أغضب المنشور الأخير للنقيب محمد بركو، والذي دعا فيه المحامين بهيئة الرباط إلى رفض كل وثيقة أو مستند محرر باللغة الفرنسية يتم تقديمه أمام المحكمة، حاثا إياهم على طلب ترجمته إلى اللغة العربية، -أغضب- عددا من النشطاء الأمازيغ خصوصا بعد أن اقتصر المنشور على الإحالة على اللغة العربية كلغة رسمية للدولة، وإغفاله للغة الأمازيغية التي تعتبر أيضا لغة رسمية كما تنص على ذلك المادة الخامسة من الدستور. منشور النقيب بركو الذي لقي ترحيبا من لدن عدد من الجمعيات والهيئات المدافعة عن اللغة العربية، قابلته موجة من الغضب والاستياء في الأوساط الأمازيغية والتي اعتبرت أنه يتضمن "إقصاءا" للغة الأمازيغية، بعد أن تم الاقتصار فقط على اللغة العربية التي تعتبر اللغة الرسمية للبلاد. تصرف لا دستوري الناشط الأمازيغي موحى أولحاج، ورئيس فرع منظمة تاماينوت بتنغير، قال في حديث مع جريدة "العمق"، إن "هذه المنشورات ارتكزت على الحكم الإداري رقم 4550 الصادر بتاريخ 20/10/2017 والقاضي بأن الدولة بجميع مرافقها ملزمة باستعمال اللغتين العربية أو الأمازيغية في جميع تصرفاتها وأعماله، إلا أنها استعملته بشكل اختزالي وبتصرف لا دستوري". وبحسب أولحاج فتلك المنشورات "نصت على ضرورة استعمال اللغة العربية فقط دون غيرها وفي تجاهل تام للغة الأمازيغية وضرب عرض الحائط الدستور بصفته القانون الأسمى في المملكة والذي ينص في فصله الخامس رغم ما يعيبه، على أن اللغة الامازيغية هي أيضا لغة رسمية للدولة". ومن هنا يتضح لنا جليا، يضيف الناشط الأمازيغي المذكور، أن "اللغة الأمازيغية لا تهم هؤلاء في شيء وأن شعار الأمازيغية ملك للجميع الذي ترفعه الدولة شعار أفرغوه من محتواه، كما أن هذه المنشورات والمذكرات ستحدث مزيدا من الشرخ بين المغاربة، بين مدافعين على اللغة العربية فقط والمدافعين على اللغة الامازيغية وحدها عوض الدفاع عن اللغتين العربية والامازيغية معا كلغتين رسميتين للمملكة المغربية وملك لجميع المغاربة بدون استثناء". إحقاق العدالة لا يناقش اللغة من جانبه، اعتبر الدكتور الحسين شنوان، مهتم بالشأن الأمازيغي، أن "هناك إشكال هوياتي وإشكال انتماء لدى العديد من المحاميين فهم يشتغلون بأجندة سياسية لا حقوقية ولا ترمي إلى إحقاق العدالة، لأن العدالة وإحقاقها أو المساهمة في إحقاقها لا تناقش اللغة ولا طبيعة الوثيقة والمحامي دوره المساهمة في إحقاق العدالة ومساعدة هيئة المحكمة في إصدار الأحكام وليس التمييز بين المتقاضين عرقيا". ووصف شنوان، في تصريح لجريدة "العمق"، هذا القرار وهذه المراسلة بأنها "عرقية بامتياز ولا وطنية ولا مغربية وتعيد المغاربة إلى زمن التصنيفات العرقية"، مضيفا أن "المغرب لما تحصل على استقلاله وحد القضاء في أشكاله المعروفة حاليا بإصلاحات جذرية لنجد أنفسنا أمام قضاء عرقي بامتياز ولن نستغرب غدا إذا ما تمت الدعوة لإنشاء محاكم خاصة بالأجانب ليكون المتقاضين الأمازيغ جزء منها لأنهم لا يتقنون لغة السيد النقيب". ويرى المتحدث، أن "روح المواطنة لا تستغل الفراغات القانونية أو التماطل في استصدار قوانين تنظيمية للغة رسمية أخرى وهي الأمازيغية من أجل ترسيخ قاعدة عرقية في المحاكم كهروب إلى الأمام في حين أن دور الحقوقي والمحامي ضمنه هو العمل على تحقيق المساواة والانسجام مع الوثيقة الدستورية وليس بتناولها بمنطق عرقي، هذه الهيئة وهذا النقيب خارج عن النص المغربي وعن دستوره وبعيد كل البعد عن روح المواطنة ونتمنى منه كإنسان حقوقي أن يعيد النظر في قراره لأنه يهدد السلم الاجتماعي". واعتبر أن منشور النقيب محمد بركو "يهين المؤسسات