ظلت الخلافة الإسلامية راشدةً وأمويةً وعباسيةً وعثمانيةً، حاملةً للإرث النبوي العظيم على مدى أربعة عشر قرنا من الزمان، كانت امتنا فيها زعيمةَ العالم بلا منازع، وقائدةَ المجتمع الدولي بلا منافس، وقاعدةَ الحضارة والمدنية بلا شريك، ومُلهمةَ الإنسانية بلا حدود، تحطمت على صخرتها كل المؤامرات القادمة من الغرب الصليبي ومن الشرق المغولي، فارتدت حملاتهم على اعقابها خاسئة مدحورة، وإن نجح هؤلاء أحيانا وفي لحظة ضعف أصابت الأمة الإسلامية وقيادتها، بتسجيل بعض الانتصارات بالنقاط لا بالضربة القاضية، سرعان ما نضهت الامة بعدها لتقذف بهم من جديد خارج حدودها، ولتُعَلِّمهم درسا يبدو انهم لن ينسوه أبدا.. ظلت الخلافة الإسلامية طوال هذه القرون الجامعةَ لشتات الامة، والسقف التي التقت تحته في وحدةٍ بديعةٍ فكريا وسياسيا وجغرافيا، فصَدَّتْ كل الأمواج العاتية التي استهدفتها من الداخل والخارج على حد سواء.. (1) استمرت محاولات الغرب بلا توقف في البحث عن كل وسيلة لإضعاف هذا المارد الإسلامي، فوجدوا ضالتهم في عدد من الاستراتيجيات فشلوا في تحقيق بعضها ونجحوا في بعضها الآخر، ساعدهم في ذلك عدد من عوامل الضعف الداخلية التي تراكمت عبر السنين، انتهت بإسقاط الخلافة العثمانية في شهر آذار من العام 1924. وجدت الشعوب العربية والإسلامية نفسها لأول مرة منذ قرون طويلة دون نظام سياسي جامع، ودون عنوان يلتجئون اليه ويحتمون به من غوائل الزمان. كان إسقاط الخلافة وليس سقوطها، المرحلة الأهم في خطة الغرب المحكمة للاستيلاء على الشرق العربي والإسلامي، والتي بدأت بحملات الاستعمار الحديث التي اشتركت فيها اغلب دول أوروبا التي قادت الحرب على العالم الإسلامي منذ أشرقت شمسه في سماء هذا العالم، والعبث في امن واستقرار الدولة العثمانية من خلال التدخل المباشر في شؤونها عبر آلية الامتيازات وحماية الاقليات المسيحية، والتآمر على خلفائها الأقوياء كالسلطان عبد الحميد الثاني – رحمه الله، وانتهاء بإجبارها على التوقيع على اتفاقات الخنوع والاستسلام بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى كاتفاقيات ( سيفر، وسان ريمو، ومؤتمر فرساي ولوزان)، والتي جاءت بعضها تتويجا لاتفاقيات ووعود سابقة ك – (اتفاق سايكس – بيكو) ، و (وعد بلفور) و صك ( الانتداب البريطاني )، والتي مهدت كلها لتحقيق هدفين أساسيين، أولهما مقدمة للآخر، والآخر ثمرة للأول: الأول، إسقاط الخلافة الإسلامية بالرغم من ضعفها بسبب ما تمثله من أمل للعرب والمسلمين في العالم، وما تجسده من وحدة سياسية وجغرافية، وما تشكله من مرجعية فكرية واحدة تجعل من مجموع الأصول والشعوب والعرقيات العربية والإسلامية واحدا لا يتجزأ، تلتف كلها حول الإسلام الحنيف الذي جعل منها امة مهابة الجانب مصونة البنيان على مدى قرون طويلة. الهدف الثاني، التمهيد لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين يحقق للغرب الأوروبي حُلُمَه في التخلص من عبء اليهود في دوله من جهة، وزرع بؤرة للصراع في الشرق الأوسط قلب العالم الإسلامي، سيصبح فيما بعد المركز الذي تُبنى من حوله الدول العربية الوليدة، وسَتُصاغ خدمةً له السياسات والتحالفات الجديدة التي ستمنع تماما – حسب خطتهم – العودة إلى عصور الخلافة من جديد. مهدت هذه الاستراتيجية الغربية الجديدة لاحتلال هو الأشد والأكثر خطورة وقسوة، ابتدعته ادمغة متخصصة كانت على الدوام وما تزال ترسم للاستعمار الغربي خرائط الطريق لاستمرار هيمنته بالطرق الملائمة والمناسبة. وصلت حكومات الغرب الاستعمارية بعد تجارب استمرت لقرون أن العالم العربي والإسلامي لا يمكن السيطرة عليه من خلال الاحتلال المباشر الذي سيظل يحرك الأجيال تلو الأجيال رفضا له وجهادا في مواجهته، مستهينة بأي ثمن يمكن ان تدفعه في سبيل ذلك، الامر الذي كلفها خسائر فادحة مقارنة مع الفوائد المرجوة. لذلك كان لا بد من طريقة أكثر ذكاء، لكنها أكثر تأثيرا وأعمق خدمة لدول الغرب ومصالحه، وأكثر ضمانا لبقاء الشعوب الإسلامية عاجزة عن المواجهة والمنافسة. (2) ليس أدل على ما ذهبتُ إليه بشأن الأسباب وراء السياسة الغربية الجديدة، من مفردات (مؤتمر كامبل بنرمان )، وهو مؤتمر انعقد في لندن عام 1905 واستمرت جلساته حتى 1907، بدعوة سرية من حزب المحافظين البريطاني برئاسة (آرثر جيمس بلفور) والذي اشتُهر فيما بعد بوعده المشؤوم والمعروف ب (وعد بلفور)، بهدف إيجاد آلية تحافظ على تفوق ومكاسب الدول الاستعمارية إلى أطول فترة ممكنة. شارك في اعمال المؤتمر الدول الاستعمارية في ذاك الوقت وهي: بريطانيا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، إسبانيا وإيطاليا. خرج المؤتمر في نهاية مداولاته بوثيقة سرية سموها "وثيقة كامبل" نسبة إلى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك (هنري كامبل بانرمان) وهو زعيم حزب الاحرار، الذي خلفت حكومَتُه حكومةَ المحافظين التي سقطت عام 1905. اعتبر الخبراء هذا المؤتمر أخطرَ مؤتمر انعقد في التاريخ المعاصر بهدف تدمير الأمة العربية خاصة والإسلامية عامة، والحيلولة بينها وبين النهضة الحقيقية، والإبقاء على منطقة الشرق الأوسط منطقة توترات ونزاعات وصراعات لا تتوقف، بغية ابتزازها وامتصاص ثرواتها بدواعي التسليح والأمن (ومحاربة الإرهاب!!)، وتشتيت قُوَّتِها بدواعي الأمن القومي و (الكرامة الوطنية!!)، وفرض الوصاية عليها بشكل مباشر او غير مباشر! وصلت نقاشات المؤتمر إلى أن "مصدر الخطر الحقيقي على الدول الاستعمارية، إنما يكمن في المناطق العربية من الدولة العثمانية، لا سيما بعد ان أظهرت شعوبها يقظةً سياسيةً ووعياً دينيا وقومياً ضد التدخل الأجنبي والهجرة اليهودية إلى فلسطين"، حيث أكد المؤتمر في مناقشاته على ان "خطورة الأمة (الشعب) العربي تأتي من عدة عناصر قوة يملكها: أولا، وحدة التاريخ واللغة والثقافة والهدف والآمال. ثانيا، تزايد السكان بشكل كبير. ثالثا، السيطرة على أغنى مناطق العالم وأكثرها استراتيجية برا وبحرا وجوا."