ساتيا جيث راي 1921-1992 تأثر «دادا فالكي»، المخرج السينمائي الأول في الهند، عندما شاهد فيلم "المسيح" في إحدى قاعات بومباي في مستهل القرن العشرين وتحول من مصور إلى سينمائي، وأخرج أول فيلم هندي بعنوان "راجا هاريشندرا" في 1913 في زمن السينما الصامتة، وهو إبداع هندي كامل. وحين شاهد "ساتيا جيث راي"، مخرج الواقعية في الهند، وهو في رحلة إلى أوروبا أواخر الأربعينات فيلم "سارق الدراجة" للمخرج الإيطالي "دي سيكا" تأثر بالواقعية الإيطالية وبعد عامين اشتغل على رائعته السينمائية "باتر بانشالي" أو "أنين الممر" و البعض يسميه "أغنية الطريق". كانت مهنته الأصلية رساما في شركة إعلانات فتحول إلى سينمائي بعد دراسة مكثفة. وفي منتصف الخمسينيات أخرج رائعته "باثر بانشالي" أو "أغنية الممر" للروائي البنغالي «بهوسان» و فاز على إثرها بجائزة "كان" في 1956. ورغم أن المخرجين «بيمال روي» و «شانت أناند» سبقاه للفوز بجوائز تقديرية لمهرجان"كان" في 1949 و 1954 إلا أن ساتيا جيث راي اعتُرف به عالميا مخرجا واقعيا على مستوى الهند. وقد انهالت الجوائز العالمية، والدكتوراه الشرفية، على ساتيا الذي كان مخرجا شموليا: يؤلف ويضع السيناريو والحوار والموسيقى والأغاني ويصمم ملصقات أفلامه. وعندما يقتبس قصة لأحد أفلامه فهو يحاول الحفاظ على نفسها الإبداعي من خلال السيناريو والحوار. وقد اقتبس إحدى أهم روايات الأديب الهندي مونشي «لاعبو الشطرنج» وهي عن سقوط الدولة الإسلامية في الهند 1193-1857 على يد الاستعمار الإنجليزي .ومن أهم أفلامه «صالون الموسيقى» وهو عن إقطاعي أفلس إلا أنه ولم يزل ولم يحن للماضي …وفيلم «الغريب» وهو عن أب أصيب بأزمة قلبية و أثناء فترة النقاهة في منزله يكتشف أن عائلته و أبناءه تحولوا في غفلة منه إلى السقوط في دراما الفساد الاقتصادي والاجتماعي باستثناء ابنه الرابع …. المعاق…. واقتبس لأفلامه عدة قصص عن الأديب "رابندرانات طاغور " الفائز بجائزة نوبل في عام 1913 عن ديوانه "قرابين الأغاني " و في سنة 1992 كرمت لجنة الأوسكار الأمريكية "ساتيا" بجائزتها عن مجمل أعماله و قد خلف الراحل "ساتيا جيث راي" ثُراتا سينمائيا لازال مَعينا لدارسي ومحبي السينما. كان فيلم "الغريب" آخر أفلام ساتيا 1991، إذ توفي بعد سنة من هذا الفيلم.وقد أبدع أفلامه الأخيرة وهو في حالة مرضية صعبة لم تُثنِه عن العمل الذي يحبه. لقد لعب ساتيا في الهند نفس الدور الذي لعبه رابندرانات طاغور و كلاهما كان مبدعا شموليا، فساتيا بالإضافة إلى الإخراج و الموسيقى و الألحان التي وضعها لأفلامه كان رساما وقصاصا و شاعرا. ويشير بعض النقاد إلى أن ساتيا صاحب اتجاه إنساني في أفلامه، الشيء الذي جعلها رغم طبيعتها الواقعية تنجح جماهيريا أيضا. كما يشار إلى أن ميزانية أفلامه تكتفي بأقل التكاليف. فكان يعمل على الابتعاد عن الاستديوهات و اختيار أماكن عادية أو طبيعية في أكثر الأحيان لتصوير أفلامه. و يروي في كتابه: "أفلامنا و أفلامهم" كيف صور فيلم "غرفة الموسيقى" 1958 و بحثه المضني عن قصر عادي يتوفر على غرفة موسيقى في الزمن القديم، لأن الأمراء كانوا يخصصون غرف في دورهم للموسيقى. لقد كان ساتيا يصنع أفلاما مختلفة ليس لها طابع خاص به أو دائم ، يقول: «التنوع يعكس شخصيتي فالحافز لإيداع الفيلم أو الأفلام هو الرغبة في مغامرة ولوج عوالم يتفادى الكثيرون ولوجها، فقد كان اهتمامي الأساسي اكتشاف الأرض الفنية و ليس التركيز على زراعة نوع من المحاصيل». لقد كان الراحل ساتيا متشبعا بالثقافة الغربية خاصة الإنجليزية، كما كانت السينما الإيطالية جزء من ثقافته السينمائية إلا أنه ظل هنديا في العمق أو بالأحرى بنغاليا، لذلك لم تؤثر الثقافة الأجنبية في عمله السينمائي إلا في حدود استعمال التقنيات: فقد