين فإن اليوسي ،كان دائما يحاول أن يظهر ولاءه المطلق له ،وحبه له كما هو واضح وموضح في رسالة اليوسي الكبرى ؛حيث يربط العلماء ووجودهم بالسلاطين على مر العصور. يقول اليوسي : » والله أني لو لم أرد الخير له ولعقبه لم أفه بهذا الكلام ،ولا نبهت على هذا المرام. فإن هذه والله هي مفاتيح الفلاح والنجاح ،وبها يرجى بقاء العز والملك في الأعقاب. كابرا عن كابر لا بمجرد دعوات ملفقة تجري بها الألسن على أعواد المنابر « . وفي ضوء هذا يقدم لنا اليوسي تصوره لدور الفقيه المشرع على المستوى السياسي ،في قوله : »وقد كان في بني إسرائيل يكون الأمير على يد نبي ،فالنبي يأمر ،والأمير ينفذ لا غير ،ولما كانت هذه الأمة المشرفة انقطعت النبوءة بنبينا خاتم النبيئين صلى الله عليه وسلم ،وعلى إخوانه النبيين ،فلم يبق إلا العلماء يقتدى بهم، قال صلى الله عليه وسلم : علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل. فكان حقا على خلفاء هذه الأمة أن يتبعوا العلماء ويتصرفوا على أيديهم أخذا وعطاء« . ب) موقف الشيخ أبي حامد بردله : الى جانب اليوسي فقد برز الفقيه أبي حامد بردلة الذي كان له أيضا رأي مخالف تماما لما كان يريده السلطان من خلال تمليك الحراطين ،كما هو واضح من خلال رسالته الجوابية للسلطان اسماعيل ،التي يتبنى فيها أسلوب لطيف ،معتبرا نصيحته من واجب العلماء على أئمة المسلمين وعامتهم عملا بالحديث النبوي الشريف الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم : » الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله قال لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم .وأخرج البخاري ومسلم عن جرير بن عبد الله قال بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام فاشترط علي ،والنصح لكل مسلم ،فبايعته على ذلك « . عملا بواجب النصيحة لأولي أمر المسلمين إذن ؛فقد استجاب الفقيه بردلة لنداء السلطان الذي استشاره في نازلة تمليك الحراطين اسوة بعلماء عصره ،نظرا لدورهم كحماة للشرع الاسلامي ،وجب عليهم تقويم سلوكات السلاطين وتذكيرهم بشرع الله ،بأسلوب لابق وبكل لطف ، كما هو موضح في افتتاحية الرسالة التي جاءت كما يلي : » العلاء السني مقامة ،والكمال الأحد شأوه ،والمتلألئة أيامه ،كوكب لاح من فلك الخلافة فأضاء الكون أنواره... « . لقد كان بردلة يعتبر فتوته هاته لا تتجاوز دوره كعالم سئل في نازلة من المفروض عليه أن يقدم إجابة صريحة عنها عملا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم القائل :من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار يوم القيامة .وهو الحديث الذي يستشهد به صاحبنا في نوازله .أما في ما يخص موقفه من مسألة تمليك الحراطين بالمنطق الذي أراده السلطان ،فإنه من خلال هذه الفتوى يوضح موقفه المرتبط أساسا بمنطق الشرع الاسلامي ،الرافض لمسألة العبودية ،كما هو واضح من متن الفتوى ،على أن ما تمتاز به فتوى الفقيه بردلة هو لباقته واستدلاله بالأحاديث النبوية المناهضة للعبودية. وحري بالقول إنه يبتدئ فتوته بالإشادة بسياسة السلطان العسكرية ،التي تهدف الى حماية الدولة والإسلام من الفتن الداخلية والأخطار الخارجية ،وتوحيد كلمة المسلمين » إن