توصلت التحقيقات التي باشرها محققون فرنسيون منذ 11 شهرا أن شركة "لافارح" الفرنسية السويسرية للإسمنت كانت تدعم تنظيمات إرهابية في سوريا، خاصة تنظيم الدولة "داعش". وقالت صحيفة "لوموند" الفرنسية، إن القضاء الفرنسي حدد أربع وسائل تقوم من خلالها شركة "لافارج" بتمويل التنظيم الإرهابي "داعش"، مضيفة أن الدعم تمثل في إعطاء التنظيم كميات من الإسمنت ليتصرف بها. واعتمد عملاق الإسمنت بالعالم، عدة طرق، بحسب ذات المصدر، من أجل حماية منشآته في منطقة الجلابية في سوريا، من بينها "دفع أموال للجماعات المسلحة وشراء كميات من الوقود من تنظيم داعش". وأضافت الصحيفة الفرنسية التي قامت بتحليل عدد من الوثائق المتعلقة بهذه القضية، إنه في صيف عام 2012 ، عندما كانت سوريا في حالة من الفوضى، قامت شركة "لافارج إسمنت سوريا" بتكليف أحد مساهميها السابقينFiras Tlass، بالتفاوض مع مجموعات مسلحة مختلفة من أجل تسهيل مرور الموظفين والبضائع على الطرق. وقدمت "لافارج" الدفعة الأولى للجماعات المسلحة بسوريا في شهر يوليوز، استناداً إلى بريد إلكتروني من برونو بيتشو، مدير فرع "لافارج" بسوريا، تضيف الصحيفة ذاتها، التي أشارت أن الأمر استمر بشكل شهري لمدة عامين ما فتح شهية الإرهابيين. المصدر نفسه، كشف أن "لافارج سوريا" وزعت 57 ألف دولار في يوليوز 2012 على الجماعات المسلحة بسوريا، وارتفع الرقم في نونبر 2013 إلى 160 ألف دولار، وكان أول المستفيدين من هذا التمويل حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي PYD وفصائل متمردة وجماعات إرهابية أخرى. وأشارت "لوموند" أنه تم عقد اجتماعان في سبتمبر وأكتوبر 2013، في مقر شركة لافارج، جمع مسؤولي الشركة بكل من النصرة و"داعش" للتفاوض حول مبلغ "الضريبة" الذي ستؤديه الشركة، وآنذاك ظهر لأول مرة في قائمة المستفيدين اسم تنظيم "داعش" حيث حصل على مبلغ 5 ملايين ليرة سورية. وبعد بضعة أشهر، تضيف الصحيفة، تغير الوضع مرة أخرى بسوريا، حيث أعلن "البغدادي" سيطرة "داعش" في 29 يونيو 2014 على سوريا، وبالتالي على جميع الطرق حول مصنع الاسمنت، مشيرة أن "لافارج" قبلت باتفاقية جديدة مع "داعش" وأصبحت تدفع مبلغ 10 ملايين ليرة سورية شهريا (66 ألف دولار) بالإضافة إلى ضريبة متغيرة عن كل طن واحد من الاسمنت. وقدر تقرير صادر عن شركة "بيكر ماكنزي" الأمريكية ، بتكليف من شركة "لافارج هولسيم" بعد تفجر الفضيحة، إجمالي التمويلات التي قدمتها الشركة الفرنسية للإرهابيين بسوريا ما مجموعه 5.3 مليون دولار. وقالت "لوموند" في تحقيق سابق نشر عام 2016، إن "لافارج" استعانت بخدمات شخص أردني يدعى أحمد جلودي، بعثته الإدارة إلى مدينة منبج مستهل العام 2013، ليتولى تأمين اتصالات مع مسؤولي "داعش" وأمرائه المتواجدين في الرقة المجاورة. ورغم أن اسم جلودي لا أثر له في سجلات الشركة كمسؤول رسمي، فإن الرجل، حسب "لوموند"، كان يتوفر على حساب إلكتروني باسم "لافارج"، وكان المندوب الأساسي الذي يتولى ترتيب الأمور مع "داعش" ودفع "أتاوات" مقابل تصاريح مدموغة بطابع "الدولة الإسلامية" تتيح لشاحنات المصنع المرور عبر الحواجز العسكرية، وأيضا السماح لشاحنات الوقود بالوصول إلى المصنع وإمداده بما يكفي لضمان اشتغال الآلات والصهاريج الإسمنتية. وقد حصلت الصحيفة الفرنسية على نسخ من رسائل إلكترونية متبادلة بين جلودي والمدير العام للفرع السوري لشركة "لافارج"، فريديريك جوليبوا، الموجود في العاصمة الأردنية عمان، وتتعلق بالتحويلات المالية اللازمة لرشوة تنظيم "داعش". وكانت الرسائل تصل أيضا إلى مدير أمن الشركة في باريس، جان كلود فييار، ما يثبث أن إدارة "لافارج" كانت موافقة على التعاون مع "داعش"وتمويله بطريقة غير مباشرة عبر "الأتاوات". كما أكد تحقيق "لوموند" أن الشركة كانت تشتري البترول من تجار السوق السوداء الذين كانوا على علاقة بالتنظيم، وأيضا بعض المواد الأولية اللازمة لصناعة الإسمنت، مثل الجبصين والبوزولان من مناطق محاذية لمدينة الرقة. وذكرت الصحيفة أن شخصا آخر يدعى أحمد جمال، وهو تاجر حرب من مواليد الرقة، كان الوسيط الأساسي بين جلودي ومسؤولي "داعش"، بالإضافة إلى شخص آخر يدعى محمود الخالد، وهو مقرب من السلطة، وكان يتولى منصب مدير الإنتاج بمصنع جلابيا. وكان أحمد جمال يحصل على مبالغ مالية من "لافارج" عبر تحويلات مالية إلى حساب مصرفي في بيروت، يملكه الدكتور عمرو طالب، وهو يشتغل رسمياً مستشارا لشركة "لافارج". وهذا الأخير، الذي ورد اسمه في المراسلات تحت لقب "الدكتور"، هو رجل أعمال سوري حاصل على الجنسية الكندية، ويبلغ 28 عاماً، ومتخرج في جامعة هارفارد الأميركية، ويملك شركة للتصدير والاستيراد مقرها بمدينة غازي عنتاب التركية على الحدود السورية التركية. واستنتجت الصحيفة أن تفاهمات "لافارج" مع "داعش" كانت تمر عبر قناة ثلاثية: محمود الخالد (مدير الإنتاج) وأحمد جمال (المموّن الرئيس) وعمرو طالب (المنسق المالي)، مؤكدة أن هذا الثلاثي واصل التعاون مع "داعش"، إلى حدود 19 سبتمبر/أيلول 2014، حين استولى التنظيم على مقر مصنع جلابيا، الأمر الذي دفع بالشركة إلى الانسحاب منه نهائيا.