نقاش انتماء الاسلام والمسلمين الى ألمانيا الذي فتحه السيد زيهوفر الوزير الفدرالي للشؤون الداخلية قد يدفع بالتفكير في الحلول الى الأمام إن فهم مسلمو ألمانيا ومنهم مغاربة العالم كيف تورد الإبل و كيف يخلقون مسارات عمل بنيوية. ففي عام 2010 أثار الرئيس الاتحادي آنذاك كريستيان فولف جدلاً حادًا بتصريحه في بيان صحفي بأن "الإسلام ينتمي أيضًا إلى ألمانيا" حيث اعتمدت المستشارة ميركل هذا البيان في ولايتها عدة مرات قبل و بعد عملية استقبال اللاجئين و بجرأة سياسية منقطعة النظير. لكن وزير الداخلية الفدرالي الجديد هورست زيهوفر بدأ على الفور في المقابلة الأولى بعد توليه منصبه الجديد بالابتعاد عن رئيسته ميركل مصرحا بأن المسلمين الذين يعيشون في البلاد ينتمون إلى ألمانيا ، على عكس دينهم الإسلام!. و لقد جنى السيد الوزير الفدرالي للشؤون الداخلية انتقادات من زملائه السياسيين و وصفوا إلى جانب التمثيليات المسلمة في ألمانيا تصريحه ب"الهراء" و "اللغو". ولم تكتف السيدة المستشارة الألمانية ميركل بموقف المتفرج بل صرحت بعد وزيرها: "هؤلاء المسلمون هم أيضا جزء من ألمانيا، وبالتالي فإن دينهم ينتمي إلى ألمانيا، بما في ذلك الإسلام". بهذا نكون أمام جدل حكومي قد يستفيد منه مسلمو ألمانيا لكن بشروط. و في هذا السياق لا بد من الإشارة إلى أن مغاربة العالم في كل بقاع العالم يحرصون على بناء و تشييد و تهيء المساجد و دور العبادة و بالتالي فهم معنيون بهذه المواقف و التصريحات. المغاربة في المغرب و خارجه في المدن و القرى مرتبطون بالمساجد. هذه الميزة لها من القوة في هذه القارة العجوز و في ألمانيا /نموذجا/ ما يجعلنا نفكر في إيجاد صيغ فاعلة لتعزيز و تمتين بنيات العمل الديني و الاجتماعي بشكل محترف و تقوية كفاءات العمل داخل هذه التمثيليات في برامج تنبعث من الخصاص و بشراكة مع أعضاء اللجن المسيرة بكسر الياء و مع رواد المساجد مع التركيز على استهداف الشباب و المرأة لمواجهة ما سبق ذكره من أعطاب و مشاكل. إن ميزة الارتباط هذه كخاصية مغربية جعلت المغاربة و منذ ستين سنة إلى اليوم يوطنون لتدين في السياقات الاجتماعية الاوروبية المانيا نموذجا بفهم فطري سليم و بطرق تعتمد على السلم و الوسطية و دعم الانسجام الاجتماعي. لكن كل هذا التنزيل لهذا التدين بقي سجين تصورات سكونية وتقليدية لم تتماش مع التحديات و المطالب و الإكراهات لتجيب على بعض الأسئلة المعرفية المرتبطة بالتكوين و التعليم و تشكيل رأي مدني فاعل في المنطقة و الجهة من جهة و لتجيب كذلك على بعض الأسئلة الوجودية المرتبطة بتكوين انتماء و هوية ثقافيةو مناعة قوية للمواطن المغربي خصوصا لدى شبابنا المتعطش لمعرفة ذاته و المتعطش للحوار و تصريف كفاءاته و متعطش لإيجاد محاورين في شخص الأئمة و مسؤولي المساجد. فالهوية من أهم السمات المميزة للمجتمع ، فهي التي تجسد الطموحات المستقبلية في المجتمع تنطوي على المبادئ والقيم التي تدفع الإنسان إلى تحقيق غايات معينة وهذا ما أكد عليه عابد الجابري حين رأي أنه لا تكتمل الهوية الثقافية ولا تبرز خصوصيتها ، ولا تغدو هوية ممتلئة قادرة على نشدان العالمية إلا إذا تجسدت مرجعتيها في كيان تتطابق فيه ثلاثة عناصر : الوطن ( الجغرافية والتاريخ ) ، الدولة ( التجسيد القانوني لوحدة الوطن والأمة ) ، والأمة ( النسب الروحي الذي تنسجه الثقافة المشتركة). و لهذا وجب على مغاربة العالم التفكير في هذا الثلاثي و إظهار مواقف شجاعة في الولاء للدولة الألمانية و دستورها و الأمة الإسلامية في الولاء للانتماء الروحي و التعبدي للدين الإسلامي الحنيف في وسطيته و عدله و تفاعله و إجراءات الحوار و تدبير الاختلاف و الحفاظ على الانسجام الاجتماعي و العيش المشترك. هذه الميزة المتعلقة بمغاربة العالم في ارتباطهم بالمساجد جعلتهم يصرفون على بناء المساجد وتأسيسها وترميمها ما لم ينفقوه في استثمارات عينية بشكل تشاركي موحد ومتجانس. ففكرة بناء المساجد تتصدر أولويات العمل الجمعوي في ألمانيا ومغاربة العالم بهذه الديار على سبيل المثال لا الحصر. في الجدل الدائر حول انتماء الإسلام لألمانيا من عدمه و ما خلفه تصريح السيد وزير الداخلية الفدرالي زيهوفر من بلبلة و تشويش على المسلمين أفرادا و عائلات و جمعيات و تمثيليات و اتحادات مسلمة، طالب رئيس الحكومة الولائية في فستفاليا الشمالية و هو عضو حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي أرمين لاشيت اعتراف الدولة بالمسلمين كجماعة أو كطائفة دينية. وقال لشبكة الراديو الإخبارية: "نحتاج إلى قواعد للإسلام في مجتمع أكثر علمانية". "هذا التقعيد يتضمن توضيحًا للعلاقة مع الدولة، كما فعلنا منذ فترة طويلة مع الكنائس المسيحية". الاعتراف بالإسلام والمسلمين كمجتمع ديني هو هدف طموح يعتبره السيد لاشيت صحيحًا ومهمًا لكن يبقى أمرا معقدا من الناحية القانونية مؤكدا على أن "المناقشات النظرية لا تحل المشاكل." فهذا اذن توجه سليم لرجل دولة يخاطب الاخر و يخاطبنا نحن كذلك كجزء من هذا الاخر. و يبقى السؤال المشكل من عدة أسئلة/اقتراحات مطروحا في أوساطنا نحن مسلمو ألمانيا: – ما أعددنا من عدة و عتاد فكري و بنيان مرصوص للدخول في مرحلة البناء هذه مع القفز على هذه الغثائية إن صح التعبير ؟ – هل فكرنا في الجلوس الى مائدة الحوار مع رجالات الكنيسة و البيع للتفكير في عقد حلف ديني/مدني تدافعي لتبني مسيرة الاعتراف بنا المشار اليها سلفا لاستضمار الأشواط التي قطعوها "هم"لتقليص الطريق علينا "نحن" و لكي لا نجتر اجتيازا نفس المسار ؟ -هل فكرنا في فهم هذه التعقيدات القانونية الذي أشار إليها رئيس الوزراء الولائي و الذي كان وزيرا للاندماج بنفس الولاية سابقا و ذلك لإيجاد حل لها بشكل تشاركي جماعي و موحد.