اهتمامه بما أشار به من جمع الحراطين وكمال رغبته في ذلك ليس إلا لما اقتضاه رأيه الصائب وعزماته النافذة من تكثير للجيوش التي بها قوام الدين وحفظ بيضة الاسلام والمسلمين« . ورغم هذه الاشادة فإنه سرعان ما يقلب الطاولة على السلطان ويوجه له نقدا لاذعا ،بخصوص سياسته العسكرية القائمة على أساس جمع الحراطين وتمليكهم دون موجب شرعي ،في خرق سافر لمقتضيات الشرع الاسلامي الرافض قطعا للعبودية والاسترقاق ،كما أنه يستغرب و يفند في نفس الوقت الأطروحة السلطانية القائلة بأن المسألة تتوقف على التطوع بعيدا عن الاسترقاق ،وأنها تقوم على أساس شرعي .بقوله » جمعها على وجه مضاد للحق معاند لقواعد الشرع مناف لقصده دام علاه كيف ولم يزل يفصح ويصرح علنا بأن هذا الأمر لا يرتكب إلا (على) أكمل وجه من وجوه الصحة الشرعية...مستوفي الشروط مرتفعة عنه الموانع على أن حصول ما ذكر من غرضه وقصده من تكثير الجيوش لا يخفى أنه لا يتوقف على استرقاق بل هو طوع « . ولا يفوت الشيخ بردلة الفرصة في هذه الفتوى لفضح المستور في القضية ؛حيث أنه يوضح الكيفية التي أريد بها الموافقة على ديوان تمليك الحراطين ،القائمة على التهديد والوعد والوعيد ،الذي خوطب به العلماء الرافضين التوقيع على ديوان تمليك الحراطين ، ناهيك عن التهديدات والتنكيل الذي طال الحراطين أنفسهم لحملهم على الاعتراف بأنهم مملوكين وعبيد ،وهو الأمر الذي لا ينبغي السكوت عنه لأنه جريمة في حق هؤلاء وجب مواجهتها من طرف العلماء لتنافيها مع الشرع الاسلامي كليا .يقول صاحبنا بهذا الخصوص : » وهو الأمر الذي لا ينبغي السكوت عنه أو كتمانه مما لا يسع التغافل عنه والتساهل في أمره كيف وهو مما توعد عليه من الغش وكتم الأحكام ...وكل ما يقع منهم من الاقرار (أي الحراطين) بأنهم أرقاء لمعين أو لغير معين أو يقع من غيرهم من الشهادة عليهم برقية على أي وجه كانت فإن ذلك كله عن ضغط وإكراه مشاهد معاين بحيث لا ارتياب فيه ولا يختلج في الذهن افتقاره الى اثبات كيف وقد وقع الإعلان بالتصريح للجم الغفير والملأ الكثير من أهل العلم وغيرهم مشافهة من المنتصب لهذا الأمر والمعين له بأن هذا الاسترقاق إن لم يقع الانقياد له والإذعان انتقم من الكافة ونكل بهم وعوقبوا العقاب الشديد بأن ينزل بهم مالا يستطاع من الأمور الفظيعة من قتل النفوس وهتك الحريم وإلزام مالا يطاق من قناطير الأموال وحيث كان كذلك فكيف يعول على هذا الاقرار وهذه الشهادة « انتهى. واعتبارا لكون الشهادة التي استصدرها المخزن كانت بالقوة فإنها غير شرعية حسب الشيخ ،الذي يستغرب لبعض الفقهاء الذين يحيلون على أقوال بعض الأئمة دون أي فهم أو وعي ،ويقرون بشرعية الشهادات المحصل عليها من طرف الحراطين رغم أنها استصدرت بالإكراه ،والإكراه محرم شرعا في جميع مناحي الحياة. ويواصل الشيخ بردلة نقده اللاذع للاسترقاق الحراطين ،ويضيف أنه وإن كانت شهادة هؤلاء غير مبنية على القوة وأنها تطوعية كما يزعم السلطان وعلمائه ،فإنها مع ذلك لا تجوز شرعا ،على اعتبار أن حريتهم –أي الحراطين- حق من حقوق الله تعالى ولا يجوز لهم ارقاق أنفسهم »فإقرارهم بالرق ولو كان عن طوع وجواز ومع انتفاء ما ذكر من التهمة فهو لاغ لا يسلمون شرعا للرقية بهذا الاقرار ولا ندعم ولا يلزمون به لأن حريتهم حق من حقوق الله فليس لهم ارقاق أنفسهم « .