نقرأ لهم دون أن نعرف تقاسيم وجوههم ولا ملامحهم، يكتبون لنا وعنا وقائع وملاحم، يخوضون "في عمق" المجتمع، في ثنايا الذات وفي قعر الذاكرة، يرسمون واقعنا ووعينا ولاوعينا بأقلامهم، بالألم حينًا وبالأمل حينا آخر. هم حملة الأقلام الذين امتهنوا المتاعب عن طواعية وقدر محتوم، هم الذين انصهروا في رحاب صاحبة الجلالة حد الذوبان. التقيناهم بعيدا عن مكاتبهم .. قريبا من القارئ، حيث تم قلب الأدوار والوضعيات وتجريب مواجهة السؤال الذي هو زاد الصحافي. وفي خضم البحث عن الجواب تحدثنا عن الطفولة وتفاصيل الحياة الشخصية في بوح صريح. في الموسم الثاني من هذه السلسلة التي فتحت من خلالها جريدة "العمق" منذ رمضان الماضي بابا للبوح لثلة من الزملاء الصحافيين، تستضيف الجريدة في الحلقة الخامسة لهذا الموسم الصحافي بقناة العربية عادل الزبيري. ما الذي تتذكر عن طفولتك؟ مرت طفولتي بين مدينة المنشأ والدراسة طنجة وبين مدينة الأصل الحسيمة. قضيت كل عام سنتي الدراسية في حي بسيط وصغير اسمه "عزيب حاج قدور" في ضواحي طنجة وقتها قبل أن تتحول كما هي عليه اليوم عملاق إسمنتي. وفي الصيف آخذ مكاني في سيارة للنقل السري الجماعي وجهتها قرية الوالدين اسمها إزلوكن بين جبال الريف، تبعد بحوالي 60 كلم عن الحسيمة. في طفولتي عشت زمني بكل تفاصيله، لعبت كرة القدم، شاهدت الرسوم المتحركة في شاشات تلفزيون الجيران لتأخر دخول التلفزيون بيتنا. رافقت أطفالا قادتهم هجرات لمدينة طنجة بحثا عن فرص للحياة. عشت طفولتي بشكل عادي، تنقلت بين الأقسام التعليمية دون سقوط/ رسوب. عشت طفولة بأحلام زماني في ثمانينيات القرن العشرين؛ نبتت أولى أحلامي في طفولة بين حاضرة مغربية دولية اسمها طنجة. كيف جاء التحاقك بالصحافة؟ التحقت بالصحافة عن سبق إصرار وترصد. تخرجت من الثانوية بكالوريا علوم تجريبية من ثانوية الرازي في طنجة. أتيت الرباط باحثا عن التكوين الصحافي عن اقتناع. كانت الصحافة حلما صغيرا كبر معي، خبئته لأننا جيل كبر على ثقافة تمنع التعبير عن الأحلام. وجدت من شجعني على دراسة الصحافة ومن حاول مناقشة حلمي من باب العقلانية لأن الصحافة في المغرب ليست مهنة مريحة اجتماعيا وطبقيا. بالرغم من حلمي بالصحافة إلا أن الزمن لو عاد بي لاخترت مهنة أخرى لأن حال الصحافة في المغرب لا يسر لا عدوا ولا صديقا. هنالك قتل رمزي للصحافة يساهم فيه الجميع. هل كنت تتوقع يوما أن تصير صحافيا؟ لا يزال لوالدي في بيته في مدينة طنجة، مذياع قديم، له لاقط هوائي معدني طويل جدا. خلال مراجعة دروسي اليومية في بيتنا في طنجة، كنت أطلق العنان للالقاء الإذاعي، وساهمت متابعتي لمسلسلات الكرتون في التلفزيون في شدي صوب حلم نبت ونما اسمه الصحافة، وخلال دراستي الثانوية، وبعد إتقاني المعادلات الرياضية، جاءتني حالة نفسية أو صدمة وعي في سنتي الثالثة ثانوي. قررت الخروج من كرسي التلاميذ العلميين، وفق تصنيف الدراسة، باحثا عن التعبير عوض حل المعادلات. مرضت بكسل تعليمي في الباكالوريا بشكل فاجأني وصعب علي فهمه وقتها. قررت مغادرة مرحلة دراسية ودخول أخرى عن اقتناع: الابتعاد عن الدراسات العلمية والبحث عن ارتماء في مسار دراسي يفضي صوب مهنة نقل أحلام الناس والتعبير عنها. بعيدا عن الصحافة، ماهي اهتماماتك الأخرى؟ أتابع كرة القدم بانتظار، اتابع الدوريات الأوروبية، شجعت سابقا برشلونة قبل مغادرة التشجيع لأن النوادي الكبرى تجعل منا أرقاما للربح المالي. أتابع السياسة في المغرب عن قرب لأنها من مجال اشتغالي. أتابع السينما العالمية لعشقي للفن السابع. أحرص على متابعة جديد البرامج الوثائقية، وأقرأ الرواية باحثا عن الحلم وعن متعة تتبع خيوط أبطال يصنعهم كتابهم. ما هي المدينة الأقرب الى قلبك؟ في قلبي 3 مدن؛ الدرويش قرب الناظور لأني ولدت بها في 1981. الحسيمة لأنها مسقط الرأس، ومنها خرج جدي لأبي ليشارك في معركة أنوال ضد المستعمر الإسباني فمات شهيدا ولا قبر له ولكنه بقي بطلا بيننا نتناقل سيرته, ومن الحسيمة، خرج جدي لأبي الراحل محمد بن شريف، ليشارك في سبعينيات القرن العشرين في المسيرة الخضراء. وفي قلبي مدينة اسمها طنجة، نحت فيها طفولتي وشبابي. وفي قلبي أيضا مدينة اسمها أصيلة، تركت فيها مفاتيح قلبي لأن زوجتي من هذه المدينة، وابنتي غدير تعشق أصيلة فلا أجد في عشقها لزيلا كما تسمى محليا، إلا عشقا أيضا من قبلي. ألا تشعر بالندم أنك لم تختر طريقا آخر غير الصحافة؟ في القلب حب طفولي للصحافة لا يمكن أن يزول، ولكن العقل يتأسف بشدة للنهايات المحزنة لصاحبة الجلالة في المغرب. المهنية في المغرب تحتضر، والخبر شحيح جدا، وأكاد أؤمن أن الصحافة باتن سويقة شعبية للجميع،وأن الصحافي يريدونه طبالا براحا وغياطا. ألا تظن أن دور الصحفي ليس هو دور السياسي؟ الصحافي هو شخص يمارس مهنة حرفة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. الصحافي هو مؤطر بقواعد مهنية وضعها الراسخون السابقون عالميا. مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت عبر العالم منحت مجالا لانتشار الصحافة عبر العالم. لكن في المغرب مواقع التواصل الاجتماعي فتحت أبواب الاشاعة والكذب وضرب ما تبقى من مهنية للإعلام في المغرب. هل يعقل أن مقالا كله سب وشتم هو جنس صحافي؟ وأضيف: الصحافي ينقل الخبر والوقائع ووجهات النظر. الصحافي لا يبحث عن الحقيقة لانه لن يجدها ولكل حقيقته في الواقعة، والصحافي ليس كاتب رأي بل هو ناقل للخبر، وكاتب الرأي ليس صحافي. ومن الدخيل في المغرب كلمة إعلامي. الفضوليون أصبحوا غابة في المغرب والصحافي فيها مهدد بالانقراض. هل تفضل أن يصفك الناس صحافيا أم كاتبا؟ أعتبر نفسي صحافيا فقط. ورغم كتابتي للرواية فهي ليست مهنة ولكنها شغف آخر أعيش من أجله، في ظل التطورات السلبية لمهنة الصحافة المغربية أرغب في مخرج آمن لي من الصحافة صوب الرواية، ولكن هذا طريق طويل ويحتاج لنفس ولصبر. هل أنت منتظم في أوقات الكتابة؟ أعتبر الكتابة فعلا يوميا يمكنني من الترويح وتصريف التعب والغضب وتطوير الأحلام على الورق. فبعد كتابي الأول الاسترجاعي ل 4 سنوات في معهد الصحافة الحكومي في مدينة العرفان، انتهيت من أول نص روائي اسمه "صنع في المغرب": عنوان أولي وأبحث حاليا عن ناشر جاد وجيد يمكنه إخراج الرواية وإيصالها للقارئ، ولا أنتظر من الرواية ككتابة أي شيء سوى تقاسم أحلامي مع القراء. ما رأيك في واقع الإعلام بالمغرب؟ مهنيا اسمي صحافي، أشبه بالنجار والسباك والحداد. أدافع عن ما تبقى من مهنية في المغرب في الصحافة في انتظار جيل جديد من السياسيين يعيدون الاعتبار لأهم مهنة تساعد في الانتقالات الكبرى في الدول لأنها سلطة رابعة. في المغرب الصحافي يشبه فرقة موسيقية تأتي للعرس لاسماع القريبين والبعيدين، والصحافي في المغرب يشبه مصورس الأعراس، يوثقون الحفل دون زاوية نظر. كيف عشت أجواء رمضان خلال الطفولة وبعدها؟ في طفولتي عشت رمضان في الشتاء والربيع. الإفطار الصباحي بينما أهل الدار صيام، البحث في بقايا سحورهم قبل أن تحضر لي أمي فطوري قبل الذهاب صوب المدرسة. رمضان الطفولة هو عناد الصغار للصيام ومقاومة العطش والجوع بحثا عن أن نكبر بسرعة. رمضان الطفولة هي قطرات شاي أخضر أشفطها من فم الإبريق قبل أن تراني أمي. رمضان الطفولة هي مائدة الإفطار مع العائلة، وشغب التنقيب في جميع الصحون، ومحاولات تفشل للنهوض للتسحر مع الأهل لأن النعاس ينتصر على كفل ارهقه الدرس في يومه وسويعات مراجعة مسائية. ماذا تمثل لك هذه الكلمات؟ الحرية: هي الإنسان المغربي. الحب: هو كيمياء الكائنات الحية من فصيلة البشر. الوطن: هو سقف عالي، أغلى مقدس في الوجود، هو وثيقة دستورية، هو القيام بالواجب وعدم السرقة وأداء الأمانات. والوطن هو إحساس وفاء يشعر به الصادق والوطن ليس أغنية ولا بيت شعر ولا ملحمة: الوطن هو الانتماء ما رأيك في هؤلاء؟ عبد الرحمن اليوسفي: أشجع سياسي مغربي عرفته. ترك خلافات الماضي السياسي وقرر الوقوف لجانب وطنه المغرب في لحظة انتقال للملك وللحكم وللوطن. الطيب لعلج: حاورته مرة واحدة. سيد الشعر العامي المغربي، ومخرج للتراث الشعبي الشفاهي المغربي على خشبة المسرح. فاطمة الإفريقي: صحافية مغربية لها احترام كبير، لأنها تشتغل بمهنية في مؤسسة إعلامية حكومية محافظة جدا، وتغادر مقر علمها لتمارس قناعاتها بكل حرية.