لم تهدأ بعد عاصفة الغضب التي خلفها تسريب فيديو يظهر فيه قائد حراك الريف المغربي ناصر الزفزافي شبه عار. وفي ما كان الهدف من ذلك الفيديو هو إبطال ادعاء تعرض ناصر الزفزافي حاليا للتعذيب خلال مراحل الاعتقال والاستنطاق، تحوّل الموضوع إلى قضية رأي عام، التقت فيها كل الآراء حول شجب ذلك السلوك الذي شبهه البعض بما حدث مع سجناء «سجن أبوغريب» خلال الاحتلال الأمريكي للعراق. ونقل موقع إلكتروني عن والد الزفزافي قوله إن المحققين ألبسوا ابنه اللباس الذي ظهر به في الفيديو وأخفوا أثار الجريمة المتمثلة في ملابسه التي كانت ملطخة بالدماء. هذا التصريح يعيد إلى الواجهة ما سبق لمحاميي معتقلي الحراك أن أدلوا به، حيث نقلوا عن ناصر تأكيده تعرضه للتعذيب. وأفاد مصدر إعلامي أن الناشط السياسي الريفي محمد البطيوي يعتزم رفع دعوى قضائية في الأمر لدى المحكمة الجنائية الدولية. كما أعلن المحامي إسحق شارية عن عزمه القيام بنفس الخطوة، وفسّر ذلك في تدوينة جديدة بصفحته الافتراضية قائلا: «ان ما قامت به الدولة المغربية من ممارسات عنصرية وجرائم في حق أهلنا في الريف من تنكيل وضرب وتعذيب في المعتقلات ونشر صور ناصر الزفزافي وهو تحت تأثير مواد مخدرة وشبه عار أثناء فترة اعتقاله، يرقى الى صفة الجرائم ضد الإنسانية، التي تمنح الحق لدفاع ناصر ومحاميي أهالي المعتقلين اللجوء الى المحكمة الجنائية الدولية.» إدارة السجون تنفي وفيما نفت إدارة السجون أن يكون الفيديو قد صُوّر بالسجن الذي يُعتقل فيه الزفزافي حاليا في الدارالبيضاء، أعلنت محكمة الاستئناف في هذه المدينة عن فتح تحقيق دقيق للوقوف على حقيقة وملابسات تصوير الفيديو، ونقل عن الوكيل العام للملك في المحكمة المذكورة أنه «بمجرد الاطلاع على شريط فيديو منسوب لناصر الزفزافي خلال فترة اعتقاله، فقد أمرت النيابة العامة بفتح تحقيق دقيق، للوقوف على حقيقة وظروف وملابسات تصويره والغاية من نشره، لاتخاذ المتعين قانونا على ضوء نتيجة البحث.» وأكدت إدارة السجون في بلاغ لها، أن الفيديو المنشور للنزيل ناصر الزفزافي المعتقل على خلفية أحداث الحسيمة بالسجن المحلي عين السبع 1 ، لم يتم تصويره داخل هذه المؤسسة السجنية. واستنكرت «الترويج في مواقع مأجورة من أطراف تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان لفكرة أن الفيديو قد تم تسريبه من داخل المؤسسة.» واعتبر الإعلامي مصطفى الفن أن نشر فيديو لناصر الزفزافي، زعيم حراك الريف، تحت الإكراه، وهو يبدو في حالة ضعف إنساني صادم أو وهو يعرض أعضاءه الحميمية على الناس، هو بالتأكيد سبق صحفي بالنسبة إلى الموقع الذي انفرد بالنشر. لكن، ومهم جدا أن نستدرك لنقول بالوضوح التام: إذا ثبت أن هناك جهة رسمية هي التي سربت هذا الفيديو فقط لتنفي مزاعم بتعذيب معتقل فهذا في نظري خطيئة قانونية وأخلاقية تنسف كل ذرة من السمعة الحقوقية للمغرب. وكتب الخبير الإعلامي حسن اليوسفي المغاري: الفيديو إياه، الغرض منه إشعال فتنة حقيقية. فمن هي الجهة التي لها مصلحة في ذلك؟ كما لاحظت الناشطة حسناء العالمي أن الحالة السيئة التي ظهر عليها ناصر الزفزافي قد تؤجج الوضع أكثر بمنطقة الريف. وأعرب الفنان والإعلامي سعيد الإمام عن اعتقاده بأن نشر فيديو للزفزافي وهو ما زال على ذمة التحقيق «إهانة للمغاربة.» وفي رأي حميد المهداوي (مدير موقع «بديل») فإنه بتسريب الفيديو الجديديكون الزفزافي قد عرى «عورات» العديد من الجهات، قبل أن يتم تجريده من ملابسه بتلك الطريقة المهينة والحاطة من الكرامة. وكتب يحيى البياري: «الزفزافي لم يكشف فقط عن جسمه النحيل، بل كشف لنا عورة هذا النظام البوليسي المخابراتي المعادي لحقوق الانسان، وكشف ايضا عن زيف شعاراته التي تساقطت مثل اوراق الخريف منذ بداية الحراك. واعتبر المدون نفسه أن الغرض من الفيديو هو إذلال ناصر الزفزافي ولكرامته لا غير، قبل أن يقول مستغربا: «لم اعرف ان الدولة ضعيفة الى هذا المستوى.» وكتبت الإعلامية فاطمة الإفريقي: «إذا ما شاهدتُ غدًا صورةَ لناصر الزفزافي يحرق هو أيضا جواز السفر، سأعذرهُ… إذا ضاق بعض أهل الريف مع توالي إهانات أبناءهم وطالبوا يوما باللجوء أو بالانفصال، قد أعذرهم « وأضافت «التعذيب ليس بالضرورة أثراً على الجسد، قد يكون جرحاً غائراً في الكرامة… إن التطرّف وغضب الشعوب لا يفجرهما الجوع، بل تفجرهما الاهانة «. «حماقة انتحارية» واعتبر المحلل السياسي عبد الرحيم العلام ما وقع «جريمة لم تحدث حتى في سنوات الرصاص، بل لم تحدث إلا في سجن أبو غريب عندما تم تصوير المعتقلين العراقيين من طرف حراس السجن الأمريكيين»، مضيفا: «كل يوم يزداد الأمر سوء في هذه المملكة، التي لا نعلم أين يسير بنا الذين يتخذون القرار فيها!». وتابع بالقول إنها «جريمة مكتملة الأركان، وانتهاك صارخ لحقوق الإنسان، أن يتم تصوير الزفزافي عاريا ونشر الفيديو أما العموم.» وبحسب عادل بنحمزة، القيادي في حزب الاستقلال، فإن «الفيديو في حد ذاته حصة تعذيب وإهانة سواء لقائد الحراك أو للمشاهدين، بل أكثر من ذلك إنه تحريض رخيص يثبت أن هناك من يتلاعب بالنار سواء عن قصد أو عن جهل…» كما لاحظ حسن بناجح القيادي في جماعة العدل والإحسان أنه «بعدما كانت الأجهزة تسرّب المحاضر المفبركة لتشويه المعتقلين، وصلت اليوم إلى منحدر ليس له من قاع ولا قرار بتسريب فيديو للمعتقل السياسي الزفزافي على نمط أشرطة أبو غريب الشهيرة». وأصدر «منتدى الكرامة لحقوق الإنسان» بيانا عبر فيه عن استيائه وغضبه الشديدين إزاء تعميم الفيديو المهين والحاط من الكرامة الإنسانية للمواطن ناصر الزفزافي الذي بات يعرف برمز حراك الريف السلمي، بينما هو محتجز بأوامر من سلطات قضائية، وجاء في البيان أنه «على إثر هذا الفعل المشين المتمثل في تسريب فيديو للمواطن ناصر الزفزافي وهو قيد الإحتجاز، يظهره وهو يكشف عن أماكن من جسده تبدو عليها آثار كدمة على الجانب الأيسر من ظهره مع تجمع وازرراق للدم تحت الجلد فيما قد يبدو ظاهريا كأنه فحص طبي، وتعميم هذا الفيديو على نطاق واسع بهدف إحداث انكسار نفسي لدى المواطن المعني بالأمر وأقاربه وعموم المواطنين المتعاطفين مع حراك الريف السلمي، فإن منتدى الكرامة يدين بأشد العبارات هذا السلوك القاسي والمؤذي بدنيا ومعنويا والمهين والحاط من الكرامة الإنسانية للمواطن ناصر الزفزافي ويعتبره دليلاً إضافيا على انتهاك الحقوق الدستورية الأساسية لهذا المواطن. وتساءل محمد الزهاري، الأمين العام لفرع المغرب للتحالف الدولي للدفاع عن الحقوق والحريات والرئيس السابق للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، «إذا كانت الأجهزة تتبادل النفي بخصوص تصوير الزفزافي، فهل يمكن أن يطمئن الناس على أبنائهم وبناتهم أثناء اعتقالهم، أو عند إيداعهم المؤسسات السجنية، ما دامت مؤسسات الأمن والسجن لا تستطيع أن تحمي الموقوفين والمعتقلين، من عنف وتعذيب وتصوير العناصر الإجرامية التي تشتغل تحت إمرتها؟! (المصدر: القدس العربي)