وأكثر من ذلك فإن شهادتهم تصنف أنها شهادة زور لأنها لا تقوم على أساس قانوني أو شرعي. ج) محنة العالم جسوس : سيكون الفقيه عبد السلام جسوس كبش الفداء في هذه القضية ،باعتباره واحد من المعارضين لتمليك الحراطين .وقد كتب هذا الفقيه رسالة وضح فيها موقفه من القضية مؤكدا على إصراره بالجهر بالحق والتشبث بأحكام الشريعة الاسلامية ،واستعداده للتضحية بنفسه في سبيل ذلك .وقد أثبت هذه الرسالة عبد الله كنون في كتابه النبوغ المغربي في الأدب العربي بعنوان :رسالة العلامة الشهيد عبد السلام جسوس على السلطان اسماعيل في شأن العبيد . وبالعودة الى متن الرسالة فإن الفقيه يؤكد على أن النصح » من الواجبات المؤكد أمرها ،والتكاليف المعظم في الشرع خطرها وقدرها « .هذا النصح الذي يلزم بشكل أساسي» المقلدين لكافة أمور الأمة وأعباء الدين « .مع ذكر الأحكام الشرعية لهم وبيانها وإشهارها وإعلانها .من أهم النصائح » وأكملها مصلحة وحكمة وأعمها « . وبالمقابل فإن جسوس يدعوا العلماء الى تبيين الأحكام الشرعية وإعلانها ،كما نصت على ذلك الشريعة الاسلامية .أما فيما يخص موقفه من استرقاق حراطين فاس فيمكن اجماله في النقط التالية : - إمكانية تكوين الجيش وتكثيره بطرق اخرى غير التمليك إذ أن الأمر » لا يتوقف على استرقاق،بل هي طوع اليد بدونه « . - حرمة استرقاق الحراطين لكونهم أحرار » كغيرهم من سائر أحرار المسلمين،حريتهم معلومة لا اشتباه فيها بوجه «. - عدم اعتبار ما يقع من إقرارهم على أنفسهم أو شهادة غيرهم عليهم بأنهم أرقاء،لأن كل ذلك إنما يقع منهم أو من غيرهم تحت الضغط والإكراه : » كيف ،وقد وقع الإعلان للجم الغفير والملأ الكثير من أهل العلم وغيرهم مشافهة من المنتصب لهذا الأمر والمعين له ،بأن هذا الاسترقاق إن لم يقع الانقياد له ،والإذعان ،انتقم من الكافة ،ونكل بهم ،وعوقبوا العقاب الشديد بأن ينزل بهم ما لا يستطاع من الأمور الفظيعة من قتل نفوس،وهتك حريم ،وإلزام ما لا يطاق من قناطير الأموال « . هكذا يضع الفقيه جسوس في هذه الرسالة موقفه من قضية تمليك الحراطين في إطاره الشرعي ،ويذكر بأنه إذ يجهر السلطان بمعارضته يمارس حقا من حقوقه المنصوص عليها شرعا ،ويؤدي واجبا التزم به من طرف الله سبحانه وتعالى ،وهو تبيان الأحكام الشرعية ،وعدم كتمانها وتبديلها ،وبذلك يكون موقفه هو موقف الحق والمشروعية. ولا يفوت فقيهنا الفرصة على نفسه كي يدين المواقف المتخاذلة التي اتخذها بعض العلماء من هذه القضية سواء أولئك الذين تهربوا من الافتاء فكتموا بذلك الأحكام الشرعية ،وتعرضوا للعنة الله ووعيده ،أو أولئك الذين أفتوا بالجواز فكفروا بتبديلهم للأحكام الشرعية : » فأنى يسع أحد العدول عما تقتضيه هذه القواعد ،أم كيف تنتكب هذه النصوص ،ويسمى ما ينتحل بتمويهات وتلبيسات من الصور الفظيعة التي لا حقائق لها ولا وجه استقامة يحوم حولها ،ولا شيء منها ولا من متعلقاتها بجار على قاعدة من قواعد الشرع ،كما لا يخفى على من له أدنى ملابسة لأحكام الشريعة ويدعي ارقاقا وتبايعا تستباح به الأضباع ،وهل هذا إلا لي في الأحكام وتغيير وتبديل وتحريف وإلحاد هو كفر