يُسَمُّونَها بعاصمة البرتقال بينما يفضِّل أن يسميها البعض بعاصمة "الركادة". هي مدينة بركان التي تقع بالجهة الشرقية للمملكة المغربية، حيث يفوق عدد سكانها 100000 نسمة. لطالما اشتُهِرت بشخصياتها كبكاي لهبيل الذي يُعتَبر أول رئيس حكومة للمغرب وعبد الكريم برشيد الذي أثرى الساحة الأدبية بنصوصه المسرحية، وكذلك الشاعر والمؤرخ قدور الورطاسي الذي ترك مؤلفات عدة.. بالإضافة إلى الجانب الرياضي وذلك مع هشام لكروج البطل العالمي الذي أصبح موظفا شبحا بوزارة الشبيبة و الرياضة و ظل بين الفينة و الأخرى يستنزف ميزانية المجلس البلدي تحت غطاء الماراطون الدولي. يبدو لنا هذا هو الجانب المشرق رغم البقعة السوداء التي تركها العدَّاء الأولمبي، لكن لننظر إلى الجانب الآخر.. فما عادت المدينة تخدم سكانها، بل أصبحتْ مجرد حفرة يقطن بها عدد من السكان يقتسمون فيما بينهم الصمت بينما يقوم مسؤولو المجلس البلدي باقتسام ميزانية المدينة مع إعطاء "الفُتات" لبعض جمعيات المجتمع المدني التي يتملق رؤساؤها لرئيس المجلس و نوابه فيكتفوا فيما بعد بالصمت الدائم. إذن، ما عادت الساكنة تقوم بواجبها و كذلك المجلس البلدي و حتى المجتمع المدني. الكل في هاته الرقعة يبحث عن نافذة كي ينقب من كعكة الميزانية ما عدا الساكنة. لنعد بالتاريخ إلى الوراء، ففي إحدى السنوات توفيت فتاة مسماة بسميرة جراء "الإهمال الطبي"، فخرجت بعد ذلك جمعيات المجتمع المدني بما فيها الجمعيات السكنية للاحتجاج، مطالبين بإعفاء مندوب وزارة الصحة و محاسبة المسؤولين عن ذلك.. رغم أن الفتاة توفيت جراء العنف الذي تلُّقتْهُ من أخيها بعد أن كشف علاقتها بأحدهم.. لكن سرعان ما انطفأت شرارة الاحتجاجات، وسيُصدَم البعض حين يعرف أن الاحتجاج على الوضع الصحي بالمدينة لم يدُم إلا خمسة عشر يوما فقط. فقد اقتسم زعماء الجمعيات المنظمة للاحتجاجات بعض الدراهم بعد تواطئهم مع باشا المدينة و العامل و حتى رئيس المجلس البلدي آنذاك. تغيب المبادئ و الشعارات "الخُبزِية" أثناء اقتسام الحلوى و يغيب الشعب للأبد و لو علِمَ بذلك.. فهذا هدف الدولة، أن يظل المواطن قابعا بمنزله دون حراك و دون الحديث عن حقوقه. هذا مثال بسيط يوضح لنا مدى تعفُّن الوضع بالمدينة، وكيف أصبح الكل يتآمر ضد المصلحة العليا للشعب من أجل مِنَحٍ و وعود لا تسمن و لا تغني من جوع. إن المضحك في الأمر أن المدينة التي تصدر فاكهة البرتقال لبعض الدول الأوربية، والتي تقع في موقع استراتيجي لا تتوفر على محطة طرقية كالعديد من مدن المملكة. و قد سبق للبعض أن احتج على ذلك و طالب العديد بتوفير محطة طرقية تليق بالمدينة إلا أن التواطؤ كان هو سيد المرحلة في الأخير، و غاب النضال مرة أخرى و ذهبت المحطة في مهب الريح. حتى المواقع الإعلامية بالمنطقة أضحت مجرد وسائل في يد السلطات تتحكم فيها متى شاءت. و الساهرون عليها مجرد خُدَّام ينتظرون أوامر أسيادهم كي يكتبوا. فبعض المواقع في يد العمالة و أخرى في يد المجلس البلدي، إلى أن أصبحنا نرى صراعا أبديا بين المؤسستين. موقع يفضح رئيس المجلس و موقع يفضح عامل الإقليم و هكذا دواليك. بل إنه خلال إحدى السنوات طالب بعض أصحاب المواقع منحة من المجلس البلدي و قد حصلوا على ذلك بعد أن طلب منهم رئيس المجلس آنذاك (ف.ع) بضرورة تأسيس جمعية للحصول على منحة. فأصبحت جمعيات المواقع الإعلامية تشتغل مرة في السنة وذلك للاحتفال بذكرى تأسيس الموقع. حقا قمة الصدمة أن يحصل صاحب موقع إعلامي على منحة تُقَدَّر بخمسة ملايين من أجل حفل لا يُساوي خمسة آلاف درهم. وفي كل سنة يتهافت أصحاب تلك المواقع للتملق من المسؤولين، فالبعض يُكَرِّمُ عامل الإقليم و البعض الآخر يدعو رئيس المجلس البلدي إلى غير ذلك. منذ متى كان الإعلام يكَرِّم السلطات؟ و هل سبق أن وقع ذلك في بقعة أخرى بالعالم؟ نعم يقع هذا فقط بمدينة بركان. أيها الناس اسمعوا و عوا، و قوموا لأجل وطنكم و لأجل أبنائكم و الأجيال القادمة، حتى لا تظلوا مجرد نكت تتردد على مسامع الناس داخل و خارج ربوع الوطن. للأسف، أوراق البرتقالة ذبُلَتْ و لا أحد يتحرك لصب الماء عليها حتى تعود للحياة، فالكل ألبس الباطل ثوب الحق و صفَّق له و هلَّل باسمه في كل الأماكن. كلما كتبتُ حرفا بهذا المقال تتبادر إلى ذهني أغنية "خذوا المناصب" للطفي بوشناق، يا لطفي لقد أخذوا المناصب و المكاسب و حتى الوطن و تركونا عراة ننتظر الوفاة. نختم هذا ببيتين شعريين للعظيم قدور الورطاسي : شوقي إلى موطن يدمي مآقينا ** يا عمرو ما للهوى دوما يناجينا بركان ما أدركت نفسي مباهجها ** و هاجت شجونا في منافينا