القضائية والمواطنين ويستغل قرارا مرتبط باجتهاد قضائي في نازلة خاصة وقعت أطوارها بالمحكمة الإدارية لتعميمه على جميع المحاكم وتكريسه كمرجعية قانونية في حين أن المحكمة الدستورية هي الوحيدة المخول لها الإفتاء في مثل هذه النوازل وليس لكل هيئة الحق في التقرير لوحدها، لأن السماح بمثل هذا الإجراء سيفتح أبواب جهنم على مهنة شريفة، والحق لهيئة أكادير أن تقرر أن الأمازيغية هي الوحيدة المعمول بها وفي الشمال لهم الحق في إقرار الاسبانية والامازيغية وطنجة سنجعلها عالمية كما كانت في عهد الحماية وهذا هو التهديد الحقيقي للأمن الوطني والاستهتار بالدستور". منشور مرفوض شكلا ومضمونا من جانبه، استغرب أحمد أرحموش المحامي من منشور النقيب محمد بركو الذي يطالب المحاميين بالوقوف صفا واحد لمناصر اللغة العربية الوحيدة الرسمية أمام القضاء، معتبرا هذا المنشور "سابقة في تاريخ هيئتنا وسابقة في أدلجة عملنا المهني والمساس باستقلالية المحامي في تدبير مساراته المهنية". وأضاف أرحموش في رسالة موجهة للنقيب محمد بركو، أن هذا الأخير "تعامل مع نص الدستور بشكل اختزالي، رغم علمه وأعضاء المجلس بأن للدولة لغتين رسميتين وليس لغة واحدة"، مخاطبا النقيب بقوله: "إن منشوركم مرفوض شكلا ومضمونا، فليس من اختصاص الهيأة حثنا على ممارسة عصيان نص دستوري (المادة 5) في شموليته، ولا يدخل في اختصاصها أن توجهنا في سبل وسائل حماية حقوق من ننوب عنهم، كما أنه من مخاطر منشوركم الزج بمهنتنا في قضايا إيديولوجية هي بعيدة عنها". وتابع المحامي أرحموض، قائلا: "السيد النقيب المحترم السادة أعضاء المجلس عند انتخابنا لكم لم نكلفكم بإصدار مثيل هذا المنشور، والزج بنا في قضايا سياسية، بل للرقي بمهنتنا في قضاياها الاجتماعية والاقتصادية، أتمنى استحضار التعقل في التدبير وتفادي ما سيفرقنا". ترحيب وبالمقابل، رحب فؤاد بوعلي رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، بقرار النقيب محمد بركو، حيث قال إن "هذا الموقف ندعوا إليه جميع القانونيين ورجال القضاء، لأن قضية اللغة الرسمية للبلاد أصبحت في مرحلة مفصلية، إما أن نطبق ما جاء في قرار المحكمة الرافض لكل الأحكام المدونة بغير اللغة الرسمية وإما أن نتنازل عن حقنا اللغوي وأمننا وسيادتنا اللغوية". وأضاف بوعلي، في تصريح لجريدة "العمق"، أنه "في المؤتمر الأخير للائتلاف تمت الدعوة إلى تأسيس هيئة المحامين من أجل اللغة العربية، والتي هي الآن في طور التأسيس، وستترافع بشكل طوعي عن كل القضايا المتعلقة باستعمال العربية في مخاطبة المواطنين في الإدارات". النقيب بركو: الأمازيغية غير مفعلة ومن جهته، قال النقيب محمد بركون، إن منشوره ليس فيه أي إقصاء لأية لغة ولا لأية جهة، مشيرا أن "ما هو متعامل به أمام المحاكم هو اللغة العربية واللغة الأمازيغية وإن كانت قد وردت في الفقرة الثانية في المادة الخامسة من الدستور إلا أنها غير مفعلة على مستوى القضاء والإدارة وبذلك لم يشملها المنشور". واعتبر أن "المنشور جاء لاحترام ما جاء في الفصل 5 من الدستور وأية دولة لم تحترم دستورها فهي لا تحترم نفسها"، لافتا إلى أن الوزير عبد الرحيم بوزبع سبق له في 2004 أن وجه كتابا لرؤساء المحاكم حثهم على استعمال اللغة العربية أمام المحاكم. وأكد أن منشورها" لم يكن إلا نتاجا أولا للدستور ولحكم قضائي صدر بالمحكمة الإدارية بالرباط تقدم به النقيب بنعمرو ولجنة تنسيقية الجمعيات المدافعة عن اللغة العربية أزرتهم في القضية جمعية المحاميين وهيأة المحاميين بالرباط وقضت بدرهم رمزي واعتبرت أن استعمال اللغة الفرنسية أمام المحكمة غير مشروع".