لمتجشم ارتكابه « . وبهذا يلخص جسوس موقفه من تمليك الحراطين ،هذا الموقف الذي سيكون له عواقب وخيمة عليه شخصيا كما سنوضح ذلك بكل تفصيل. ثانيا: رد فعل السلطان على الطرح الفقهي ومحنة العالم جسوس: عموما ففي خضم رفض العلماء التوقيع على ديوان تمليك الحراطين ،كان الغضب يزداد عند السلطان ولا أدل على هذا من مضمون الرسالة العنيفة التي بعث بها الى شيخ الزاوية الفاسية ،حيث أن السلطان يتهكم على العلماء ويقلل من قيمتهم وينعتهم بأسوأ النعوت ويشكك في مقدراتهم العلمية ،معتبرا إياهم مجرد طلبة ليست لهم القدرة على الخوض معه في نقاش جاد ومسئول حول مسألة الجيش .ويصفهم بالعجز في تقديم أي بديل له لمواجهة هذا المشكل/المعضلة الذي يؤرقه. يقول السلطان موضحا موقفه وسبب تمسكه بهذا الجيش : » ورأينا هؤلاء الطلبة مقصرين معنا في هذا الفن تقصيرا أدى بهم على التشكيك ولم يزيدوا مع كثرة البحث هنا والتنقيب عن اصول هذا الفن لمسائله والاستيعاب لفروعه وأصوله وتعريف مفصله من محمله إلا نفورا وشكا مع تحققنا أنه والحمد لله على جادة قويمة موفقون من الله تعالى...فرأيناهم ساكتين لا ينطقون بحق ولا يأمرون بمعروف ولا ينهون وإذا نحن بحثناهم عن أمر لا يقنعون في الجواب وأعيانا أمرهم مع أن والحمد لله مقعودون بالحق ومجبولون على قبوله والعمل به فمن أجل ذلك خاطبناهم بهذه الكراسة تعريفا لهم بما نحن عليه من الجد وبسبب اقتنائنا لهذا الجند من الوصفان وقلنا لهم إن أنتم قلتم لا يسوغ شراء هؤلاء الوصفان لهذه المصلحة جميع أهل هذا المغرب من أجل مدنه وقراه أرونا من يقوم بهذا الوظيف الديني فأفتونا بفتوى تبيح لنا ترك اقتناء الجند واتخاذه رأسا « . وحري بالقول أنه مباشرة بعد تلقي السلطان لجواب العلماء خاصة جواب الشيخ بردلة ثارت ثائرته ،وصار يطلب من شيخ الزاوية الفاسية محمد بن عبد القادر الفاسي إبداء رأيه في هذه النازلة . بموجب رسالة موجهة اليه بتاريخ 2 محرم 1109 ه .يقول فيها السلطان : » فلابد من نظركم فيما أجاب به الغير وتصحيحكم لما تضمنته الاجوبة التي وردت من قبل القاضي بردلة وصاحبه إذ لا يمكن الاعتماد على مجرد فتاويهما دون مطالعتكم وقبولكم أوضح القبول لأنه وإن كان متسما بسمة العلم فإنه مقصر فيه والمحبة الحاملة أن يصدع صاحبها بالحق الله تعالى هو العالم بالضمائر ومكنونات السرائر فإنا نخاف من الله تعالى أن اتهمناه بقلتها ولا نتحمل أمر ثبوتها وكان من الواجب والصواب ما هو مطلوب من الجواب :بمجرد الحق وصميمه وطول الكلام وجلب النقول وفتاوى العلماء وصريح المذهب وإصابة المفصل ويتبع الفاظ السؤال والجواب عنها حرفا وفعلا ليكون الجواب مطابقا للسؤال مزيحا كل أشكال مفصحا عن الحق الذي لا يعدل عنه الى غيره سبحانه وتعالى جبلنا عليه وأرشدنا اليه « انتهى. ويعتبر السلطان كذلك ان أجوبة العلماء ليست واقعية » وهذه الأجوبة التي توجهت الينا وردت علينا...لم تطابق المقصود والمعهود « .