كشفت جريدة "لوموند" الفرنسية فضيحة من العيار الثقيل، عقب نشرها اليوم الثلاثاء تحقيقا صحفيا، أثبتت من خلاله بالوثائق أن شركة "لافارج" الفرنسية، أكبر شركة لصناعة الاسمنت في العالم، قامت بتمويل ل"داعش"، حيث دفعت لها، ما بين 2013 و2014، رشاوى وإتاوات مقابل السماح لفرع الشركة بمدينة جلابيا السورية بالعمل. وجاء في تحقيق الجريدة الفرنسية، ان شركة "لافارج" استعانت بخدمات شخص أردني يدعى أحمد جلودي، بعثته الإدارة إلى مدينة منبج، مستهل عام 2013 ، ليتولى ربط اتصالات مع مسؤولي "داعش" وأمرائها المتواجدين في الرقة المجاورة.
وأضافت الجريدة أن جلودي، رغم ان اسمه لا أثر له في سجلات الشركة كمسؤول رسمي، كان يتوفر على حساب إلكتروني باسم "لافارج"، وكان المندوب الأساسي الذي يتولى ترتيب الأمور مع "داعش" ودفع "إتاوات" مقابل تصاريح مدموغة بطابع "الدولة الإسلامية" تتيح لشاحنات المصنع المرور عبر الحواجز العسكرية، وكذا السماح لشاحنات الوقود بالوصول إلى المصنع وإمداده بما يكفي لضمان اشتغال الآلات والصهاريج الإسمنتية.
وحصلت الصحيفة الفرنسية على نسخ من رسائل إلكترونية متبادلة بين جلودي وفريديريك جوليبوا، المدير العام للفرع السوري لشركة "لافارج" الموجود في العاصمة الأردنية عمان، وتتعلق بالتحويلات المالية اللازمة كرشوة لتنظيم "داعش"، وكانت الرسائل الإلكترونية تصل، أيضاً، إلى مدير أمن الشركة في باريس، جان كلود فييار، الموجود في باريس، وما يثبت بشكل قاطع أن إدارة "لافارج" كانت موافقة على التعاون مع التنظيم و"تمويله" بطريقة غير مباشرة عبر "الإتاوات"، تضيف لوموند..
كما أكد تحقيق الجريدة الفرنسية أن الشركة كانت تشتري البترول من تجار السوق السوداء الذين كانوا على علاقة بالتنظيم، وكذا بعض المواد الأولية اللازمة لصناعة الإسمنت من مناطق محاذية لمدينة الرقة.
وذكرت الصحيفة أن شخصا آخر يدعى أحمد جمال، وهو تاجر حرب من مواليد الرقة، كان الوسيط الأساسي بين جلودي ومسؤولي "داعش"، بالإضافة إلى شخص آخر يدعى محمود الخالد، وهو مقرب من النظام البعثي، وكان يتولى منصب مدير الإنتاج بمصنع جلابيا.
وكان أحمد جمال، تضيف لوموند، يحصل على مبالغ مالية من "لافارج" عبر تحويلات مالية في حساب بنكي في بيروت، يملكه الدكتور عمرو طالب، الذي يشتغل رسمياً مستشاراً لشركة "لافارج"، وقد ورد اسمه في المراسلات تحت لقب "الدكتور"، وهو رجل أعمال سوري حاصل على الجنسية الكندية، ويبلغ من العمر 28 عاماً، متخرج من جامعة هارفارد الأميركية، ويملك شركة للتصدير والاستيراد يوجد مقرها بمدينة غازي عنتاب التركية على الحدود السورية التركية.
واستنتجت صحيفة لوموند الفرنسية أن تفاهمات "لافارج" مع "داعش" كانت تمر عبر قناة ثلاثية: محمود الخالد (مدير الإنتاج) وأحمد جمال (المموّن الرئيسي) وعمرو طالب (المنسق المالي)، مؤكدة أن هذا الثلاثي واصل التعاون مع تنظيم "داعش" إلى حدود 19 سبتمبر 2014 حين استولى التنظيم على مقر مصنع جلابيا، مما دفع بالشركة إلى الانسحاب منه نهائيا.
ورغم محاولات عمرو طالب، إقناع إدارة الشركة في باريس بإعادة فتح المصنع ومواصلة الإنتاج، فقد قررت الشركة التخلي نهائيا عن المصنع، تقول جريدة "لوموند" مضيفة ان مبنى المصنع منذ انسحاب مقاتلي "داعش" من منطقة جلابيا، بعد تقدم القوات الكردية في فبراير 2015، تحوّل إلى مقر للقوات الدولية الخاصة، خصوصاً الأميركية، التي تقوم بإسناد القوات الكردية في قتالها مع التنظيم في إطار معركة استعادة الرقة.