يقول شوبنهاور : " ان عدم الانصاف و الظلم الفادح و القسوة بل و الضراوة هي بصفة عامة الصفات الاساسية التي تميّز تصرّف الناس تجاه بعضهم البعض ، أما عكس ذلك فما هو الا استثناء نادر ، و هذا هو أساس ضرورة الدولة و التشريع". ظهر رجال الشرطة مؤخرا بزي جديد، والذي يختلف حسب الرتب والاختصاصات. ومن بين الأكسسوارات المثبتةفي اللباس الجديد نلاحظ كاميرات صغيرة ، ومن المحتمل أنها تقوم بالتقاط الصورة بالاضافة إلى تسجيل الصوت،إلى جانب مجموعة من الأجهزة المتطورة الخاصة بالاتصال. يتوفر هذا الزي النظامي الجديد على خصائص تشخيصية تسمح بالتعريف بالموظفين ،بحيث يحمل شارة صدرية معدنية تتضمن هويتهم ، كما يحمل شارة على الكتف تدل على الوحدة الامنية التي ينتمي إليها. فهل يرسخ هذا المنطق الجديد في الإشتغال نوعا من الشفافية؟ يقول رجل أمن من فرقة التدخل السريع بسباتا مكناس: " هاد الكسوة الجديدة مريحة بالمقارنة مع ديك القديمة ، وحتى منطق الاشتغال تطور ، ذلك ان المدير الجديد حسم في مجموعة من الامور ، و شحال هادي كان شوية ديال السيبة وانا كنت براسي ماكانحمش البوليس قبل ماندخل كانقولها بصراحة ، ولكن اكتشفت ان الناس طب وحجر كيف كايقول المغاربة ، فينما مشيتي كاين المزيان والخايب ، وكان يقدر البوليسي يدير بزاف د الاخطاء ولكن كايخبيو عليه ، اما دبا يقدرو يغمضو عينيهم شوية ولكن يلا كترو الشكايات تقدر تمشي للحبس ولا الصحرا ولا تحط الكسوة وتمشي لا خدمة لا ردمة. . . الوقت تزيرات على كلشي". هو منطق جديد إذن في الإشتغال ، ولا يتعلق الأمر بمظاهر و ألوان فقط ، وإنما يهم تغييرات جذرية تمس مختلف مجالات الخدمة الأمنية على المستوى الوطني. ولكن أي دلالات تحمل البذلة الجديدة؟ وكيف ينظر المواطن الى هذه التطورات الأخيرة في طريقة اشتغال الامن بالمغرب؟ في كثير من الثقافات المتنوعة يعتبر الأزرق بأنه يبقي الأرواح الشريرة بعيدًا، ويرمز للقوة والصمود ثم السلام ، والصدق، والحب. . . لا شيء بريء في عالم السياسة والأمن كما يقال. . . يقول مراهق في السابعة عشر بحي تواركة بمكناس: " هاذ اللبسة الجديدة جات زوينة للبنات ونقصات الهيبة للرجال. . . ولاو كايبانو من البعيد بحال شي سيكوريتي (امن خاص) ، ما بقاوش كايخلعو. . وهاكا كايبانو حسن " فيما يذهب بقال بدرب السور -تواركة إلى القول: "يبدلو اللبسة ولا مايبدلوهاش بحال بحال. . خاص غي بدلو الدماغ واللسان. ." ويعبر شاب يتعاطى لمخدر الشيرا أن " البوليس تبرطل بهاد التويشية لي زادوه.. ولكن باين هاد الحماق كامل غي باش يسهال عليهوم يشدونا حيت عندهوم شي لعيبات جداد زادوهوم.. وبيني وبينك مابقيناش نفرقو بين البوليسي ولي ماشي بوليسي خاص بنادم يمشي وهو حاضي راسو. . " أما رجل أمن من (بني محمد مكناس) ، فيشير إلى أن " المشكلة فعلاقة الامن بالناس كاين فالتربية وانا كانخدم هنا منذ مدة و مرة مرة كادوز شي ام مع ولادها وكاتقوليهوم يلا ماسكتوش هاهو البوليسي هادشي كايتكرر بزاف. . وهادشي لي ربى فالاطفال والشباب الخوف من الصغر . ." ثمة من يرى في البذلة هيبة واخرون يذهبون إلى عكس ذلك ،أما البعض فلا يهمهم هذا أو ذك وإنما ينادون بتغيير جوهر العمل الذي يتعلق بحسن التلفظ والسلوك ، بعد أن اعتادو سوء المعاملة والسلوك غير الإنساني من رجال الشرطة في أحايين كثيرة كما عبرو عن ذلك. في حين تنظر الشرطة إلى عملها باعتباره عمل كباقي الأعمال الانسانية بعضه حسن وبعضه الاخر سيء، ويبقى عامل التربية هو الفاصل في مسألة احلال الخوف محل الأمن الذي تتحمل فيه الأسرة المسؤولية الأولى. نستحضر في هذا الصدد عبارة للفيلسوفنيكولا ميكيافيلي يقول فيها: " يتفق جميع الكتاب الذين اهتموا بالسياسة على أنّ الذي يريد تأسيس دولة وتمتيعها بقوانين ينبغي عليه أن يفترض أن الناس أشرار ، و أنهم دوما على أهبة التعبير عن طبيعتهم الشريرة كلما سمحت لهم الظروف بذلك ." فهل تشتغل الدولة المغربية بهذا الصورة الذي رسمها ميكيافيلي؟ إن الزي الجديد بخصائصه المميزة ، والمثبت بمجموعة أجهزة جد متطورة ،له معنين في اتجاهين متوازيين ،الأول يدل على أن نظرة الدولة للمجتمع حذرة فهي تترقب في أي لحظة تمرده وتستعد لذلك ، والمعنى الثاني يوحي إلى أن جهاز الأمن يحاول من جهته ترسيخ نوع من الشفافية وذلك بوضعه شارة صدرية معدنية في البذلة تتضمن هويتة الموظفين الأمنيين،بالإضافة إلى شارة على الكتف تدل على الوحدة الأمنية التي ينتمي إليها. وعلى سبيل الختم نورد ما يعبر عنه جوزيف برودون بقوله: " لا يوجد أي شيء في الدولة من أعلى التراتبية إلى أسفلها لا يعتبر تعسفا يحتاج للاصلاح و تطفّلا يجب القضاء عليه،أداة للاستبداد ينبغي تدميرها". فهل يتعلق الأمر في كل هذا بقضية مكافحة الإرهاب؟ أم باستبداد جديد؟ أم أن جهاز الأمن قد انخرط في معركة الإنتقال الديموقراطي؟أم شيئا اخر نجهله وتعرفه الدولة جيدا؟ مراجع: -شوبنهاور،العالم كإرادة و تمثّل ص 1340 -نيكولا ميكيافيلي، الأمير - بيير جوزيف برودون، الفكرة العامة عن الثورة طالب باحث في علم الاجتماع - كلية الاداب والعلوم الانسانية –مكناس