أول ما يتبادر بدهن اي مواطن مغربي عند سماعه لكلمة سياسة هي أنها مهنة كل محتال ينال مبتغاه بأصوات ضعيف ومحتاج، وهذا هو المرجح في الواقع بالبلاد… لكن حسب التعريف الأكاديمي فإنها التسيير والتدبير اليومي واللحظي للشأن المحلي والوطني،في إطار تفاعله مع الكوني تسيرا منظما و مفتوحا و متداخلا مع جميع تخصصات علوم الإنسان والمجتمع والبيئة، محركه الأساسي يتمثل في الأحزاب السياسية، هذه الأخيرة التي يمكن إعتبارها هيئات لا تخرج إلا موازاتا مع تشكل مجتمع تراتبي جديد ومعاصر مستندا الى مرجعية، فلا تحزب داخل الطائفة و القبيلة أو العرق و المشيخة وغيرها من الحركات المبنية على عنصر الركيزة الواحدة المنغلقة المتفردة. علاقة بالموضوع يمكن القول أن السياق التاريخي للمشهد السياسي الحزبي بالمغرب مقسم لفترتين الأولى المنتمية لحقبة الدولة المركزية السلطانية والتي تمتد منذ الفتح الإسلامي إلى بداية القرن العشرين، حيث عرفت البلاد تنظيما مزدوج إتسم بتطور مقرون بالقياس لتلك الحقبة حتى بدايات القرن 14/15 ميلادي مرحلة الجمود. في إطار الدولة السلطانية والتي تعتمد على الكسب التجاري فرض بواسطتها المغرب عولمته لمدة قرنين من الزمن والتي أمتد محافظا على وزنه الدولي قرونا أخرى إذ امتد فيه تراب المغرب في عهد المرابطين من نهر السينغال جنوبا إلى الأندلس شمالا وعرضا من المحيط إلى جزائر بني مزغنة ثم بعدها في عهد الدولة الموالية الموحدين شرقا لتشمل كل المغرب الكبير الحالي إضافة لذلك الأندلس. علاوة على ذلك فان الزوايا كشكل قديم من التحزب ساهمت إلى جانب الدولة السلطانية المركزية في بسط نفوذها مستغلتا وحدة العقيدة مذيبة لكل تباين قبلي و إثني أوطائفي إذ لعبت الزوايا في تاريخ المغرب أدوارا مختلفة، سواء على المستوى السياسي أو الديني أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو الديبلوماسي. ويعود ذلك بشكل أساسي إلى التداخل الذي كان قائما بين الانتماء الديني والانتماء الصوفي في المغرب، الذي عرف في تقاليد الدراسات الإثنوغرافية الأوروبية بأنه «أرض الأولياء»، لكن ليست كل الزوايا تجري وتحقق ما تشتهي الدولة المركزية السلطانية فمنها من تنسج معه الأخيرة تحالفات دائمة أو مؤقتة لضمان ولاء أتباعها من القبائل لتستمد مشروعيتها وفرض شوكتها وهناك أخرى تكون ضد الحكم والحاكم . حقبة القرن العشرين امتازت بالصدمة الإستعمارية الكبرى لفرنسا في وسط البلاد وإسبانيا بأقصى شمال المملكة وجنوبها،والتي لها أثر على إضعاف الدولة السلطانية المركزية وتراجع قدرة الزوايا التأطيرية،هذا واكبه مجيئ الإستعمار بدولته الحديثة المتجددة و القوية الضاربة بنظام الأحزاب السياسية المعاصرة و المتميز بالقطيعة مع نمط القبيلة أو الطائفة وكذلك مع نظام الزوايا المتلاشي. مع نشأة الحركة الوطنية التي ارتكزت في عملها على معايير غير تلك التي كانت ترتكز عليها الزاوية. فقد ظهرت النزعة الوطنية مكان النزعة القبلية وكذلك أنها لم تجد سبيلا لمقاومة الإستعمار دون تأطير حزبي منظم وبالفعل تشكلت أحزاب وطنية نواياها حسنة نجحت كذلك في تفاعلها الموجب مع الملكية لغاية مشتركة الا وهي تحقيق إستقلال البلاد وهو الهدف الذي تحقق سنة 1956. الا أن بعد الإستقلال برزت الإنشقاقات العنيفة تتخللها المحاولات المتتالية للإنفراد بالسلطة وهيمنة الحزب الوحيد،ففي نهاية خمسينيات القرن الماضي، انشق