… توصل المؤتمر حسب وثائقه المنشورة إلى نتيجة مفادها: "إن البحر الأبيض المتوسط هو الشريان الحيوي للاستعمار، لأنه الجسر الذي يصل الشرق بالغرب والممر الطبيعي إلى القارتين الآسيوية والأفريقية وملتقى طرق العالم، وأيضا هو مهد الأديان والحضارات"، وان الإشكالية في هذا الشريان هو أنه: "يعيش على شواطئه الجنوبية والشرقية بوجه خاص شعب واحد تتوفر له وحدة التاريخ والدين واللسان". أبرز ما جاء في توصيات المؤتمر: "إبقاء شعوب هذه المنطقة مفككة جاهلة متأخرة"، وبناء عليه قسم المؤتمِرون دول العالم إلى ثلاث فئات: "الفئة الأولى: دول الحضارة الغربية المسيحية (دول أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا) والواجب تجاه هذه الدول هو دعم هذه الدول ماديا وتقنيا لتصل إلى مستوى تلك الدول. الفئة الثانية: دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ولكن لا يوجد تصادم حضاري معها ولا تشكل تهديدا عليها (كبعض دول أمريكا الجنوبية واليابان وكوريا وغيرها)، والواجب تجاه هذه الدول هو احتواؤها وإمكانية دعمها بالقدر الذي لا يشكل تهديدا عليها وعلى تفوقها. الفئة الثالثة: دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية، ويوجد تصادم حضاري معها، وتشكل تهديدا لتفوقها (وهي بالتحديد الدول العربية بشكل خاص والإسلامية بشكل عام)، والواجب تجاه تلك الدول هو حرمانها من الدعم ومن اكتساب العلوم والمعارف التقنية وعدم دعمها في هذا المجال ومحاربة أي اتجاه من هذه الدول لامتلاك العلوم التقنية، والقضاء على أي توجه وحدوي فيها "… رأى المؤتمر ضرورة العمل على استمرار تخلف المنطقة العربية والإسلامية، وعلى تكريس التفكك الانقسام وإنشاء دويلات مصطنعة تابعة للدول الأوروبية وخاضعة لسيطرتها (عميلة). ولذا أكد المؤتمرون "فصل الجزء الأفريقي من المنطقة العربية عن جزئها الآسيوي، وضرورة إقامة الدولة العازلة (Buffer State)، عدوّةً لشعوب المنطقة وصديقةً للدول الأوروبية.".. كان اتفاق سايكس – بيكو (1916) بدايةَ التنفيذ لمؤتمر (كامبل بنرمان).. (3) أدى هذا الوضع الجديد إلى نشوء أنظمة حكمٍ مستبدةٍ وفاسدة امتلكت الثروة والسلطة في دول هي نتاج مؤامرة سايكس- بيكو، اغتصبت الحكم وتفننت في السيطرة على شعوبها بالحديد والنار، وعربدت في إدارة البلاد والعباد حتى أصبحت الأكثر تخلفا وذلا وهوانا، دعمتها جحافل من الانتهازيين والمتملقين والطفيليات من طبقات المجتمع المختلفة مهمتها الترويج لمنظومات الحكم الفاسدة والمستبدة مقابل فتاتٍ من المصالح تتساقط من موائد الفسدة المستبدين. لماذا ولأي غرض؟ خدمة لمصالح الدول الغربية المتواطئة مع هذه الأنظمة الفاسدة، وحماية لها من غضبة شعوبها، وقمعا لكل القوى الحية في المنادية بالاستقلال الحقيقي، والتخلص من الاستبداد والفساد، ونشر الديموقراطية الحقيقية، والحفاظ على هوية الامة من المسخ والضياع، من الجهة الأخرى. لم تعد "العَمالة" في هذه المرحلة سياسية وامنية فقط، بل تطورت لتصبح "عَمالة ثقافية" و "خيانة حضارية".. من اجل سيطرة الغرب على عالمنا العربي والإسلامي، كان لا بد من التحرك على مسارين متوازيين ومتكاملين: فساد الحكام وفساد الشعوب، فساد الراعي والرعية معا. لذلك التقت مصالح الغرب المستعمر مع منظومات الحكم (الوطنية!!) التي تمارس الاحتلال باسمه، في فتح بوابات العالم العربي والإسلامي أمام حملاتِ غزوٍ من نوع جديد هو "الغزو الثقافي" لعب فيه "عملاء الثقافة" وسماسرتها