ومن ذلك فإنه راهن على شيخ الزاوية الفاسية بسبب التقارب الحادث بينهما ،كي يقوم بطعن فتاوى المعارضين التي لم ولن يقبلها السلطان ،لأنها حسبه تقوم على قصور في النظر والرؤيا . وجاء جواب محمد بن عبد القادر الفاسي صادما للسلطان ،رغم أنه كان يعول عليه خاصة بعدما وضح له السلطان في رسالة سابقة أن ضم العبيد الى الجيش الجديد تم بشكل طوعي أو استنادا الى شهادات تؤكد أصلهم العبودي ،أو شرائهم من عند مالكيهم » حيث تجدد البحث والتنقيب وزيد في التحري والتحرير وقصد الاستقصاء في تمليك من ثبتت ملكيته ورقبته بشهادة القطع على الموجود منهم مع اقراره بشهادة...ورأينا في ذلك من التحري ما يطمئن به القلب ويرتفع به الريب «. هكذا اعتبر محمد بن عبد القادر الفاسي مسألة بيع العبيد وشرائهم جائزة لأن البيع والشراء حلال عند الله ،كما أن الحكمة تقتضي شراء عبيد وتطعيم الجيش بهم لأن ذلك فيه صلاح أحوال البلاد والعباد ،لكنه ربط جواز البيع والشراء بصحة العقد واستيفاء شروط البيع المرتبطة أساسا برضى العبد وتطوعه للخدمة ،لكنه رفض قطعا استرقاق الأحرار من الذين لم يثبت أصلهم العبودي بعقد صحيح عملا بالقاعدة الفقهية القائلة بأصل الناس الحرية يقول شيخنا في هذا : »في مسألة ما أشير اليه من بيع العبيد وشرائهم فإن البيع والشراء مما علم جوازه بالكتاب والسنة والإجماع فمن الكتاب قوله تعالى :وأحل الله البيع وحرم الربا وقال تعالي : واستشهدوا إذا تبايعتم ...(أما تمليك العبيد فإن) الحكمة تقتضيه لأن حاجة الإنسان تتعلق بما في يد صاحبه لا يبذله إلا بعوض وبيع العبيد وبيع غيره في هذا سواء فلا يتوقف إلا على صحة العقد واستيفاء شروط البيع كما يجب شرعا من وجود العاقدين وطوعهما وجواز فعلهما وثبوت الملكية للمعقود عليه كما يجب أيضا الصحيح أو البينات التي لا مطعن عليها ولا تهمة تتطرق اليها فإذا ثبتت الرقبة كما يجب فلا خلاف في صحة البيع حينئذ وجوازه وترتب اثره عليه من ملكية البيع واتخاذه للجند وغير ذلك من أنواع الانتفاعات وأما من لم تثبت رقبته لأحد فلا كلام لنا فيه إذ لا خلاف في ملكه ...ولا تسلط لأحد عليه ببيع ولا بغيره لأن الأصل في الناس الحرية كما صرح به الإمام الخطاب « . ولأن السلطان كان مصرا على سياسته فإنه سيهاجم كذلك محمد بن عبد القادر الفاسي ومعه كل العلماء الرافضين التوقيع على تمليك الحراطين ،معتبرا أن رسالته هذه لم تشفي غليله إسوة بأنه لم يستشهد بالأئمة الاربعة الكبار من مالك ،وأبو حنيفة والشافعي وابن حنبل ،شأنه في ذلك شأن علماء عصره الذين دخل العلم معهم حسب السلطان في أزمة ،جعلته يخاف ويخشى من اندثار العلم في زمانه ،ومن ذلك فإنه يطلب من شيخ الزاوية الفاسية جوابا واضحا يحترمه عليه سكان فاس ويقتنعون بهم ولا يفضلون عليهم علماء آخرين خاصة أن اهل فاس يتفاخرون بعلمائهم من ذلك وجب الحفاظ على مكانة العلم والعلماء بفاس . يقول السلطان في هذا : » ولم يملأ عيوننا وقلوبنا ولم تشف لنا فيه غليلا ... ومن رويت عنه هل قالها امام من الأئمة الاربع كإمامنا مالك أو الشافعي أو كابن حنبل أو كأبوا حنيفة ...وتجيبنا جوابا يشفي الغليل ولا يبقى لأحد ما يقول بعده حتى لو رآه أهل مصر لأقروا بعلمك ويشهدوا به وذلك هو المضنون من داركم والمعروف من مدينتكم إذ ما تفتخر فاس على سائر المدن والأقاليم والأقطار إلا بالعلم حتى لو جاءهم عالم براني لم يرضوا بعلمه ولم يبالوا به...