عن حزب الاستقلال اليميني، الذي كان نواة الحركة الوطنية المغربية، حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذي هو بدوره انشق عنه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والذي شهد هو الأخرانشقاقًا في بداية ثمانينيات القرن الماضي مع بروز حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، ثم انشق عنه تيار الوفاء للديمقراطية ،كذلك حزب الحركة الشعبية الذي انشقت عنه عدة أحزاب لعل من أبرزها حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية بقيادة الدكتور الخطيب رحمه الله والذي إندمج مع حركة الإصلاح والتجديد ليتشكل بعدها حزب العدالة والتنمية وفقا للشروط الثلاث للدكتور الخطيب وهي العمل بمرجعية إسلامية والاعتراف بالملكية الدستورية ونبذ العنف. الانشقاقات لم تكن منحصرتا فقط على أحزاب اليمين و اليسار بل شملت كذلك الأحزاب المسماة إدارية إذ انشق حزب الإصلاح والتنمية، ومن قبله الحزب الوطني الديمقراطي، عن حزب التجمع الوطني للأحرار المعروف على أنه حزب صهر الملك الحسن الثاني رحمه الله. هذا كله أدى لإضعاف الجميع لتتسم الوضعية بالجمود لأزيد من أربعة عقود من الزمن تقريبا ما أتاح فرصة ظهور تشكيلة متنوعة من الأحزاب وهي كالتالي: الشكل الاول الذي يجمع الأحزاب القديمة الأولى التي شاركت ضمن الحركة الوطنية وتلك التي انفصلت عليها خلال السنوات الأولى من الإستقلال، هذه الأحزاب التي إعتبرت التعددية ترفا سياسيا يبدر الجهود والموارد. الشكل الثاني عبارة عن أحزاب محتوية للنزاعات ينتشر هذا الشكل كلما استمر الأول في رتابته السياسية، شكل يدبر أزمة تخارج أزمنة الأحزاب السابقة الذكر باحتوائها النزعات التي تطفو على السطح لإنحباس تأطير الشكل الأول ونذكر هنا جبهة الدفاع عن المؤسسات التي حاربت الحزب الوحيد. الشكل الثالث و المتمثل في الأحزاب المتقمصة لدور أرنب سباق إذ هي أحزاب صغيرة ومجهرية أغلبيتها منشق عن حزب سابق فشلت في الإنتشار ولا تتملك شجاعة التراجع وفضلت وظيفة أرنب سباق انتخابي إزاء الأحزاب الكبرى. الشكل الرابع والأخير والتي هي عبارة عن أحزاب الدولة ،أي المستحدثة للمشاركة في الحكم و الاستحواذ عليه وكذلك لتعويض فراغ الأحزاب وضعف بعضها و إنحراف الأشكال الأخرى إلى أن معظمها أيضا هي الأخرى لم تفلح في تأدية مهمتها جيدا مما اضطر بخلق نمط جديد الا و هو ملء الفراغ بالتكنوقراطي،إذ أن كل الأمور واضحة للعيان خصوصا بعد ثاني إنتخابات تشريعية في عمر الدستور الجديد للمملكة "إنتخابات 07 أكتوبر 2016" وما بعدها من مراحل وعلى وجه الخصوص مرحلة البلوكاج الحكومي. في أخر المطاف يجب أن تستوعب الأحزاب السياسية الدروس المستوحاة من إنفجارات الثورات العربية المتتالية رغم الإختلاف الملحوظ بينها ، وجعل مصلحة الوطن والمواطن المغربي في جميع ربوع المملكة بالسهول و الجبال وجب وضعها صلب أعينهم وكذلك العمل على تأدية مهامها الدستورية كما جاء في الفصل 07 من دستور المملكة لعام 2011،والرامي إلى تأطير المواطنات و المواطنين وتكوينهم السياسي وتعزيز إنخراطهم في الحياة الوطنية، حين ذاك يمكن الحديث على وشك بداية مأمولة لتشكل حقل ومشهد سياسي سليم ومتوازن في توجهاته ومكوناته واليات إشتغاله بعيد كل البعد عن إستغلال ضعف و حاجة المواطن… طالب بالتدبير العمومي والتنمية المجالية، كلية الحقوق جامعة القاضي عياض.