منذ بداية ما يعرف ب الربيع العربي، بدأت في متابعة ما يقع من تغيير وتحويل وزلازل في مجتمعات العالم العربي وبطبيعة الحال تابعت ما يجري في وطني المغرب كذلك. ولاحظت خلال السنوات الماضية، أن المغاربة حاولوا التعبير عن ظروف حياتهم ومحاولة تغييرها بطرق تقليدية مثل الاحتجاجات في الشوارع. وبطبيعة الحال لما رأى المغاربة أن هذه الطرق التقليدية تخلق صدامات عنيفة وانقسامات داخل المجتمع بين كل مكوناته، غيروا الأساليب وعياً منهم من خطورة الانزلاق الجارف الذي يجهض دائما الأهداف النبيلة والشرعية و يهدد ب فقدان كل ما أُنجِز من تقدم ديمقراطي لحد الساعة. هذا يبرهن على قدرة المغاربة على التعلم من تجارب الدول الأخرى والتي تبقى فاشلة ومؤلمة مع الأسف. وهكذا فضل المغاربة أولا الحفاظ على الأمن ووحدة المجتمع والوطن وخصوصا أنه يرون الآن أن المغرب يتقدم بخطوات متزنة مقارنة مع الدول العربية التي عاشت عواصف ربيعها. هذا لا يعني أن المغاربة جلسوا قاعدين مقطوعي السيقان، بل استمروا في التعبير عن تطلعاتهم لتحقيق الديمقراطية محاولين ابتكار طرق سلمية بدون مواجهات عنيفة ودامية. والتفت حينها المغاربة إلى العالم الأزرق وخاضوا في تجربة مرت ب عدة مراحل، حيث بدأت بمبادرات فردية إلى أن أصبحت جماعية. 1- المرحلة الأولى "المرحلة الفردية" أ- مرحلة الشكايات الفيسبوكية بدأت هذه المرحلة بطريقة محتشمة منذ سنوات، بحيث بدأ بعض المواطنين بشكل فردي يدِّونون على الفيسبوك شكاويهم وصعوبة ظروف عيشهم والاحتقار الذي يواجهونه. ونالت هذه الطريقة نجاحا كبيرا في قلب وسائل التواصل الاجتماعي و حققت أعلى مستوايات "البوز" في زمانها. وهكذا اكتشف المغربي كيف له أن يرفع صوته بمفرده بدون الحاجة إلى تنظيم احتجاجي ميداني. ولكن سرعان ما تكاثرت التدوينات ثم فقدت أهميتها بتزاحمها وأصبحت أمراً عادياً . ب- مرحلة تدوين فيديوهات فيسبوكية للتعبير عن "الحكرة" بعد تجارب التدوين الكتابي انتقل المواطن إلى تسجيل تصريحات فيديو حيث يكشف ما يعانيه في حياته اليومية من ظواهر ومن سوء المعاملة في فضاء الإدارات والمستشفيات مثلا. وهكذا أصبح الفيديو دليلاً على حقيقة ما يتعرض له من بطش بكرامته كإنسان وكمواطن. ونالت هذه الفيديوهات نجاحا كبيرا بين المتابعين لوسائط التواصل الاجتماعي . ثم بعد "البوز" أصبح عدد كبير من المغاربة ينشرون هذا النوع من الفيديوهات حتى تراجع زخم تأثيرها. ت- مرحلة نشر الفضائح فبعدما أصبحت المدونات المكتوبة وتسجيلات الفيديو لا تظهر سوى الضحايا بدون الحصول على التعويضات والإصلاحات المرجوة وتحقيق المطالب المُنتظرة، بدأ المغربي يستعمل خاصية المُباشر و يُظهر بوضوح الجاني والمعتدي والظالم بتسجيلاته ونشر الفيديوهات الموثقة لكي يتحرك المسئولون على الأمن والإنصاف لأن هناك دليل قاطع. وكان لهذا النوع من الفيديوهات المنشور على المواقع الاجتماعية نجاح كبير معتبر حيث بفضلها تمت متابعة بعض القضايا قضائياً وتمت حتى محاسبة رجال من أجهزة الدرك والشرطة وموظفين في مختلف القطاعات سواء بسبب سوء المعاملة أو بسبب الرشوة او الإهمال. ولكن في هذه المرحلة لم يُسمع صوت كل الضحايا وكثرت هذه المنشورات الصورية حتى لم تعد نافعة بأكملها لأنها تبقى عمليات فردية وغير منسقة و بعيدة عن إيجاد الحلول الجذرية. 2- المرحلة الثانية "المرحلة الجماعية" بعدما لاحظ المغربي أن كل هذه المبادرات الفيسبوكية العديدة لم تستطع أن تحقق مساعيها المرجوة، فكر المغربي أن تكون المبادرات جماعيةً ومن هنا بدأت حملة المقاطعة المبرمجة لبعض المنتوجات عن طريق صفحات الفيسبوك والتي كان لها آثار كبيرة على الجهات الاقتصادية والسياسية. كما وحدت هذه المرحلة المغاربة وراءها بشكل وطني في مختلف أنحاء البلاد وكأن المغاربة أجمعين نزلوا إلى الشوارع في نفس الساعة وفي نفس اليوم لتحقيق مطلب محدد. ولما لاحظت أن العديد من المواطنين صاروا فرحين وسعداء نفسياً لأنهم حققوا أكبر تحرك اقتصادي للتغيير في ارض الواقع من بوابة الشبكة العنكبوتية، و ذكرتني هذه الفعاليات الفيسبوكية بأجواء المسيرة الخضراء وتساءلت هل قد انطلقت "مسيرة زرقاء" تعبر عن تطور مغربي جديد لتحريره من الحكرة؟ *الدكتور جواد مبروكي، خبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي