يقول الباحثون في اجتماعيات الإنسان عامة ،أن علة العلل لمسار التاريخ المغربي،هي أن السلطة الحاكمة(أصحاب السيف والقلم بالتعبير الخلدوني) تكون دائما مفصولة عن المجتمع المدني،وأن العلاقة بينهما هي علاقة تضاد وتنافر إلى حد التناقض. هذا القول ينطبق على جميع مجالات الحياة،ولكن سنحصره هاهنا في رفاه الملوك وقهر المجتمع،اليوم يتمظهر ذلك في التوزيع الجغرافي لقصور العائلة الحاكمة وكل من تحيط به دائرة الإنعامات المخزنية،فهل من المعقول أن يمتلك هؤلاء مثل هذه القصور،والمجتمع مقهور ،مغلوب،منحط،رذيل،معوز،طبعا لفظة القصور هنا لا تقتصر على المعنى اللغوي والتركيبي كعمارة وبناء،ولكن تتعدى ذلك إلى ما ترمز إليه من الجاه والسلطة ونزعة التعالي والتسامي والتسلط ؟ جبال الأطلس تعرف تدنيا كبيرا في درجات الحرارة،فنجم عن ذلك معاناة الأهالي فلا القدر رحم ضعفهم ولا أولي الأمر الذين أمرنا فقهاؤهم بطاعتهم نظروا إلى الحال والأحوال،كل ما فعل المخزن هو أنه بعث بكاميرا القطب الإعلامي المتجمد لا لشيء إلا لتذكير هؤلاء السكان أن المخزن موجود في البلاد،وحتى إذا وزعوا بعض الدقيق والسكر الذي فضل عن استهلاكهم،أمروا المستفيد أن يقول نصر الله السلطان وأدام ملكه إلى يوم يبعثون،بل من هؤلاء من ألهم شعرا ليقوله في حقة ،ولكن تقاسيم وجه الشاعر تحمل رسالة مناقضة لما يتفوه به ،وإني أظن أن البعث بعده الحساب. سألنا التاريخ ،وبه نعتبر،ليس قصد الدربة والإمتراس والمحاججة والسجال،ولكن رغبة في الجواب،فوجدنا البحت عنه أعسر مما كنا نتصور،بيد أن الأمر يحتم علينا العودة إلى الأصول والجذور والنبش في الماجرى بتعبير عبد الله العروي،معتمدين على قاعدة "الدولة تداول والملك إمتلاك". نقرأ عند الإخباريين:إدريس إمام وكذلك مؤسس الدولة الموحدية أو السعدية،ابن تاشفين أمير وكذلك حكام مغراوة،يعقوب المنصور خليفة وكذلك الرؤساء الفاطميين،أبو الحسن المريني سلطان وكذلك إسماعيل العلوي،واضح أن هؤلاء يتحاشون استعمال لقب الملك لما التصق به في القرآن من الطغيان والجبروت،تأكد هذا التوجه اليوم أكثر من اي وقت مضى،مهما اغتنى قاموسنا السياسي وتنوعت الألفاظ،فإن الحكم عندنا بالتفرد والإنفراد. هنا تطرح أمامنا ثلاث معضلات وهي: شرعية الحكم :وهذه تطرح لنظم الحكم المنبثقة من العصبية القبلية (عصبية صنهاجة ومصامدة وزناتة) ومن المنتمين أو المدعين للإنتساب النبوي القريشي (السعديون والعلويون) ،والشرعية هنا ترتبط أيضا بما يجنيه الحاكم من هيبة ونفوذ بانقياد العامة طوعا والتفاف الخاصة اختيارا،قال الفقهاء كذبا على الناس "إذا ظهرت الشوكة لزمت الطاعة" ولكن فقهاء المخزن المحروسين بعطاياه لم يقولوا "إذا ضعفت الشوكة انتفت الشرعية" . المعضلة الثانية ترتبط سلفا وآنيا بميكانيزم الإخضاع بالقوة ما يعبر عنه اليوم بجهاز الضبط الأمني،فقد لجأ السلاطين إلى الجيش المرتزق لأنهم قالوا لا ثقة فيمن تولينا أمره فتعمقت القطيعة بين الحاكم والمحكوم،فوجد الجيش للمجابي ومكس المجتمع واستنزافه وعدم ترك الفرصة له للإنتاج ومراكمة الثروة. تتعلق المعضلة الثالثة بالفقهاء،وهم كما يعرف أهل الإختصاص أصل الداء ،حيت أعطوا لأنفسهم حق الإئتمار على الغير في الروح والسياسة وما ظهر وما لم يعلم ،ليس لان مصادر التشريع الأساسية من قرآن وسنة أعطتهم هذا الحق ولكن نزعوه قهرا وتعسفا ،فهل إن كنت علماني التفكير يبقى للفقيه الضليع والذي لا يعرف إلا التراتيل وجمع الزكوات والأعشار ما يأمرني به،طبعا لا.ولكن المسألة أعمق من هذا سألنا التاريخ مرة أخرى فوجدناه حفظ بين ثناياه ما يعطي للسلطان اليد الطولى ليشرع وينفذ ويقضي كيفما شاء،فقال الفقهاء في إطار الصراع الذي وقع بين مؤسسة الزوايا والمؤسسة السلطانية"إذا أمنت السابلة وأوجدت الظروف الملائمة لإقامة شعائر الدين وحصنت دار الإسلام،فهي شرعية وإن بدت تعسفية،إذا تحقق فيكون القائم به أمير المؤمنين وخليفة الرسول وأحد الأئمة،وإذا تعذر بسبب ظروف الوقت،فذاك لا يقدح في شرعية حكم السلطان،ويجب الإنقياد إليه"،لاحظ كيف اختار هؤلاء الكلمات وكيف وظفوها وماذا استخلصوا منها !قال صاحب البستان الجامع "...في أمن وعافية تخرج المرأة والذمي من وجدة إلى وادي نول فلا تجد من يسألها من أين وإلى أين...مع الرخاء المفرط..."إن تعجبت فتعجب لمثل هذا الإفتراء،ولو كان حيا بيننا لسألناه ما حال المغرب بعد وفاة الحاكم "السلطان إسماعيل حينذاك؟لكن التاريخ أجاب فقال إن المغرب لم تقم له قائمة بعد وفاة هذا السلطان ،ونحن نعلم ما كان عليه من بطش وقهر وعسف وتسلط،ولكن الشيء الايجابي جدا في التاريخ هو تعدد أوجه الصور والقول ،من المفيد هنا الإطلاع على رسالة الحسن اليوسي حجة التاريخ والإسلام إلى السلطان اسماعيل العلوي من 147 صفحة. نستخلص من تراكمات التاريخ أن السلاطين لاسيما المتأخرون منهم لطالما استمعوا لنصيحة ماكيافيلي "إذا كان لابد من الإختيار بين أن يهابك الشعب أو يحبك،فاختر الهيبة على الحب لأنها أضمن لسلطانك"وبها استمر الملوك آمنين في القصور من كتامة إلى تارودانت ومن الهضاب العليا إلى بلاد الهبط واستمر سكان الأطلس في هامش الهامش...إلخ المصطفى أيت يدير أستاذ التاريخ والجغرافيا- ثانوية طارق بن زياد التاهيلية- القصيبة