ونطلب من الله تعالى أن نكون من السعداء عند الله ولا يندثر العلم في زماننا والله تعالى يحفظنا وإياكم مما قيل في ذلك ويرشدنا جميعا ويسلك بنا احسن السلوك « . انتهى. ومن المؤكد أن حاشية السلطان حاولت أن تجد الوسائل الناجعة لإنهاء هذه الأزمة ولذلك ارتأت البدء بالفقهاء المعارضين في هذا الاطار جاء رسول السلطان إليهم باستدعاء للرجوع الى مكناس قبل متم ليلة واحدة على وصولهم الى فاس .في الوقت الذي جاء على لسان السلطان أنه عزم على إهلاك عليلش.وقد ركز السلطان في مخاطبته للعلماء على توبيخهم بسبب تحريضهم على الفتنة ،إضافة الى تذكيرهم بحدود التزاماتهم تجاه المخزن وذلك بشكل فردي وبأسلوب زجري دون أن يتحدث أحد أو يرد على السلطان .لكن عندما ولى السلطان نظره الى الشخصية الرابعة من هؤلاء الحاضرين وهو العالم جسوس ،بادره الشيخ بالكلام قائلا : »أنا بالله والشرع معك آ مولاي وجعل يكرر ذلك .فقال له السلطان :تكلم مع عليلش فأجابه الشيخ : لا كلام لنا معه ولا بد يا مولانا هل تسمع منا شرع الله ؟ فقال له السلطان :هل كتبتم ذلك لنا فانخرط الشيخ في قراءة ما كتبوه أثناء قراءة عبد الله الروسي بفاس لجمع الحراطين وبعثوه الى سائر الأوقاف « . وعلى الرغم من أن السلطان أبدى رغبة كبيرة في عدم الانصات لكلام جسوس إلا أن الأخير حاول أن يكمل تلك البراءة قاطعا مع كل خوف خاصة عندما أمسك بالسلطان من ثوبه حتى مزقه ليمنعه من القيام ويلزمه على سماع كلامه مما أزعج السلطان وحمله على الغضب من الشيخ فخاطبه : : »كيف تتجاسر علي في مجلسي ملكي« .وعندها قام الكتاب والحاصرون والقائد الذي قال للسلطان : »نصرك الله زاغ بالمال الذي له فدفعه السلطان الى القائد وقال له اقبض منه عشرين قنطارا «. ومن جهته فإن صاحب تاريخ الدولة السعيدة ينقل رواية اقرب الى هذه التي أوردناها نقلا عن ابن زيدان الذي نقل بدوره عن الزياني . يقول صاحبنا في هذا المجلس :» وفي آخر المجلس قام مولانا اسماعيل مغتاظا فقبضه الفقيه السيد عبد السلام جسوس من طرف ثوبه وقال له :اجلس تسمع ما قال جدك رسول الله صلى الله عليه وسلم فنثر ثوبه وخرج ،فقال له محمد بن قاسم عليلش :ما فعل بك ذلك إلا أنه حديث عهد بالسلام وذلك منه كراهة فيك وفي جدك ،فقبضه وأمر بتعذيبه « . هكذا تحولت القضية من معارضة التمليك إلى محنة الفقيه جسوس الذي رجع مكبلا بالحديد مع أسرته وسجن وضرب وأهين وعانى من أجل جمع المبلغ المطلوب بعد أن بيعت أصوله وأملاكه وأصبح أصحاب القائد يخرجون به الى المحلات العامة ويكففون به الناس» ثم قبض على أولاد جسوس واستلب أموالهم ،وأجلس فقيههم الشيخ أبا محمد عبد السلام بن حمدون جسوس بالسوق مقيدا يتطلب الفداء ثم حمل مسجونا الى مكناسة « .ولم ينج رفاقه بدورهم من المحنة والغرامة وخاصة العربي بردلة ومحمد ميارة ،رغم أن الشيخ علي جسوس عندما رجع من المشرق استكمل لأخيه الفدية المطلوبة وقدمت مع طلب الشفاعة فسرح الشيخ جسوس بعد خمسة ايام واعتقد الناس أن قضيته انتهت عند هذا الحد وانه فاز بعفو السلطان وعاد بالأمان لمجالس درسه لكنه طلب للسجن من جديد ثم نفذ فيه حكم الإعدام خنقا . وعلى الرغم من أن السلطان وحاشيته تمكنت من التخلص من الفقيه جسوس باعدامه ،فإنه وعلى الرغم من سلسلة الاهانات التي تعرض لها قبل الاعدام فإن ذلك لم يدفع به الى الرضوخ الى السلطان ،ولعل الرسالة التي تركها قبل استشهاده توضح ذلك بالملموس ؛حيث يؤكد من خلالها أنه لم يجد أي مبرر شرعي يبيح للسلطان تمليك العبيد سواء في الكتاب والسنة او حتى لدى الأئمة الكبار ومن ذلك فإنه خاف على نفسه من الخلود في جهنم في حالة إذا ما وافق على مسألة بدون أي مبرر شرعي ومحرمة في الاسلام تماما كما أن ذلك يعد خيانة لله والرسول .