تتلمذ في جامعة "سانتيكيتان" قرب كلكوتا وهي جامعة أسسها الشاعر رابندرانات طاغور تدرس الفنون و العلوم و الآداب في الفضاء الطلق بضيعة للشاعر تبرع بها مع مبلغ جائزة نوبل التي فاز بها لأجل التدريس. وقد تخرج من هذه الجامعة الآلاف من الطلاب بعيدا عن التعقيدات التي واكبت الجامعات التي أنشئت في العالم الثالث بمركبات و تكاليف وعراقيل العقد الأجنبية/ الاستعمارية / الغربية، فكانت و لا زالت جامعة نموذجية تتميز بالبساطة في النظام و جودة التعليم . لم يك ساتيا يُبدع أفلاما سياسية بالمعنى الحزبي أو الفكري، إلا أن بعض أفلامه مثل : "لاعبو الشطرنج" سنة 1977 تعرّض فيه للتدهور الذي وصلت إليه السلطة الهندية / الإسلامية قبل دخول الاستعمار الإنجليزي في 1857، وتجاهل الأمراء مواجهة الجيش الانجليزي…ونقلهم رقعة الشطرنج كلما وصل الجيش الإنجليزي إلى موقعهم، و انخراطهم في المتع مما أدى إلى فقدانهم الهند. وأبدع فيلمه الرائع "الرعد البعيد" 1973 عن المجاعة التي ضربت البنغال في 1944 قبل استقلال الهند بثلاث سنوات، فأفلامه كانت سياسية بالمعنى العام دون مباشرة. خلف الراحل 26 فيلما روائيا و 8 أفلام قصيرة و 5 أفلام وثائقية أي في المجمل 39 عملا ، إضافة إلى القصص و القصائد و اللوحات و القطع الموسيقية و الألحان و ذلك على مدى السنوات الممتدة من 1956 إلى 1992 تاريخ وفاته. وفاز بالإضافة إلى السعفة الذهبية في كان 1956 بالأوسكار الأمريكي في 1992 قبل وفاته بقليل، وبأعلى جائزة هندية "بهارات راتنا" 1992 و بالجائزة الكبرى لمهرجان البندقية 1957 . و من أفلامه المميزَة "باتر بنشالي" =أغنية أو أنين الممر 1955 ، و جالسا جهار = حجرة الموسيقى 1958 ، و ديڤي = الآلهة 1960 ، و "تشارولاتا" =الزوجة الوحيدة 1964 ، وناياك = البطل 1966، وجانا شاترو =عدو العالم 1989، وشاكها بروشاكا = فروع الشجرة 1990. وقد استفاد من قصص طاغور و حوّلها إلى أفلام، كما وضع فيلما وثائقيا عنه و استعان في عدة أفلام بابنة طاغور "شارميلا" التي تحولت إلى نجمة شهيرة في سينما بوليوود / بومباي. للأسف فإن السينما في المغرب لا تعرف إلا الشيء القليل عن السينما في الهند ومخرجيها مثل ساتيا و مرينال سين وبيمال روي ولا يعرض التلفزيون هذه الأفلام باستثناء فيلم "حجرة الموسيقى" الذي عرض في القناة الثانية منذ أعوام. في 1942 والهند لم تستقل بعد كان ساتيا قد انخرط في جامعة طاغور، وكان يرتاد السينما خاصة القاعات التي تعرض أفلاما غربية . كانت كلكوتا هي الموقع العسكري البريطاني المتقدم لمواجهة الجيش الياباني، ومع ذلك كانت تمتلئ بالقاعات السينمائية التي تعرض الأفلام الغربية و الهندية و البنغالية. وقد أسس وأصدقاءه ناديا سينمائيا لمناقشة الأفلام التي تعرض بعد مشاهدتها ، فواجهوا معارضة من بعض الذي يعتبرون السينما مخالفة للمعتقد. وفي نفس الفترة كتب عدة مقالات في الصحف التي تصدر بالانجليزية و البنغالية عن السينما….والتقى بجان رينوار الذي جاء إلى كلكوتا لتهييء أماكن تصوير فيلمه "النهر". لكن التطور المهم في حياته كان في 1949 عندما انتقل إلى بريطانيا في إطار عمله لدى شركة الإعلانات ، وكانت إحدى القاعات اللندنية تعرض فيلم "سارق الدراجة" فاقتنع أن لا يعود إلى العمل في شركة الإعلانات. وكانت قصة "باتر بانشالي" تدور في رأسه وهي التي اشتغل عليها لمدة سنتين بعد عودته إلى الهند. لقد تشكلت ثقافة ساتيا السينمائية من السينما الغربية خاصة أفلام جون ريد و فيليني و ديسكيا و بلازيني و شابلن و الياباني أكيرا كوروساوا ، وأعجب بمخرجي السينما الهندية مثل "شيام بنغال" و "ساثيو" . أما في السينما الفرنسية فقد أعجب برينوار و غودار. وقد أشار في كتابه "أفلامنا و أفلامهم" إلى الأفلام و المخرجين الذين تأثر بهم