أثارت تصريحات قائد حراك الريف، ناصر الزفزافي، التي كشف فيها تعرضه ل"التعذيب والاغتصاب"، خلال جلسة محاكمته الأسبوع الجاري، مخاوف كثير من الفاعلين الحقوقيين والسياسيين من عودة ما يسمى في المغرب ب"سنوات الرصاص". واتهم ناصر الزفزافي الذي يتابع ويحاكم رفقة أكثر من 50 من نشطاء "حراك الريف" الموقوفين بتهمة "المس بالسلامة الداخلية للمملكة"، وهي تهمة قد تصل عقوبتها إلى الإعدام أو السجن مدى الحياة، أجهزة الأمن بتعذيبه واغتصابه، ما أثار جدلا واسعا في المغرب. ليست المرة الأولى.. ولا جواب واعتبر عضو هيئة الدفاع عن ناصر الزفزافي، محمد أغناج، أنه "ليست هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها ناصر الزفزافي عن المعاملة العنيفة والقاسية والمهينة والماسة بالكرامة، التي كان ضحيتها أثناء إيقافه ونقله واحتجازه لدى الشرطة". وتابع محمد أغناج في تصريح ل"عربي21″: "لقد سبق أن عرض على النيابة العامة خلال تقديمه أمامها آثار العنف الذي تعرض له خصوصا الجروح الظاهرة في رأسه وأسفل عينيه وظهره". وأضاف: "سبق كذلك أن بينت الخبرة الطبية التي أمر بها قاضي التحقيق، وكذلك الخبرة التي أجريت تحت إشراف المجلس الوطني لحقوق الإنسان حقيقة تلك الآثار وخطورتها". وسجل: "لكن للأسف، فإن النيابة العامة وقاضي التحقيق لم يأمرا بفتح أي تحقيق حول الأمر، كما أن تقرير المجلس الوطني الذي تضمن توصيات بفتح تحقيق لم تؤد إلى أية نتيجة". وزاد: "بل إن النيابة العامة وقاضي التحقيق والغرفة الجنائية اعتمدوا في توجيه الاتهامات لناصر الزفزافي وباقي المعتقلين على المحاضر المطعون فيها كحجة وحيدة". ومضى يقول: "سبق إثارة موضوع التعذيب أمام غرفة الجنايات كطلبات ودفوع، وننتظر أن تنصف المحكمة المتهمين وتقف عند هذه الوقائع وترتب عليها الأثر القانوني، كما ننتظر أن تتحرك النيابة العامة وكل سلطة حكومية لفتح تحقيق والكشف عن الحقيقة ومعاقبة مرتكبي هذه الفظائع الذين يثبت في حقهم ارتكابها أو الأمر بها أو السكوت عنها". إعادة اكتشاف سنوات الرصاص من جهتها، اعتبرت المناضلة النسائية والفاعلة الحقوقية، لطيفة بوحسيني، أن تصريحات ناصر الزفزافي "تثير المخاوف من أن المغرب عاد إلى استعمال أساليب (سنوات الرصاص) السيئة الذكر". وتابعت لطيفة البوحسيني، في تصريح ل"عربي21″، أن الخطورة تكمن في أن "العودة إلى سنوات الرصاص جاءت بعد مرحلة (الإنصاف والمصالحة)، واعتراف الدولة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان". وزادت: "الخطير أن كل هذا يجري بعدما التزمت الدولة وتعهدت بعدم تكرار ما جرى، فتم تسجيله في وثائق الإنصاف والمصالحة، بل تم إدماج كل هذا بما فيها الحكامة الأمنية ضمن الإصلاحات في دستور 2011". وقالت إن ما "عرفه حراك الريف وغيره من الحراكات الاجتماعية من تجاوزات، يكشف بجلاء أننا كدولة وبلد نتراجع عن كل التراكم الذي حققناه بجهد المناضلين في الحريات العامة وحقوق الإنسان، والتي تكرست حقيقة منذ سنة 1991". وختمت تصريحها قائلة: "الخوف اليوم هو أن تكون الدولة تقول لجيل الشباب الذي نشأ في زمن (الإنصاف والمصالحة)، لقد سبق لكم وسمعتم عن انتهاكات الماضي، فنحن اليوم ندعوكم إلى إعادة اكتشاف سنوات الرصاص". أضعنا الديمقراطية.. ذاهبون إلى الفشل وسجل القيادي في حزب الاستقلال، عادل بن حمزة، أن "عودة الماضي بالنسبة لي تؤكد أن هناك نوعا من الاستمرارية لعقلية ترفض فتح المجال السياسي وتفرغ التوافقات الوطنية والتاريخية من مضمونها وتفقدها المعنى". وتابع عادل بن حمزة في تصريح ل"عربي21″: "لقد ضيعت بلادنا فرصا كثيرة كان بالإمكان أن تضع بلادنا اليوم في مصاف الدول الكبرى. لقد أضاعت البلاد فرصة ما بعد المحاولتين الانقلابيتين لسنتي 1971 و1972 وتم إفشال حكومة وطنية بعد تشكيل "الكتلة الوطنية" بين حزبي الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وتمت إضاعة زخم الإجماع الوطني بعد 1975 وما عرفته قضية الصحراء المغربية من تطورات، وتمت إضاعة الخروج