يقول صاحبنا : » الحمد لله يشهد الواضع اسمه عقبه على نفسه ويشهد الله تعالى وملائكته وجميع خلقه أني ما امتنعت من الموافقة على تمليك من ملك من العبيد إلا أني لم أجد له وجها ولا مسلكا ولا رخصة ،وإني وأن وافقت عليه طوعا أو كرها فقد خنت الله ورسوله و الشرع وخفت من الخلود في النار بسببه « انتهى . كما يوضح في نفس الرقعة أنه لم يجد لهذه النازلة أي مسوغ فقهي ،وأن المسألة لا تتجاوز امتحان من الله له ولإيمانه كما امتحن العلماء والأئمة الكبار على يد السلاطين الذين أرادوا تغيير الشرع . فكانوا أن توجهوا للتخلص من العلماء المعارضين لسياستهم الظالمة والجائرة التي ليس لها أي مبرر شرعي كما أنه لا يفوت الفرصة على نفسه وعلى التاريخ كي يتبرأ من كل من قد يحرف اسمه وموقفه من هذه النازلة التي كانت سببا في نهاية حياته.يقول موضحا هذا » فإني نظرت في أخبار الائمة المتقدمين حيث أكرهوا على ما لم يظهر لهم وجها في الشرع ما أثروا أموالهم ولا أبدانهم عن دينهم خوفا منهم على تغيير الشرع واغترار الخلق بهم ،ومن ظن في غير ذلك أو افترى علي ما لم أقله وما لم أفعله فالله الموعد بيني وبينه ،وحسبنا الله ونعم الوكيل والسلام « انتهى .وقد طرحت مسالة استشهاد الفقيه جسوس l عدد من الفرضيات حول سبب قتله والتخلص منه هو بالضبط دون غيره من المعارضين لسياسة السلطان العسكرية .وهل فعلا المسألة كانت تصفية شخصية قام بها عليلش للفقيه المذكور ؟ ،أم أن ذلك كان بمباركة السلطان ؟. بالعودة الى المصادر التي تناولت هذه القضية نجد هناك تضاربا في الرؤى بين كتابها .فقد اعتبر الفقيه علي مصباح أن عليلش طبق فقط أوامر السلطان الذي كان حاقدا على جسوس بسبب رفضه التوقيع على ديوان تمليك الحراطين دون أن يوضح أكثر حول الكيفية التي تمت بها عملية الاغتيال على الرغم من ذكره لأنواع العذاب والتنكيل الذي تعرض له الفقيه المذكور . بينما يوضح بالمقابل الضعيف الرباطي أن سبب حقد السلطان على الفقيه ،لم تكن بسبب موقفه من قضية تمليك الحراطين بل بسبب تجاسر الفقيه عليه في مجلسه وإهانته ،بعد أن أمسكه من ثوبه حتى مزقه . دون أن يوضح بدوره هل قتله عليلش بأمر من السلطان أم لا ؟ .وبالمقابل فإن الناصري يؤكد أن وفاته كانت على يد القائد عبد الخالق الروسي خنقا بعد أن توضأ وصلى ودعا الله كما يؤكد أن المسألة دخلها التعصب لذلك من الصعب معرفة حقيقتها . وفي حوار دار بين أكنسوس والسلطان سليمان حول قضية العالم جسوس ،حيث أكد السلطان سليمان من جهته بخصوص المسألة أنه لم يقتل من طرف المولى اسماعيل بل قتله أهل فاس نفي اشارة صريحة لعلماء عصره الذين لجموا أفواههم رغم التنكيل الذي طال الفقيه ولم يحركوا ساكنا على الرغم من أن المسألة محسومة في الشرع . أما صاحب المنزع اللطيف فإنه يحمل مسئولية ما حدث لجسوس