بعد ست سنوات، على الربيع العربي ما زال المشهد العربي والاقليمي مأزوما منقسما بين الأزمات السياسية المفتوحة والحروب الأهلية المدمرة، من سوريا إلى ليبيا إلى العراق واليمن ومصر، وفي هذا المشهد القاتم بقي المغرب نقطة مضيئة، تمثل استثناء في هذا النسق العام، حيث خاض تجربة اصلاح وما زالت تجربته تتداخل فيها المكتسبات والمنجزات مع العثرات والإخفاقات، فضلا عن التهديدات التي لا يمكن الادعاء بأنه في منأى عنها. تفاعل المغرب مع اهتزازات الربيع الديمقراطي بطريقة ذكية وايجابية، آذنت للحظة 9 مارس التي فاقت انتظارات النخبة السياسية وتُوجت بإصلاحات دستورية حاملة لمشروع سياسي ومجتمعي متجدد طيلة هذه السنوات الست توجهت انظار المحللين والمتتبعين للشأن المغربي بالدخول التدريجي لفاعل جديد واساسي وشاهدنا مؤشرات دالة على تحولات واعدة في النسيج الاجتماعي من خلال عودة المواطن الى الاهتمام بالسياسة والشأن العام والتملك التدريجي للقدرة على التعبير الذاتي عن مطالبه دون الحاجة إلى المرور الحتمي عن طريق الوساطات الحزبية خاصة مع التوفر على إمكانيات خارقة للولوج الى فضاء الصحافة الذاتية او صحافة المواطن، كانت السنوات الست الماضية ساخنة بالنقاش السياسي والعمومي وعشنا ولاحظنا اتساع دائرة الحوار العمومي، وكان المطلب الرئيس فيها هو اصلاح السياسة، فتوسعت دائرة نقاش مجتمعي غير مسبوق تملكه المواطن المثقف والمواطن البسيط بالمدينة والبادية والجبال والجامعة والمقهى، مرجعيته ما خطته وثيقة فاتح يوليوز واتسعت وبشكل غير مسبوق ايضا دائرة الحوار العمومي حول قضايا الدستور. وبعيدا عن القراءة التمجيدية أو القدحية فإننا يجب ان نعترف ان طيلة السنوات الست لا أحد يشكك اليوم في حجم المكتسبات السياسية والحقوقية بالمغرب فبغض النظر عن الأحداث السياسية المتسارعة التي نمر بها في هذه الظرفية الدقيقة، فإن المغرب انتصر لإرادة الناخبين للمرة الثالثة على التوالي، فبعد لحظة 25 نونبر2011 و4شتبر 2015، و7 اكتوبر2016 أنهى أزمة الثقة الانتخابية التي كانت سائدة من قبل، وانتقل إلى ممارسة الديمقراطية الانتخابية بصفتها انجازا تاريخيا في طريق التغيير والإصلاح في ظل الاستقرار، في بيئة إقليمية لازالت تعرف هزات سياسية مقلقة. طيلة السنوات الست انحازت الدولة وعلى رأسها ملك البلاد وانتصرت للاختيار الديمقراطي وكان ذلك مكسبا تاريخيا للوطن وللمنطقة الأورومتوسطية لما تعرفه من تهديدات حقيقية من طرف الإرهاب ومجموعات الاتجار بالبشر والهجرة السرية، جسد المغرب تجربة رائدة عربيا في مجال الديمقراطية الانتخابية نتيجة إصلاح سياسي تراكمي بفعل نضالات أجيال متتالية من مختلف التوجهات الفكرية والسياسية مع ما كان لحزب العدالة والتنمية من شرف المساهمة الفعالة في تسريعه، أولا بالكسب الكبير في مجال الديموقراطية الداخلية والجاهزية النضالية وقوة الخطاب السياسي، وثانيا، بما أبان عليه في مختلف المعارك التي خاضها سياسيا أو ميدانيا ومن رصيد كبير من المصداقية والانفتاح والاستيعاب والتوافق والالتزام السياسي تجاه حلفائه ومع مختلف الفرقاء السياسيين. وجلي للبيان أن المساهمة الفعالة للبيجبدي هي ما جعله يتصدر الأحزاب المغربية في الدفاع على أطروحة البناء الديمقراطي ويقدم مشروع الشراكة من أجل الديمقراطية، والذي نجح في تدبيره في الولاية الأولى من الحكومة لما قدمه من جهود غير متنازع حولها في معركة الإصلاح ومقاومة الحالمين بالتراجع سياسيا، ونجاحه في عزل من كان يحلم بالردة وعودة التحكم في السنوات الست الأخيرة. طيلة السنوات الست الماضية اتضحت معالم جبهة ديمقراطية تشتغل في صمت أحدثت لحظة 4 شتنبر سنة 2015 و7 أكتوبر 2016 ، أعادت للسياسة مساحة أوسع افشلت منطق المقاولة السياسية ومنطق المقاولة الانتخابية، وخلال ست سنوات عاش المغاربة تفاصيل معركة مستمرة وتنازع إرادتين إرادة الاصلاح ليولد مجتمع المواطن كرامة المواطن، حرية المواطن والتي برزت بشكل واضح قبل لحظة 4 شتنبر وبشكل قوي في 7 أكتوبر واحتدام الصراع بين إرادتي الإصلاح السياسي والحنين السلطوي لما قبل 2011. عشنا ست سنوات تصدى فيها المواطن بوعيه مسلحا بتجاوبه مع خطاب 9 مارس الذي اجاب عن تطلعاته ومطالبه سواء تلك تراكمت عبر عقود من النضال او تلك التي رفعها الحراك الشبابي وبتصويته على الوثيقة الدستورية لفاتح يوليوز التي كانت تعاقدا جديدا بين الدولة والمواطن شارك فيه هذا الاخير بتلقائية وثقة، وما زال وهو مستعد للتصدي لكل الأدوات المستعملة لإغلاق القوس من خلق توترات مجتمعية مفتعلة ومحاولة اغراق النقاش العمومي في عدد من النقط العرضية ومحاولة خلق توتر مبني على التقاطبات الهوياتية، اختراق الاحزاب والإجهاز عليها من خلال القضاء على استقلاليتها، واصطناع أزمات بين مكوناتها كما حدث عند خروج حزب الاستقلال سنة 2013. التشويش الإعلامي الغير مسبوق، اللعب بالنار من خلال اللعب بالورقة الاجتماعية والنقابية في ملفات حارقة باشرت فيها الحكومة إصلاحات غير مسبوقة المقاصة، التقاعد، واصلاح المكتب الوطني للكهرباء، وكلنا نتذكر فضيحة القناة الثانية وانقلابها 180 درجة بعد تدخل الديوان الملكي، لكن ذكاء المغاربة كان ثاقبا فقاوم بنباهة خارقة كل مشاريع الارتداد الهلامية، وكان في كل لحظة يعطي دليل عبقريته مبرزا مسار تحولات سياسية ومجتمعية عميقة اهمها عودة السياسة للمجتمع وعودة منطق الرقابة المجتمعية ورقابة الرأي العام، وظهور متغير شبكات التواصل الاجتماعي وديمقراطية الرأي. وتعززت ثقة الناخبين المغاربة في خطاب المشاركة وتأكدت الرغبة في استمرارية الإصلاحات0 خلال الست سنوات الماضية نجحت الجبهة الديمقراطية في فصول مهمة لتحجيم جبهة التحكم والتسلط والتي تتخذ أشكالا مختلفة من منطلق التعامل مع مسار المصالحة مع السياسة بفرضية ان فصل ما بعد 2011 أو مرحلة الربيع المغربي قوس لابد من إغلاقه دون الانتباه إلى ميكانيزمات التحكم في نشاطه وفعله ومقاومته وقوته. واليوم يشكل اختبار تشكيل الحكومة علامة فارقة في طريق البناء الديمقراطي المليء بالمنعرجات ، وهو في الجوهر يعكس هذه المراوحة بين المضي قدما عملا بروح خطاب 9 مارس ودستور فاتح يوليوز ، بين ان يختار مواصلة البناء الديمقراطي او ينضم الى معسكر الخريف العربي !! استثنائية المغرب اليوم على المحك ورصيده المتمثل أساسا في خيار الاصلاح ومصداقية برنامجه الاصلاحي الذي أعلن عنه سنة 2011 ، هو مخير بين ان يكون قاطرة تجر نحو الاحسن والأعلى او ان يكون مجرد عربة في قطار النكوص العربي. اعتقد انه لا مناص من استكمال مشروع الاصلاح على اساس تعزيز المكتسبات والمضي في رسم معالم مملكة صاعدة سياسيا وتنمويا لتبقى نقطة مضيئة بجبهة داخلية قوية ونستكمل حلمنا ليكون المغرب كيانا سياسيا يصبح على المدى البعيد قطبا في المعادلة الاقليمية ولم لا الدولية في واقع اقليمي ودولي لا يرحم الوهن السياسي..اجزم اننا نستطيع ان نصبح قطبا قويا اذا احتكمنا الى مرجعية الفصل وهي ان الرابح هو الوطن...