الشكلي من حالة الاستثناء سنة 1977 وذلك عبر تمييع الحياة السياسية والانتخابية بتنشيط ممارسات الماضي خاصة خلق (الحزب الأغلبي)، واستمر مسلسل إهدار الفرص بعد ملتمس الرقابة وأحداث فاس وطنجة 1990، كما تم إهدار الزخم الذي جاء به التناوب التوافقي وما تلاه من مسلسل الإنصاف والمصالحة". وأضاف: "هذه الإخفاقات تعود بالأساس لغياب ضوابط ديمقراطية حقيقية في عملية التحول السياسي التي نحاول في كل مرة إطلاقها لكننا نفشل.. والسبب الرئيسي هو أن القوى الوطنية استحضرت حسن النية في كل المراحل بشكل مبالغ فيه، علما أن التجربة تثبت أنه ليس هناك مجال لحسن النية في إطار الصراع من أجل الديمقراطية". وسجل بن حمزة: "الخلاصة هي أننا نمضي من فشل إلى آخر في السياسة والاقتصاد ومختلف قضايا المجتمع، و التقارير الدولية خير شاهد على ذلك". "الخوف" يصل البرلمان دعا النائب البرلماني عن فيدرالية اليسار الديمقراطي مصطفى الشناوي، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، المصطفى الرميد إلى الكشف عن الإجراءات التي يعتزم "اتخاذها للحد من الانتهاكات وضمان احترام حقوق الإنسان والقطع مع التعذيب وترتيب الجزاءات على من يمارسه وعدم العودة إلى سلوكات سنوات الرصاص". ووجه مصطفى الشناوي، سؤالا كتابيا، حصلت "عربي21" على نسخة منه، إلى وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان المصطفى الرميد. وقال الشناوي إنه تابع "بذهول وقلق شديد ما صرح به الناشط ناصر الزفزافي في محكمة الاستئناف بالدار البيضاء أثناء الاستماع إليه خلال جلسة يوم الثلاثاء10 أبريل". وزاد: "لقد كشف عن تعرضه للتعذيب النفسي والجسدي وممارسات وأفعال مهينة بشكل ممنهج للحط من كرامته في أجزاء حساسة من جسمه، ومحاولة اغتصابه وضربه بقضيب على رأسه تسبب له في جرح غائر". وتابع برلماني فيدرالية اليسار، أن "ما وقع وما يقع الآن يؤكد على المنحى التراجعي عن احترام حقوق الإنسان الذي تسير فيه الحكومة، والذي عبرت عن قلقها بشأن منظمات وهيئات المكلفة بحقوق الإنسان". صمت رسمي لا صوت يعلو فوق الصمت، هكذا تعاملت مؤسسات الدولة المغربية تجاه التصريحات الخطيرة التي أدلى بها قائد حراك تجاه تعرضه للتعذيب والاغتصاب من قبل القوات الأمنية. وقال الناطق الرسمي الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالمجتمع المدني والعلاقات مع البرلمان، باسم الحكومة مصطفى الخلفي، إن "القضاء له طرق قانونية تجعله يمارس صلاحياته باستقلالية وعليه تحمل المسؤولية كاملة في البحث عن معطيات للوصول إلى الحقيقة باعتبار الملفات المطروحة على القضاء". وتابع الناطق باسم الحكومة خلال الندوة الصحفية، التي أعقبت المجلس الحكومي الخميس بالرباط، أن "القضاء يتحمل المسؤولية للكشف عن الادعاءات وترتيب الجزاءات القانونية على ذلك". من جهته، رفض أمين عام المجلس الوطني لحقوق الإنسان محمد الصبار، التعليق على تصريحات ناصر الزفزافي. وقال محمد الصبار في تصريحات صحافية: "لا يمكننا أن نعلق، ونحن نتابع الموضوع منذ توقيفه، وخلال أطوار محاكمته، وحين ستنتهي المحاكمة سنقدم تقريرنا الشامل، لكن قبل انتهائها لا يمكننا أن نعلق". ولم يكن ناصر الزفزافي وحده من اشتكى من التعذيب، لكن النيابة العامة لم تستجب لحدود الساعة لعدد من مطالب التحقيق فيما تعرض له المعتقلون. هذا، وتعتبر سنوات الرصاص هي سنوات القمع الشديدة التي عرفها المغرب منذ الاستقلال في 1956 إلى انتقال العرش في 1999 والتي تعهدت الدولة بتجاوزها من خلال هيئة الإنصاف والمصالحة في سنة 2004. ويحاكم الزفزافي، وأكثر من 50 آخرين من نشطاء "حراك الريف" الموقوفين بتهمة "المس بالسلامة الداخلية للمملكة"، وهي تهمة قد تصل عقوبتها إلى الإعدام أو السجن مدى الحياة. وشهدت مدينة الحسيمة وعدد من مدن وقرى منطقة الريف، احتجاجات استمرت حوالي 10 أشهر للمطالبة بتنمية المنطقة وإنهاء التهميش ومحاربة الفساد، وفق المحتجين، منذ أكتوبر 2016 حتى غشت من السنة الماضية. عن موقع "عربي21"