بسبب تجاسره على السلطان ،وعدم تحليه باللباقة الواجبة اثناء الحوار مع السلطان ،كما أمر الله سبحانه وتعالى بذلك ،معتبرا أن العالم سيفه لسانه ينبغي أن يعرف كيف يستعمله ،فهو لا يملك حق التغيير باليد لأن ذلك مشروط بالاستطاعة وهو لا يستطيع » إن جسوسا هذا جذب المترجم من ثوبه حتى صار لا يستطيع القيام ولا الانتقال وهو يقول له لابد من أن تجلس حتى تسمع شرع الله وأين هذه الجرءة من قوله تعالى :فقولا له قولا لينا .ومما تقرر من أن العالم سيفه لسانه وأن التغيير باليد شرطه الاستطاعة « . ويواصل بن زيدان نقده اللادع للعلماء الذين هاجموا السلطان بسبب سياسته العسكرية ،موبخا إياهم ومعتبرا بالمقابل أن العلماء كانوا دائما بجانب السلاطين يرشدونهم الى الطريق الأقوم ،على عكس هؤلاء الذين هاجموا السلطان مستغلين بعض أخطائه لكنهم خانوا رفيقهم حينما جعلوه يتقدم الكلام بمجلس السلطان وهم يتفرجون ولا يحركون ساكنا ،في الوقت الذي كان بإمكانهم التأكيد للسلطان أنها مجرد نصيحة منهم جميعا له ومن ذلك فإنهم خانوه ودمه في رقبتهم وهذا هو مغزى كلام السلطان سليمان بأن الفقيه قتله أهل فاس وليس السلطان ؛أي العلماء الذين كانوا مرافقين له الى مجلس السلطان . وختاما يمكن القول إن هذا الخلاف بين العلماء والسلطان اسماعيل حول مسألة تجنيد الحراطين ،قد شكل جزء أساسي من التعارض بين السلطة العلمية التي يمثلها الفقهاء ،والسلطة السياسية التي يمثلها السلطان .وهذا الخلاف كما رأيناه مرتبط أساسا باختلاف أدوار المؤسستين . لائحة المصادر والمراجع المعتمدة: الرباطي (الضعيف) ، تاريخ الدولة السعيدة ،تحقيق أحمد العماري ،الرباط ،دار المأثورات ، ط1 ، 1986 م الكتاني (محمد بن جعفر ) ،سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بفاس ،ج3 ، تحقيق محمد حمزة بن علي الكتاني ، الموسوعة الكتانية لتاريخ فاس ،بدون تاريخ . الناصري (أحمد بن خالد) ،الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى ،(ج7)، تحقيق جعفر الناصري ومحمد الناصري ، الدارالبيضاء ،دار الكتاب .دون تاريخ. (القادري (محمد بن الطيب ) ،نشر المثاني لأهل الحادي عشر والثاني ، (ج 4) ،تحقيق محمد حجي وأحمد التوفيق ، الرباط ،مكتبة الطالب ، 1977 م . ابن المجذوب الحسني (عبد الحق)،الحالة الاجتماعيىة في القرن الثاني عشر الهجري من خلال الحوالة الاسماعيلية ،الرباط ،منشورات وزارة الأوقاف ،2006 . الجراري (عباس) ،عبقرية اليوسي ، ،الدارالبيضاء ،دار الثقافة ،ط1 ،1981 . القبلي (فاطمة بن خليل )، رسائل ابن علي الحسن بن مسعود اليوسي ،(ج1) ، الدارالبيضاء، دار الثقافة ،ط1 ، 1981م . (بن زيدان (عبد الرحمان) ، المنزع اللطيف في مفاخر المولى اسماعيل بن الشريف ،الدارالبيضاء ،مطبعة إديال ،ط1 ،1993م. نفيسة الذهبي ، الزاوية الفاسية وتطورها حتى نهاية العهد العلوي الأول ،أطروحة نيل الدكتوراه في التاريخ ،إشراف ابراهيم حركات ،كلية الآداب والعلوم الانسانية ،الرباط.دون تاريخ. لحسن اليوبي ، الفقهية في أهم القضايا من عهد السعديين الى ما قبل الحماية ،المحمدية ،مطبعة فضالة ،1998م. كنون (عبد الله) ،النبوغ المغربي في الأدب العربي ،ج2 ، ،بيروت ،دار الكتاب ، ط 3 ،1975 م.