في مسيرته السينمائية و كيفية اشتغالهم في صنع الفيلم، وإن كان للسينما الإيطالية التأثير الأهم عليه . لم يكتف ساتيا بإخراج الأفلام و العمل في الإعلانات و الرسم و السيناريو، بل صار موسيقيا فدراسته للفنون في جامعة "سانتيكيتان"، التي أسسها طاغور، صقلت حسه الموسيقي، ومع أن رافي شنكار و علي أكبر خان و فيلا ييت خان وضعوا موسيقى 6 من أفلامه ( رافي شنكار وضع موسيقى 4 أفلام، و أكبر و فيلا وضعا موسيقى شريط واحد لكل منهما)، إلا أن ساتيا حرص على أن يضع بنفسه موسيقى باقي أفلامه. يقول في كتابه " أفلامنا و أفلامهم":«إن أفكاري تتكون على نحو سريع تماما –أحيانا منذ بداية مرحلة السيناريو فأسجل هذه الأفكار كما ترد و هي ترد، عادة، متسترة بلباس أركسترالي معين، فأدون ملاحظة عن ذلك أيضا. غير أن عملية التدوين الموسيقي الفعلية لا تتم قبل الانتهاء من كل شيء آخر، بما في ذلك القطع النهائي. من كل مراحل صناعة الفيلم، أجد أن التوزيع الأركسترالي للموسيقى هو الذي يتطلب أشد أنواع التركيز لدي. وهذه المهمة قد تخف وطأة حينما أكتسب المزيد من الطلاقة في التدوين الموسيقي. أما في الوقت الراهن فما تزال العملية تتطلب جهدا كبيرا ». ومن المدهش أن "ساتيا" المخرج الواقعي معجب أيما إعجاب بأغاني أفلام بوليوود وتموضعها في الفيلم و التتويج الذي حظيت به . و هذا ما يؤكد أنه تابعها من خلال ابنه الذي كان مولعا بهذه الأغاني. و رغم أن ساتيا يتمتع بحس نقدي رائع فهو لا يستهزئ و لا يسخر من أي فيلم أو أي أحد، يقول عن أفلام الأغاني في سينما بوليوود أو بومباي : «لكن ثمة ممارسة غريبة أخرى يقبلها الجمهور بطيب قلب هي أن ممثل ينخرط في الغناء في فيلم من الأفلام إنما يفعل ذلك بصوت واحد من ستة مغنيين مشهورين يبدو أنهم هم الذين يحتكرون السوق التجارية. ونادرا ما يتطابق صوت المغني مع صوت المتكلم، إلا ما كان منه بالصدفة، لكن ما من أحد يهتم بذلك أبدا. لكن الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو كم ينفق من التفكير من أجل المعالجة السينمائية (أو بالتعبير السينمائي) من أجل تصوير هذه الأعداد من الأغاني. أجل فالأغاني ليست تماما كالرقصات. لأن الرقص هو على أي حال أشياء حركية يمكن للكاميرا و القطع أن يعالجها بسهولة نسبية. إلا أن الأغاني هي التي تثير المشكلات». وقد شاهد "ساتيا" السينما السوڤياتية و الأمريكية، ومن خلال كتابه يتضح أن مشاهدة الفيلم بمثابة قراءة كتاب فلا يمكن لمن لا يشاهد الأفلام أن يصنعها أصلا، ومنذ صباه كان يشاهد الأفلام الأجنبية و الهندية الوطنية و المحلية البنغالية، التي بدأت في الظهور مع أول فيلم بنغالي في 1916 . ومنطقة البنغال هي التي قسمت بين المسلمين و الهندوس في 1947، حيث أصبح شرق البنغال يعرف بباكستان الشرقية و فيما بعد 1971 صار بنغلاديش، بينما احتفظ غرب البنغال بالعاصمة كلكوتا مع أغلبية هندوسية في إطار الهند. وقد استطاع الحزب الماركسي المستقل الذي انشق في 1966 عن الحزب الشيوعي الهندي الوصول إلى حكم ولاية البنغال الهندية منذ 1977، لقد وصف ابن بطوطة 1304-1377 البنغال ب «أرض جهنم الملئ بالنعيم»، وعاش فيها مغربي آخر هو محمد المصمودي و تعتبر من أهم و أخطر الولاياتالهندية على المستوى السياسي، وكانت أول منطقة تواجد فيها الإنجليز في القرن 17 بعد تأسيسهم شركة الهند الشرقية في 1600 ، وتميزت هذه المنطقة بالإبداع في كل المجالات الأدبية و الفنية و في العلوم. وقد أنجبت شخصيات علمية فذة في الرياضيات و بسكانها المائة مليون نسمة و امتداد لغوي أيضا في بنغلاديش -180 مليون نسمة- المجاورة لها تشكل ولاية البنغال الغربية وعاصمتها كلكوتا إحدى أهم الولاياتالهندية على جميع المستويات لذلك تميزت البنغال الغربية بسينما أخرى ذات صيت عالمي.