دورا خيانيا كبيرا أدى إلى مسخ الهوية الدينية والوطنية للامة، وهَدَمَ حصونها الثقافية الاصيلة حتى تبقى سهلة القياد والانقياد، مسلوبة الإرادة، فاقدة للأمل والاحلام، مهيضة الجناح، تخاف من خيالها، وترتعد فرائصها خوفا على حياتها ولقمة عيشها.. لا تطمع في عيش كريم ولا حرية ولا كرامة وطنية، ولا تهتم بمستقبل أمة، ولا تسعى لتحرير اوطان او مقدسات.. تجدها احرص الناس على حياة، أية حياة حتى لو كانت تحت نعال العسكر وأحذية رجال الامن! بل تتجاوز ذلك إلى ان تسعى راضية إلى ان تكون السوط في يد الجلاد الظالم تُلهب به ظهور الشرفاء ممن امتدت أيديهم لها بالخير، ولسانَه الذي لا يتورع عن التطاول عليهم وقذفهم بالحجارة حتى الموت لو طلب الحاكم منهم ذلك. خلاصة الموضوع، "العمالة السياسية" و "العمالة الأمنية" و " والعمالة الثقافية"، وجوه لعملة واحدة.. كلها تسعى الى تخريب المجتمعات وإفقادها عوامل الصمود والتماسك في وجه التحديات.. (4) كانت صدمة الشعوب العربية والإسلامية كبيرة وعميقة بسبب نجاح دول الاستعمار والاستكبار الغربي في تحقيق أهدافها كلها تقريبا ابتداء بإسقاط الخلافة الإسلامية، مرورا بتفتيت العالم العربي والإسلامي، والتمكين لإسرائيل في المنطقة، وأخيرا بإقامة الدول القطرية (القومية) التي خدمت المخططات الاستعمارية وما زالت تخدمها، في الوقت الذي تفتك فيه بكل محاولة للنهضة بالأمة على قاعدة (لن يَصْلَحَ آخرُ هذه الامة إلا بما صَلُحَ به أولها)… صدمَ الواقعُ الفاجعُ الذي نشأ بعد الحرب العالمية الأولى وسقوط الخلافة الإسلامية أيضا أولئك الذي دعموا دول الاستعمار في حربها ضد الخلافة العثمانية (الشريف حسين وغيره من الزعماء العرب)، بل وحاربوا إلى جانبها بعد ان صدقوا وعود بريطانيا بإقامة خلافةٍ عربيةٍ ترثُ الخلافة العثمانية (الاعجمية!!) وتعيدُها (عربيةً خالصةً!!) كما كانت طوال الالف عام تقريبا.. لم تُصِبْ الصدمة فقط أولئك العرب الذين طمِعوا عبثا في إعادة الخلافة إلى أيديهم بمساعدة بريطانيا المستعمرة، بعد ان انتقلت إلى أيدي العثمانيين لنحو 600 عام، بل أصابت أيضا قطاعا آخر سَخَّرَ نفسه هو أيضا لخدمة اجندات المستعمر ولكن لأسبابه الأيديولوجية الخاصة… لعب قطاع من (المثقفين!!) العرب الذين تأثروا ببريق الحضارة الأوروبية دورا كبيرا في صناعة الانحطاط الذي أصاب الامة من أقصاها إلى أقصاها بعد سقوط الخلافة العثمانية، فقد كانت قناعة هؤلاء راسخة في أن نهضة الامة لا بد ان تمر عبر الحضارة الغربية الأوروبية، متجاهلين انها (حضارة المستعمر!!) الذي وقف وراء كل المآسي العربية ومصائبها في القرن العشرين وحتى اليوم. لذلك رأيناهم من أكثر المساندين لكل دعوة للانسلاخ من دين الأمة وتاريخها، والارتماء في أحضان الغرب والأخذ عنه غَثّاً هذا الذي يأخذونه او سميناً.. شعار هؤلاء (القوميين العلمانيين) كان العداء للدين وللخلافة الإسلامية، فحظوا بسبب ذلك باحتضان القوى الأوروبية التي قامت بدعمهم وتسهيل مهمتهم في التبشير ب (القومية!!) كدين جديد في بلاد الشرق الإسلامي. كان من أبرز هؤلاء المبشرين ب (دين!!) القومية البستاني، واليازجي، وجورج