إن السياسة الممنهجة من طرف الدول النامية في إطار إستراتيجيات التنمية اقتصادية تركت نتائج وأثار سلبية إذ لم تقوم على رفع المستوى المعيشي للفرد، ويعود السبب في ذلك إلى إهمال عدة عوامل عند إرساء هذه الإستراتيجيات، فعمليات التنمية تهدف بالأساس إلى إشباع الحاجات الأساسية للأفراد خاصة الفقراء منهم كي يساهم هؤلاء في تقدم المجتمع بفضل عطائهم. فزيادة الدخل لاتعني شيئا إذا لم يكن هناك تغير في نمط حياة الفرد ماديا ومعنويا، لذا أصبح يؤخذ بعين الاعتبار مؤشر التنمية البشرية إلى جانب التنمية المستدامة التي تقوم بتلبية حاجيات الأجيال الحالية والقادمة، بالاضافة إلى استراتجيات التنمية الاجتماعية التي هي الأخرى لابد أن تهدف إلى ضرورة وجود عدالة في التوزيع للثروة، وتوفير رفاهية الشعب وكذلك العمل على تحقيق المصلحة العامة ولكي تنتج تنمية متكاملة تراعي جميع الجوانب. فالسياسة الاجتماعية وكما تحدثت عنها في البداية تتطلب انسجام مع طبيعية النظام السياسي الأمثل الذي يستجيب للمطالب المجتمعية ويحقق التنمية المنشودة ويعمل على تقديم مخرجات ذات جودة في السياسات العامة، لذلك على المغرب كحالة دراسية ان ينظر في تحويل أو نقل بعض السلطات والصلاحيات على المراكز الرئيسية المحلية التي تعالج الخدمات نفسها لتقليص التكاليف والهروب البيروقراطية وتبني أسلوب الشراكة مع المواطن ولعل أقرب مثال ما قمت به دولة جنوب افريقيا التي وضعت برنامج "الشعب أولا " حول تقديم الرعاية الصحية وتعليم الشعب والمحافظة عليه أمنيا والبحث في مجالات الرفاهية لعموم المواطنين وبالتالي حضور الدولة أمر لا جدال فيه لتنمية اجتماعية. المغرب كبلد نامي يظهر من خلال بعض الدراسات أن الحكومة تعمل على تقديم سياسات ظرفية ومناسباتية لايراعي فيها حجم المستفيدين ولا طموحاتهم والدليل انه في كل أزمة اجتماعية إلا ويكون هناك وصفة جاهزة دون معرفة المشكلة وعواقبها ولهذا نجد أن السلطات والحكومة بشكل عام تنفرد بصنع سياسة اجتماعية وتنفيذها دون إشراك مختلف الفواعل المعنية بهذه السياسات والتي على العكس تماما تتطلب معرفة وتخطيط دقيق الأولويات والمطالب الاجتماعية وتطبيقها على أرض الواقع . عموما إن محاولة تقديم مقاربة حول جودة السياسات الاجتماعية لا يتم إلا في إطار أخلاقي وفي إطار الحكم الراشد لتنمية الصناعية الركيزة والدعامة الأساسية للتنمية الاقتصادية الشاملة وذلك لما تمكنه وما تضمنه من تعزيز الانتاجية وزيادة القيمة المضافة، وإحداث لمناصب شغل قادرة ودائمة ذات كفاءة عالية وتأمين الاكتفاء الذاتي وجلب الاستثمارات الأجنبية، ومن هذا المنطلق أولي. للمغرب أهمية قصوى لدعم القطاع الصناعي وجعله رئيس الحكومة من أهم الأولويات في برامجه، ولكن ما يهمنا هو السياسة الصناعية بالمغرب وإشكالياتها والتحديات التي تواجهها، فأمام المملكة المغربية فرصة تاريخية للتموقع الاستراتيجي على المستوى الإقليمي، لما تشهده المنطقة وأكبر المنافسين فيها من مشاكل سياسية اجتماعية واقتصادية ففي المجال الاجتماعي تعتبر الصناعة الدعامة الأساسية لتوفير مناصب شغل مباشرة وقارة لحاملي الشهادات بكفاءة عالية وشكل دائم، وبالتالي فهي الحل الأمثل لخفض معدل البطالة، حيث ينبغي أن تتمحور السياسة الصناعية في المغرب بشكل واضح سنة 2020 باعتماد على مخطط هام، ساهمت استراتيجية الاقلاع الصناعي في إحداث تحول مهم في بنية الصادرات، وذلك بتطوير المهن العالية، صناعة السيارات والطائرات والإلكترونات وترحيل الخدمات حيث أصبحت تمثل 38% من مجموع الصادرات في سنة 2014، وكذا خلق ما يناهز 110,000 منصب شغل إلى غاية 2012 بالإضافة إلى استقطاب المغرب لمجموعة صناعية كبرى، ك( رونو) و(بومباردي)، وارتفاع الاستثمارات الأجنبية بمعدل سنوي يقارب 23%، إلا إن رغم الإيجابيات التي حققها الميثاق الوطني للإقلاع الصناعي فإن هذا المجال يعاني من عدة اختلالات وتحديات، يمكن تخليصها في ما يلي، تجزأ الصناعة الوطنية، وتأثرها بمنافسة القطاع الغير المهيكل والريع، صعوبة إدماج الفاعلين الصغار في المجال الصناعي، كذلك غياب التكامل والتعاون بينهم وفقدان المغرب لأهم ميزة التنافسية لديه على المستوى الإقليمي والدولي والتي كانت تتجلى في انخفاض كلفة اليد العاملة، دون أن ننسى تغييب البحث العلمي في هذا المجال، ولتوطيد التراكمات التي حققها المغرب في هذا المجال وتطوير الإنجازات ومكتسبات الميثاق الوطني للإقلاع الصناعي ولمعالجة الاختلالات الصناعية المغربية بإداث صندوق التنمية الاقتصادية والاستثمارات بغلاف مالي يقدر ب ثلاثة ملايير درهما لكل سنة، من أجل تفعيل المخطط الوطني لتسريع التنمية الصناعية ( 2014-2020)، ولعل من ثمرات هذا المخطط مشروع المجموعة الفرنسية " بي إسى أبوجو ستردين" بتعاون مع الحكومة المغربية وصندوق استثماراي سيادة إماراتي الذي يروم تشييد أول منصة صناعية في افريقيا والعالم العربي. المراجع أحمد كمال أحمد، السياسة الاجتماعية، مكتبة القاهرة الحديثة، 1970، مصر. المغرب ممكن، تقرير الخمسينية، مطبعة دار النشر المغربية، المغرب . محمد كريم، الاقتصاد الاجتماعي بالمغرب، التنمية الاجتماعية بالمغرب، التنمية المعاقة وجدلية الاقتصاد والمجتمع، 2012. محمد عابد الجابري، المغرب المعاصر، الخصوصية والهوية، الحداثة والتنمية، الطبعةالألى، الدارالبيضاء . محمد المودني باحث في السوسيولوجيا