زيدان، وساطع الحصري، وأديب إسحاق، وسليم نقاش، وفرح أنطوان، وشبلي شميل، وسلامة موسى، وهنري كورييل، وهليل شفارتس.. (5) استفاق العرب والمسلمون على واقعٍ ما كانوا يحلمون فيه أبدا.. استعمار أوروبي ولغ في دماء الجميع حلفاء ومعارضين وشعوبا حتى الثمالة.. فلا الذين دعموا بريطانيا طمعا في استرداد الخلافة الإسلامية من أيدي (غير العرب)، ولا الذي دعموا أوروبا طمعا في ان تساعدهم في إقامة دول عربية حديثة وديموقراطية أسوة بالدول الأوروبية، نجحوا في الحصول ما وعدتهم به الدول الاستعمارية وعلى رأسها بريطانياوفرنسا.. على العكس تماما، فقد تحول هذا الجسد الاسلامي الذي كان حتى سنوات قليلة باسطًا قوته على العالم كإحدى القوى العظمى فيه، قوة تَمَسَّكَ بها المسلمون على مدار قرون طويلة بعد ان رأوا فيها عنوانهم ومهوى قلوبهم، والممثلة لدينهم وآمالهم، والحامية لكرامتهم، والمدافعة عن وجودهم، تحول هذا الجسد إلى قطع نازفة تكالبت عليها دول الاستعمار الأوروبي تنفيذا لخطة (مؤتمر كامبل بنرمان) وما تلاها من خطط استعمارية عرفت ما تريد، في الوقت الذي فقد فيه العالم العربي والإسلامي السيطرة تماما في غياب القيادة الموحدة التي كانت لهم (الخلافة الإسلامية)، وتآكل سَدُّها المنيع بعد ان تساقطت أحجاره عبر حقب طويلة من الصراع المرير.. لقد أصبح العالم الإسلامي بأكمله تقريباً محتلاً من قبل القوات الأجنبية، الأمر الذي لم يحدث من قبل، لا أثناء الحروب الصليبية، ولا الغزو المغولي. إلا ان حياة المستعمر الأوروبي لم تكن سهلة، فقد واجه أعتى أنواع المقاومة التي رفضت وجوده، وانتفض الشعب تحت الوية مقاوماته الشعبية الإسلامية في أغلبها الساحق، والتي ما هدأت حتى قذفت بالمستعمر إلى خارج حدودها غير مأسوف عليها.. إلا ان المستعمر لم يفقد هذه المَرَّةَ توازنه تحت ضربات المقاومة الإسلامية في طول البلاد العربية الإسلامية وعرضها، فخطط لنوع آخر من الاستعمار غير المباشر وغير المكلف، ولانسحابٍ ضمن له ان تظل البلاد العربية والإسلامية التي ستنال استقلالها في قبضته ورهن إشارته وفي خدمة مصالحة وإن بأيدي عربية وإسلامية.. لقد تحقق له ما أراد، وما هذا الانحطاط غير المسبوق الذي يسود أغلب عالمنا العربي والإسلامي إلا دليل على نجاح مشروع المستعمر! كما ان ثورة الشريف حسين لم تأت للامة بالخلافة العربية، وكما ان حركة (القومية العربية) لم تُشَيِّدْ لنا دولة الأمة الواحدة ذات الرسالة الخالدة، وذلك لعوار مشاريعهما أولا، ولاعتمادهما على دول الاستعمار الأوروبية ثانيا، فلم يبق للأمة العربي والإسلامية من مخرج من هذا الفخ إلا العودة إلى طريق الخلافة والتي يمكن أن تنشأ تحت مصطلحات معاصرة ك – (الولايات العربية المتحدة) تمهيدا ل – (الولايات الإسلامية المتحدة).. هل هذا ممكن عقلا؟ نعم، ممكن، فليست الولاياتالمتحدة (400 مليون/ 50 ولاية)، ولا الصين (1.5 مليار)، ولا الهند (1.4 مليار)، بأولى منا بهذا الحلم! المهم ان تتخلص الامة من اغلالها الداخلية والخارجية، وسيتنفس بعدها صبحنا من جديد.. * الرئيس السابق للحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني